الذوق.. خلق الصالحين

ما الذوق في الإسلام إلاَّ شعار الدين، والباعث الحقيقي لكلِّ خُلق مَتين، والداعي لكلِّ خير وجمال ومَتَانة في علاقات الناس أجمعين، فله ترتاح النفوس، وبه تَزداد المحبَّة والراحة...

  • التصنيفات: الآداب والأخلاق - أخلاق إسلامية -

اللهم إني أُشهدك أني أحبُّ نبيَّك سيِّدَنا محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - رسول الإنسانية، ومَنبع الأخلاق الذكية، وأساس الخيرات الدنيويَّة والأخروية، والداعي لكلِّ ما فيه السعادة والسرور لجميع البشرية، مَنْ جَعلْتَ منه الرحمة المُهداة، وفي اتِّباعه الأساس لكلِّ مَن يرجو النجاة، صاحب الخُلق العظيم، والذوق العالي الرفيع، الذي منَحته الحياء الجميل، فجَمَّلته به وزيَّنته، فلم تَجعله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلاَّ نورًا لكلِّ سالك، وهدايةً لكلِّ شاردٍ، وجَعَلت الفخر والكرامة والعِزَّة لكلِّ مسلمٍ في أن يتَّبع ذلك الرسول الإنسان، صاحب أفضل الأخلاق وجميل الخِصال الحِسان، مَن كان بالطفل وبالزوجة، والبنين والبنات والناس رؤوفًا رحيمًا، صلى اللهُ على النبيِّ العدنان.

 

زيَّنتَه بالحِلم، وأكرَمْتَه بالعلم، وفَقَّهتَه في الدين، فجَعَلت منه النور المُبين لكلِّ مَن أراد أن يتخلَّق بأخلاق الصالحين المؤمنين، صلَّى عليك الله يا رسول الله، صلاة كاملة وسلامًا تامًّا يكونان سببًا في حلِّ عُقدنا، وانَفراج كَرْبنا، وقَضَاء حوائجنا، والفوز بجميل وأحسن الرغائب، وعلى آلِك وصَحْبك في كلِّ لَمحة ونَفَسٍ بعدد كلِّ معلوم عند الله أرحمِ الراحمين، وحبيب سيِّد المُرسلين.

 

لماذا الذوق؟! لأنه سلوك غفَل عنه كثير من عوام الناس، إلاَّ مَن رَحِم الله، وكثير كذلك من الملتزمين بالدِّين، فضاعَت ذوقيَّات التعامل، وأصبحنا نرى سلوكيَّات يَنْدَى لها الجبين، قد لا تَحْدُث ممن هم على غير ديانة سيِّد المرسلين النبي محمدٍ طه الأمين.

 

الذوق والإسلام:

ما الذوق في الإسلام إلاَّ شعار الدين، والباعث الحقيقي لكلِّ خُلق مَتين، والداعي لكلِّ خير وجمال ومَتَانة في علاقات الناس أجمعين، فله ترتاح النفوس، وبه تَزداد المحبَّة والراحة، ويزول كلُّ كربٍ وهمٍّ عن المَكلوم، ومَن يحملون ضِيقًا في النفوس، بالذوق ستُحَل المشاكل ومُعضلات الأمور، بالذوق سيفوز الناس بقلوب صافية، بالذوق لن نجدَ بين المسلمين الغِلَّ والحِقد والحسد، بالذوق سترتاح النفوس، ولن تجدَ إلاَّ كلَّ جمالٍ وسعدٍ، وتكافُلٍ ملموس ومحسوس بين الناس.

 

صدَق الله العظيم، صدَقَت ربي وتعالَيْتَ عندما مدَحت وأثْنَيت على نبيِّك وحبيبك محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندما قلتَ وقولك الحق: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

 

فلم تَمتدحه في هذه الآية الشريفة بعشيرته، ولَم تَمتدحه بفُتوَّته، ولَم تَمتدحه بشجاعته، ولَم تَمتدحه برسالته.

