من أقوال السلف في حفظ اللسان -2

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

& اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك....ولا تتكلم بما أنت مستغن عنه, ولا حاجة بك إليه, فإنك مضيع به زمانك, ومحاسب على عمل لسانك.

  • التصنيفات: الآداب والأخلاق -

** قال الإمام ابن عبدالبر:

& الكلام بالخير أفضل من السكوت, والسكوت خير من الكلام بالباطل.

& قول الخير أفضل من الصمت, لأن قول الخير غنيمة, والسكوت سلامة, والغنيمة أفضل من السلامة, وكذلك قالوا: قل خيراً تغنم, واسكت عن شر تسلم.

& معنى قيل وقال – والله أعلم _ : الحديث بما لا معنى له, ولا فائدة فيه, من أحاديث الناس, التي أكثرها غيبة, ولغط, وكذب, ومن أكثر من القيل والقال مع العامة لم يسلم من الخوض في الباطل, ولا من الاغتياب, ولا من الكذب.

& قبيح الكلام....سلاح اللئام.

** قال الإمام الغزالي رحمه الله:

& اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك....ولا تتكلم بما أنت مستغن عنه, ولا حاجة بك إليه, فإنك مضيع به زمانك, ومحاسب على عمل لسانك.

& حدّ الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكتّ عنه لم تأثم, ولم تستضر به في حال ولا مال مثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك, وما رأيت فيها من جبال وأنهار, وما وقع لك من الوقائع, وما تعجبت منه. فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم, ولم تستضر. ومن جملتها: أن تسأل غيرك عما لا يعنيك, فأنت بالسؤال مضيع وقتك, وقد ألجأت صاحبك أيضاً بالجواب إلى التضييع.

& فضول الكلام...مذموم, وهذا يتناول الخوض فيما لا يعني, والزيادة فيما يعني على قدر الحاجة. فإن من يغنيه أمر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر, ومهما تأتى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين, فالثانية فضول, أي: فضل عن الحاجة, وهو أيضاً مذموم _ لما سبق _ وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر.

ـــــــــــــــ

& الكلام في المعاصي, كحكاية أحوال النساء, ومجالس الخمر, ومقامات الفساق, وتنعم الأغنياء, وتجبر الملوك, ومراسمهم المذمومة, وأحوالهم المكروهة, فإن كل ذلك بما لا يحل الخوض فيه, وهو حرام.

& الفحش وبذاءة اللسان...مذموم منهي عنه, ومصدره الخبث واللؤم, فأما حده وحقيقته فهو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة, وأكثر ذلك يجري في ألفاظ الوقاع, وما يتعلق به, فإن لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها, وأهل الصلاح يتحاشون عنها, بل يكنون عنها.والباعث على الفحش إما قصد الإيذاء, وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق, وأهل الخبث واللؤم.

** قال الحافظ ابن الجوزي: رب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان.

** قال الإمام النووي رحمه الله:

& ينبغي لمن أراد النطق بكلمة, أو كلام, أن يتدبره في نفسه, قبل نطقه, فإن ظهرت مصلحة تكلم, وإلا فأمسك.

& الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار, وهي الكلمة التي فيها تطيب قلب الإنسان, إذا كانت مباحة, أو طاعة.

& ينبغي للإنسان أن لا يتكلم إلا بخير, فأما الكلام المباح الذي لا فائدة فيه فيمسك عنه مخافة من انجراره إلى حرام أو مكروه.

& ينبغي الإمساك عن الكلام الذي ليس فيه خير ولا شر لأنه مما لا يعنيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

& الآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن.

ـــــــــــــــ

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:

& الأقوال التي ذمها الله في كتابه أكثر من أن تُعدَّ, كالكلام الخبيث, والقول الباطل, والقول عليه بما لا يعلم القائل, والكذب, والافتراء, والغيبة, والتنابز بالألقاب, والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول, وتبييت ما لا يرضى من القول, وقول العبد بلسانه ما ليس في قلبه, وقوله ما لا يفعله, وقول اللغو, وقول ما لم يُنزل به سلطاناً, والقول المتضمن للشفاعة السيئة, والقول المتضمن للمعاونة على الإثم والعدوان, وأمثال ذلك من الأقوال المسخوطة والمبغوضة للرب تعالى, التي كلها قبيحة لا حسن فيها ولا أحسن.

& جعل سبحانه على اللسان غلقين أحدهما الأسنان والثاني الفم. وجعل على العين غطاءً واحدًا، ولم يجعل على الأذن غطاءً؛ وذلك لخطر اللسان وشرفه وخطر حركاته.وفي ذلك من اللطائف فإن آفة الكلام أكثر من آفة النظر, وآفة النظر أكثر من آفة السمع فجعل للأكثر آفات طبقتين وللمتوسط طبقًا واحدًا وجعل الأقل آفةً بلا طبق

& في اللسان آفتان عظيمتان: إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام, وآفة السكوت.وقد يكون كل منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها, فالساكت عن الحق شيطان أخرس, عاصٍ لله مراءٍ مُداهن إذ لم يخف على نفسه, والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاصٍ لله, وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته, فهم بين هذين النوعين. وأهل الوسط – وهم أهل الصراط المستقيم – كفوا ألسنتهم عن الباطل, وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة, فلا يرى أحدهم أنه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة, فضلاً أن تضره في آخرته.

