الأذان .... والجرأة على شعائر الإسلام
ويستحب رفع الصوت به من غير تلحين أو تطريب متكلَّف يُخرجه عن المراد منه، فقد كره جمهور العلماء تلحين الأذان، وقالوا أنه لا يُبطل الأذان إلا إذا تفاحش أو غيّر المعنى، فيحرم بذلك.
- التصنيفات: فقه العبادات -
د. محمد بديع موسى
الأذان عبادة من العبادات التوقيفية التي يجب فيها الاتباع لا الابتداع، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل التأذين، وكيفيته، وألفاظه التي تبدأ ب ( الله أكبر ) وتنتهي ب ( لا إله إلا الله ) فلا يجوز الزيادة فيه ولا النقصان منه، ولا تغيير صفته أو تحريف المراد منه.
وذكر العلماء في حكمته أربعة أشياء :
١- إظهار شعائر الإسلام، وكلمة التوحيد.
٢- الإعلام بدخول وقت الصلاة.
٣- بيان مكانها.
٤- الدعاء إلى الجماعة. ( شرح مسلم للنووي ).
فالأذان من أظهر شعائر الدين، كما قال أنس رضي الله عنه : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كفّ عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم" ( البخاري ).
ويستحب رفع الصوت به من غير تلحين أو تطريب متكلَّف يُخرجه عن المراد منه، فقد كره جمهور العلماء تلحين الأذان، وقالوا أنه لا يُبطل الأذان إلا إذا تفاحش أو غيّر المعنى، فيحرم بذلك.
وإذا كان المراد من الأذان وصوله إلى أكبر عدد من الناس فمن الطبيعي أن يكون المؤذن نديَّ الصوت حادّ النبرة، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن زيد ( الذي رأى رؤيا الأذان) قائلاً: " «ألقِهِ على بلال فإنه أندى منك صوتاً» "، قال الحافظ: "أي: أقعَد في المَدّ والإطالة والإسماع، ليعمّ الصوت، ويطول أمدُ التأذين، فيكثر الجَمع، ويفوت على الشيطان مقصوده ".
فالمؤذن ذو الصوت الندي أي: الرفيع الحسَن، الذي يصل مداه إلى ماهو أبعد من غيره ، لا يعني أن يكون مطرباً يتغنى بالأذان غناء، ويبالغ في التمطيط والتمديد، ويؤديه على المقامات الموسيقية، مما يخرجه عن حدّ الإفهام.
لقد كان السلف يعظمون شعائر الله تعالى، ويراعون في المؤذن الإخلاص في عمله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعثمان بن أبي العاص: " «واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً» " ( أبو داود) ، وأن لا يُشغل الناس عن المعنى العظيم الذي يدعو إليه بالتطريب والغناء، فهذا عمر بن عبد العزيز يقول للمؤذن الذي أذّن فطرّب في أذانه: " « أذِّن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا» " ( البخاري). قال الحافظ ابن حجر :" والظاهر أنه خاف عليه من التطريب الخروج عن الخشوع، لا أنه نهاه عن رفع الصوت ". ( فتح الباري).
وثبت أن رجلاً قال لابن عمر رضي الله عنهما : إني أحبك في الله، قال : "فاشهد أني أبغِضك في الله ! قال: ولِمَ ؟ قال: لأنك تلحّن في أذانك، وتأخذ عليه أجراً" ( الصحيحة ٤٢).
لقد صرنا - وللأسف - نسمع أنواعاً من الأذان المتكلَّف المركب على إيقاعات مخصوصة مما لا يحصل إلا بتكلف وتمرن وبالتالي لا يمكّن السامعين من الترديد وراءه، فجعله كثير من المؤذنين مادة للتفاخر والرياء، يتباهون في تقليد فلان أو علّان، وصار لبعض البلاد أنغاماً تختلف عن أنغام البلاد الأخرى، حتى صار الأذان ( أيقونة ) موسيقية يتدرب عليها البعض ويتبارون في حُسن أدائها، حتى صار المؤذنون في بعض البلاد يزهدون بأجر الأذان أو يتعاجزون عنه، فينقلونه عن الإذاعة أو المسجّل ويستريحون، بل وجدنا من يؤديه بشكل جماعي، ونغمٍ مخصوص، يزيدون عليه في أوله وآخره ما ليس منه، بعيداً كل البعد عن الهدي النبوي في هذه الشعيرة العظيمة ( كما هو في المسجد الأموي في دمشق ). فلا غرابة - إذ الأمر كذلك - أن تخرج علينا اليوم أصوات نشاز، لا تعرف لله قدراً، ولا للدين حرمة، تدعو إلى أدائه بصوت ( أم كلثوم ) أو غيرها، يستخفون بأعظم شعائر الله وأظهرها، بعد أن شاهدوا كثيراً من المسلمين يفعلون مثل ذلك !!.
فالسُّنة السُّنة أيها المؤذنون، فإن أحسنتم فمقامكم عند الله عظيم، وقد ورد في أجر عملكم مالم يرِد في أجر إمامة المصلين، وحذار من الرياء، فإنه شِركٌ خفي، مُحبِطٌ للعمل، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة.
- د محمد بديع موسى -