 

وهذا كله وغيره يستحقُّ المدح به والثناء عليه، إلاَّ أنَّك يا ربنا يا عظيم، أردْتَ بهذه الآية الكريمة والمكوَّنة من أربع كلمات - أردْتَ بها ومنها أن تُعطي الإشارات وتُنَبِّهنا إلى نبيِّنا العظيم، وإلى أخلاقه العظيمة التي لَم يبلغها أحدٌ مثله، وكأنك يا ربنا تُرسل لنا وَمَضات مُسْعدات لنا في حياتنا، لن نجدها إلاَّ إذا كنا كحبيبك بالأخلاق عُظماء، وبالذوقيَّات والسلوكيات عُلماء، ومُطَبِّقين لها وفُقهاء.

 

نحو ذوقيَّات مهمَّة:

1- الاتصالات:

قد تجد كثيرًا من الناس يتَّصل عليك بالهاتف بطُرق لا ذَوْقَ فيها ولا أخلاق، يَطلبون الرقْم ويَظَلون على الاتصال دون توقُّفٍ، في الوقت الذي يجب أن يتوقَّف بعد مرور ثلاث رنات على الهاتف، فقد يكون المتَّصَل عليه مشغولاً في أمر مهمٍّ، قد يكون في عملٍ أو اجتماعٍ ولا يستطيع الردَّ وقتذاك، وقد يكون مريضًا غير قادرٍ على الحديث هاتفيًّا، وقد يكون الهاتف على وضعيَّة الصامت، وقد يكون المتَّصَل عليه نائمًا، وقد يكون، وقد يكون، وقد يكون.

 

فيا مُتَّصلاً بالهاتف كثيرًا، لا داعي أن تُطيل الاتصال وتُكَرِّره كثيرًا، وكن صاحبَ ذوقٍ، واكتفِ بثلاث رنَّات، فالذوق جمال ورحمة، واللبيب بالإشارة يَفهم.

 

2- البيوت:

قد يذهب البعض إلى الناس في بيوتهم، فيَطرقون الباب عشرات المرَّات، في حين أنَّ الإسلام قد حدَّد في ذلك ما يُدلِّل على جمال الذوق والأخلاق، بأن تَطرق الباب مرَّة، ثم تنتظر، ثم تُتبعها الثانية، ثم تَنتظر، ثم الثالثة، وتَبتعد عن الباب، فإذا لَم يَرد عليك أحدٌ، فتوكَّل على ربِّك وارْجِع؛ فهو أقرب للتقوى، وأحْفَظُ لماء الوجْه.

 

فقد يكون صاحب الدار نائمًا، وقد يكون على غير استعدادٍ لأن يُقابِلَك، وقد يكون الدار غير منظَّمٍ ولا مُرتَّبٍ، وقد يكون، وقد يكون، وقد يكون.

 

فيا طارقًا لأبواب الناس، كن صاحبَ ذوقٍ وتأدَّبْ بآداب الإسلام؛ فالذوق سعادة.

 

3- رسائل الهواتف:

قد تجد كثيرًا من الناس تَصِله رسائل على هاتفه المحمول من أناسٍ يحبُّونه، رَغِبوا في تهنئته بمناسبة سعيدة، أو بدعاء جميل، أو تذكيرٍ بطاعة، ثم لا تجد من هؤلاء ردًّا على رسائل غيرهم، فلا مُبالاة ولا اهتمام، في حين أن الآخرين كَلَّفوا أنفسهم بكتابة الرسائل، وبقيمتها: صغيرة كانت أو كبيرة، وعبَّروا عن طيب أخلاقهم، وجميل ذوقيَّاتهم، إلاَّ أن المُرْسَلة إليهم الرسائل، قد قابَلوا هذا الحبَّ وذلك الذوقَ، بعدم الردِّ برسائل مثلها، ناسين قولَ ربِّهم: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86].

 

مما قد يُصيب المُرسِل بضيقٍ وحزنٍ؛ بسبب عدم اهتمام المُرْسَل إليه الذي قد يكون بذلك مُتَكبرًا على عباد الله، الذين أحْسَنوا وبادَروا، وعبَّروا عن جميل خُلقهم، وجمال ذوقيَّاتهم.

 

فيا هذا المتكبِّر، لِمَ تتكبَّر؟ وعَلامَ تتكبَّر؟ أنسيتَ أنَّك قد خُلِقت مِن مَنيٍّ يُمْنَى؟

كن صاحبَ ذوقٍ وأحْسِن إلى الناس كما يُحسنون إليك.