ـــــــــــــــ

** قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

& من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وينفعه.

& من لم يعد كلامه من عمله كثرت خطاياه

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:

& يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره, فكل ساعةٍ لم يذكر الله فيها, تتقطع نفسه عليها حسرات. فمن هنا يعلم أن ما ليس بخير من الكلام, فالسكوت عنه أفضل من التكلم به, اللهم إلا ما تدعو إليه الحاجة, مما لا بُدَّ منه.

& الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه, يوجبُ قساوة القلب.

& النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالكلام بالخير, والسكوت عما ليس بخير, فليس الكلام مأموراً به على الإطلاق, ولا السكوت كذلك, بل لا بد من الكلام بخير, والسكوت عن الشَّرِّ, وكان السلف كثيراً ما يمدحون الصمت عن الشر, وعما لا يعني, لشدته على النفس, ولذلك يقع فيه الناس كثيراً, فكانوا يعالجون أنفسهم ويجاهدونها على السكوت عما لا يعنيها.

& من حسًن إسلامه ترك ما لا يعينه من قولٍ وفعلٍ, واقتصر على ما يعينه من الأقوال والأفعال.

وأكثر ما يرادُ بترك ما لا يعني: حفظ اللسان من لغو الكلام

** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إذا أراد أن يتكلم فليفكر في كلامه, فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسده, ولا يجر إلى محرم ولا مكروه فليتكلم, وإن كان مباحاً فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى المحرم والمكروه.

 

ـــــــــــــ

** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:

& قوله تعالى: ﴿ {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ}  ﴾ أي: خطاب جهل, ﴿ { قَالُوا سَلَامًا } ﴾ أي: خاطبوهم خطاباً يسلمون فيه من الإثم,  ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله, وهذا مدح لهم بالحلم الكثير, ومقابلة المسيء بالإحسان, والعفو عن الجاهل, ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال.

& قوله تعالى: ﴿ { والَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } ﴾ أي: لا يحضرون الزور, أي: القول والفعل المحرم, فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة, أو الأفعال المحرمة, كالخوض في آيات الله, والجدال بالباطل, والغيبة, والنميمة, والسب, والقذف, والاستهزاء, والغناء المحرم, وشرب الخمر, وفرش الحرير, والصور, ونحو ذلك, وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه, وشهادة الزور داخلة في قول الزور, تدخل في هذه الآية بالأولوية.

& قوله تعالى: ﴿ {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} ﴾ وهو الكلام الذي لا خير فيه, ولا فيه فائدة دينية, ولا دنيوية ككلام السفهاء, ونحوهم ﴿مَرُّوا كِرَامًا ﴾ أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه, فإنه سفه...فربأوا بأنفسهم عنه, وفي قوله: ﴿ {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ } ﴾ إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره, ولا سماعه, ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.

** قال العلامة ابن باز رحمه الله: الوصية بحفظ اللسان عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة, لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام, أو مكروه, وذلك كثير بين الناس.

 

ــــــــــــــــ

** قال العلامة العثيمين رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «كفى بالمرء كذبًا أن يُحدث بكُلِّ ما سمع» ))، مراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يحدِّث بكل ما سمع بغير تثبُّت؛ ولهذا قال: ((بكُلِّ ما سمِع))، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، فكون الإنسان مهذارًا، وكل ما سمع شيئًا تحدَّث به، فإنه تكثرُ عثراته؛ ولهذا قيل: من كثر كلامه كثُر سقطُه، وهذا شيء مجرب ومشاهد.

** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: الله الله في اللسان, فإنه أعظم الجوارح خطراً, ومما يتساهل فيه أكثر الناس, فاحذر الخوض فيما لا يعنيك, وبخاصة فيما يتعلق بالدين, أو بالعلم, أو بأولياء الله, أو بالعلماء, أو بصحابة النبي علية الصلاة والسلام, أو بالتابعين.

** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: مما يتعلق بهذا أن نحفظ ألسنتنا عن الكلام في الخلق, فلا نتكلم في أحد مهما استطعنا إلى ذلك سبيلاً, والكلام في الآخرين قدحاً وسباً إنما يكون عند الحاجة الشرعية والمقتضي الشرعي لمثل ذلك, ومتى تمكنا من عدم ذكر أولئك الأشخاص الذين يكون عليهم ملحوظات فهو أولى وأحسن, لأننا إذا تمكنا من رد الباطل بدون أن ننسبه لأصحابه فهذا هو المطلوب الشرعي, لئلا نُقيم لأصحاب الباطل وزناً, ونجعل الناس يرددون أسماءهم, وقد يتعصب لهم بعض الناس لأولئك الأشخاص فيكون سبباً في ضلالهم وأما إذا رددت الباطل ولم تذكر أصحابه فإنك حينئذ لا تقيم لهم وزناً ولا اعتباراً, وفي نفس الوقت لا ينغرُّ الناس بهم, ولا ينخدعون بكلامهم, ولا يكون الولاء والبراء على أسماء الأشخاص, وإنما يكون الولاء والبراء على المعتقد الصحيح الثابت في كتاب الله, وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  

          كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