 

وهل جزاء إحسانهم إليك تَجاهلك لهم، فالذوق دليلُ التربية الطيِّبة، والفَهم الجميل لمعاني الإسلام.

 

4- الاقتراض:

قد تجد مَن يَقترض منك لحاجة ماسَّة، فتُقرضه، ثم إذا قدَّمت له ورقة لإثبات الدَّين وطريقة السَّداد، تَجده يَحزن منك ويتضايق، كيف تفعل ذلك معه؟ ألسْتَ واثقًا فيه؟ ألسْتَ مؤتمنًا له؟ وهكذا كثير من الانفعالات غير الطبيعية، والتي تَصطدم في حقيقتها مع شَرْع الله الذي أتى إلينا به في سورة البقرة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].

 

سبحان الله، يأمر المولى تعالى بكتابة الدَّيْن، ويوجِّه خطابه للذين آمنوا، أليس في ذلك مصلحة للذين آمنوا، وتطبيقٌ للشرع، وضمانٌ للحقوق؟ فلماذا تكون ردود الأفعال غريبةً من جرَّاء كتابة الدَّيْن.

 

أليس في كتاب الله دستور لنا يُنَظِّم حياتنا الاجتماعية فيما بيننا، ويضمن أموالنا تُجاه بعضنا؟

ألا من باب أوْلَى أن يَشكر المقترِض صاحبَ القرض على أن يسَّر أمرَه، وفَكَّ كرْبَه، وأعانَه على نوائب الدهر؟!

 

فيا مُقترضًا، كن صاحبَ ذوقٍ؛ فالذوق ضمانة اجتماعيَّة توقِف الخلافات والمَظانَّ السيِّئة، وتَضمن الحقوق.

 

5- القمامات:

قد تجد كثيرًا من الناس مَن يقوم برَمْي قمامات بيته أمام بيوت الناس أو في الطريق، غير عابئ بِمَن حوله، مُؤْذيًا للناس، غيرَ مؤدٍّ لحقِّ الطريق، متناسيًا قولَ رسوله وقُدوته سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ما زال جبريل يُوصيني بالجار؛ حتىظَننتُ أنه سيُورِّثه»؛ (مُتفق عليه).

 

فيا مؤذيًا الناس، كن صاحبَ ذوق؛ فالذوق هداية، والجار حبيب للرسول ووَحْي الرسول.

 

6- الانتظار:

قد تجد بعضًا من الناس إذا ذهَب إلى مصلحة من المصالح - خاصة أو حكوميَّة - أو ذهَب إلى الماركت؛ ليَقِف أمام الصندوق ليدفع قيمة ما اشتراه، أو يُقَدِّم أوراقه للموظَّف، قد تجد بعض هؤلاء يُحاولون تَخَطِّي غيرهم في خطِّ الانتظار، يريدون أن يتمكَّنوا من أوَّل الصفوف، بلا حياء، بلا خجلٍ، بلا أدبٍ، متناسين تمامًا أنَّ في ذلك أثرةً وحبًّا للذات، وأنَّ في ذلك مَبغضةً لمن يقفون أمامه، وظُلمًا وسوءَ أدبٍ، متناسين أنَّ إيمان المرء لا يكتمل إلاَّ إذا أحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه، وبأنه لا يجوز شرعًا التعدِّي على حقوق غيرهم وإيذاؤهم.

 

فيا أنانيًّا تحبُّ نفسك، كن صاحبَ ذوقٍ؛ فالذوق شجاعة.

 

7- التحيَّة:

قد تجد بعضًا من الناس إذا ألْقَيت عليه السلام الذي يُدَلِّل على إيمانك وشعار فَهْمك لإسلامك، تجده لا يردُّ السلام عليك، ومنهم مَن يرد غير عابئ، ومنهم مَن يرد بصوتٍ غير مسموع، يوحي لك بأنه لَم يرد، في حين أنه إذا كان إلقاء السلام سُنَّة عن نبيِّنا على مَن تَعرف ومَن لا تعرف، فإنَّ ردَّ السلام واجبٌ، فضلاً عن أنه يُدخِل السرور على غيرك، ويُحبب الناس إلى بعضهم بعضًا، ويزيد من المودَّة والتآلُف بين الناس، وقد كان نبيُّنا وقُدوتنا محمدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُلقي السلام حتى على الصِّبيان؛ تحبُّبًا وتودُّدًا.

 

فكن يا مَن لا ترد السلام، أو ترده بغير لطافة وأدبٍٍ، كن صاحبَ ذوقٍ ورُدَّ ردًّا يُدَلِّل على اهتمامك؛ فالذوق أدبٌ.

 

8- الاستعارة:

قد تجد من الناس مَن يَستعير منك شيئًا، ككتاب أو مجلة، أو شيء من أدوات المنزل الضروريَّة، ثم تَجده لا يردُّه إليك، أو يرده بعد وقتٍ طويل، أو لا يرده إلاَّ إذا طَلَبته منه، أو تجده قد أضاعَه وأفْقَده، ومنهم مَن يرد الشيء المستعار معيبًا على غير حالته الطيِّبة السليمة التي كان عليها وقتَ الإعارة، غير عابئ ولا مُهتمٍّ بالحفاظ على أمانات الناس، بل قد لا يُفَكِّر أن يقول لك: شكَر الله لك، لا حرَمنا الله من مساعدتك.

 

فيا مستعيرًا بلا أدبٍ، هل تقابل الإحسان بإساءة؟! كن صاحبَ ذوقٍ؛ فالذوق نعمة.

 

9- الزيارة:

قد يأتي إليك زائر، وما أن يدخل البيت إلاَّ وتَجده يَعبث ببصره يَمنة ويَسرة في قاع البيت وجَنَباته، غير مهتمٍّ بما قد يكون بالبيت من الفتيات والنساء على حالة تَستدعي غضَّ بصره، وقد تجده ما أن يجلس إلاَّ ويبدأ يسأل عن كلِّ ما يراه: كم سعره؟ من أين اشتريتَه؟ وقد يُطيل الزيارة بما يُسبِّب حَرَجًا لأصحاب البيت، وقد يصل الأمر به إلى أن يُصيب بيتك بعينٍ أو حسدٍ، تظل بسببه مهمومًا مكلومًا وأهلَ بيتك لمدة لا يَعلمها إلاَّ العليم الخبير.

 

فيا هذا، تأدَّب عند دخول البيوت، وضَعْ بصرك في الأرض عند الدخول، واخْفِض فيه صوتك، ولا تَجلس في مكان يَكشف عورات البيت، وادعُ لأهل البيت وبارِك، ولا تَسترسل في السؤال فيما لا يَعنيك، ولا تُطل الزيارة، فمَن تلطَّف في زيارة الناس أحبُّوه وتشوَّقوا دائمًا إليه، فالذوق مشاعر وأحاسيس جميلة.

 

10- الأصوات العالية:

قد تجد من الناس مَن يقوم بتَعلية أصوات التلفاز أو الراديو بالدرجة التي تُشعرك كأن ذلك الصوت داخل بيتك أنت، ومنهم مَن يَسْكن في الطابق الأعلى، ويترك أولاده يلعبون، ويطرقون ويَدقون ويُزعجون، غير مهتمين براحة جيرانهم، وغير ناظرين إلى أنه قد يكون بالبيت مريضٌ يتألَم، أو طالبٌ مجتهدٌ يُذاكر ويتعلَّم.

 

وكأنَّ لسانَ حاله يقول: المهم أن أستمتعَ وأولادي وحْدنا فقط، ولا يهمني إذا كان في ذلك إتعابٌ لجاري أو راحة له.

 

فيا جار السوء، اعلمْ أنَّك لجارك مؤذٍ، ولمشاعره مُجرح، ولراحته مُضيِّع، فتكون بذلك له ظالِمًا، قد تَنالك منه الدعوات الحارقة، فتُصبح بسببها في تيه وتعبٍ؛ بسبب حَماقتك، وعدم رُشدك؛ قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36].

 

وعن ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - «ما زال جبريل يُوصينيبالجار؛ حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه»؛ (مُتفق عليه).

 

وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «يا أبا ذرٍّ، إذا طبَخت مَرقة، فأكْثِر ماءَها وتَعاهَد جيرانك»؛ (رواه مسلم).

 

وفي رواية له عن أبي ذرٍّ قال: إنَّ خليلي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوصاني: «إذا طبَخَت مَرَقًا، فأكْثِر ماءَه، ثم انظر أهلَ بيتٍ من جيرانك، فأصِبْهم منها بمعروفٍ».

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأْمَن جاره بوائقه»؛ مُتفق عليه، وفي رواية لمسلم: «لا يدخل الجنة مَن لا يأْمَن جاره بوائقه».

 

فيا جارَ السوء، إن لَم تَستطع أن تُسعد جارَك، فلا تكن مصدرَ شقاءٍ وتعبٍ له.

 

وكنْ صاحب ذوقٍ؛ فالذوق راحة لك ولجارك، وتدبَّر ما قاله ربُّك ورسوله عن الجار الذي قد يَجعلك؛ إمَّا إلى جنة، وإمَّا إلى نار.

 

11- شُرُفات البيوت:

قد تجد بعض الرجال والشباب مَن يقفون في شُرفات منازلهم بملابسَ داخلية، عارية أذرعهم وصدورهم، بشكلٍ ليس من الرجولة في شيء، مما يَجرح مشاعر جيرانهم من النساء والفتيات، فيضطررنَ لإغلاق نوافذهنَّ ويجلسْنَ في ضيقٍ وتعبٍ، ولا يستطعْنَ الاستمتاع بالهواء، ولا تدخل إليهنَّ الشمس، ولا أضواء النهار.

 

فيا رجلاً بلا رجولة، ويا شابًّا بلا حياء، كن صاحب ذوقٍ، ولا تَحرم جيرانك من حقِّ الاستمتاع بالدنيا مثلك، وحافِظ على مشاعرهم، وأحبَّ لهم ما تحبُّه لنفسك؛ فالدنيا لَم تُخلق لك وحْدك، فالذوق رجولة وحياء.

 

12- مواقف السيارات:

قد تذهب لمكانٍ ما، ثم توقِف سيارتك في مكان مناسب نظامي لا تعطيل فيه لغيرك، ثم ترجع لتجد غيرَك قد أوْقَف سيارته خلف سيارتك، فتظل تَنتظر وتنتظر، وقد يطول الانتظار بك، فتتعطَّل مصالحك، وتتهيَّج أعصابك، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.

 

فيا مُعطِّلاً مصالح الناس، كنْ صاحبَ ذوقٍ، واتَّقِ الله في الناس، فقد يكون مَن وَقَفْت بسيارتك خلفه، في حالة تستدعي ولادة زوجته، أو طفلاً مريضًا له يريد أن يُسعفه، أو ميِّتًا يريد أن يُشارك في جنازته، أو صلاةً في المسجد جماعة يريد ألاَّ تَفوتَه، أو ارتباطًا بوظيفة، ومواعيد حضورٍ يريد أن يَلتزم بها.

 

فيا صاحب هذا السلوك، هل ترضى ذلك لنفسك؟ هل تَقبل من أحدٍ أن يُضيِّع عليك موعدًا، أو يتسبَّب في مشكلة لك في بيتك أو وظيفتك، أو يَحرمك من لزوم الجماعة بالمسجد، أو المشاركة في تشييع الميِّت؟

 

بالطبع لن ترضى، فكن صاحبَ ذوقٍ؛ فالذوق عبادة.

 

خاتمة:

اللهم وَفِّر حظَّ المسلمين من خيرٍ تُنزِّله، أو إحسانٍ تتفضَّل به عليهم، أو بِرٍّ تنشره لهم، أو رزق تُبسطه، أو ذنب تَغفره، أو خطأ تَستره عليهم.

 

يا إلهي، يا مَن بيده ناصيتنا، يا عليمًا بضرِّنا وأخلاقنا، وسلوكيَّاتنا ومَسكنتنا، يا خبيرًا بفَقْرنا وأحوالنا، وسلوكيَّاتنا وفاقَتنا، نسألك بحقِّك وقُدسك، وأعظم أسمائك وصفاتك، أن تَجعل أوقاتنا في الليل والنهار بذِكرك معمورة، وبخِدمتك موصولة، وتعامُلاتنا فيما بيننا جميلة مرضيَّة مَقبولة.

____________________________________________________

الكاتب: د. نبيل جلهوم