بأخلاقي يزداد إيماني
لو لَم يكن في الأخلاق والآداب إلا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يَقِفُ بين يديْ ربِّه، يستفتحُ الصلاة التي هي خيرُ الأعمال وأحبُّها إلى الله تعالى بعد الإيمان، يقول له: «واهدني لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت» - لكان كفاية.
- التصنيفات: محاسن الأخلاق -
الحمدُ لله الهادي لأحسنِ الأقوال والأعمال والأخلاق، لا يهدي لأحسنِها إلا هو، ولا يصرف سيِّئها إلا هو، أحْمده تعالى وأشْكُره، وأتوب إليه وأستغفره.
والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، الذين تخلَّقوا بأخلاق القرآن، فأحلُّوا حلاله، وحرَّموا حَرَامه، ونفَّذوا أوامره، واجتنبوا زَوَاجره، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
أيها الإخْوة المسلمون:
ما أحلاه من شعارٍ اختارتْه إدارة مساجد محافظة مبارك الكبير هنا في الكويت: "بأخلاقي يزداد إيماني"؛ ذلك أنِّي وجدتُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أوضح أنَّ الأخلاق تَتَنَاسَب طرديًّا مع الإيمان؛ فكلَّما زاد معدَّل الإيمان في القلْب، سَمَتِ الأخلاقُ، والعكس بالعكس.
وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: «أَكْمَلُ المؤمنين إيمانًا، أحسنُهم خُلُقًا»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه»؛ والحديث صحيح، ويقول: «المسلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده، والمؤمِن مَن أمِنَه الناسُ على دمائهم وأموالهم»؛ حديث صحيح، ويقول: «واللهِ لا يؤمِن، واللهِ لا يؤمِن، واللهِ لا يؤمِن»، قيل: وَمَن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمَن جارُه بوائقَه»؛ (حديث صحيح) .
وفي المقابل: كان الربط بين الكفر وسوء الخُلُق؛ فقد أخبر الله تعالى عن الكافرين وهم في النار، فقال: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 42 - 46]، وقال الله تعالى مخبرًا عنهم كذلك: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ} [الحاقة: 33، 34، 35]، وقال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1 - 3].
فغيابُ الأخلاق عند الكافرين كان تبعًا لغياب الإيمان عن قلوبهم، كما يتَّضِح جليًّا من الآيات السابقة.
إنَّ الإيمانَ والأخلاق عنصران متلازمان متماسكان، ولا يستطيع أحدٌ تَمْزيقَ عُراهما، وإن حُسْن عاقِبة وفَلاح أهل الإيمان مُرْتبط بدَمْج وتمازُج الشق التعَبُّدي مع الجانب الأخلاقي في الإسلام، وهذا ما جاء واضحًا في صدْر سورة المؤمنون في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]: (عبادة)، {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3]: (أخلاق)، {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} : [المؤمنون: 4] (عبادة)، {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5 - 7]: ( {أخلاق ومعاملات} )، {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]: (أخلاق)، {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9]: (عبادة)، {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1 - 11].
أيها الأخ المسلم:
إنَّ العبادة هي علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس، فلا بد أن تنعكسَ العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين أفراد المجتمع، فتحسِّنها وتهذِّبها، وإلا فما علاقة أنَّ الصلاة - مثلًا - تنْهى عن الفحْشاء والمنكَر؛ كما في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، فالفحشاءُ والمنكَر هما جِماع الأقوال البذيئة والأفعال السيئة، وهما لا يظْهران إلا في التعامُل مع الناس في المجتمع، كما أن العبادة وإن كانتْ هي علاقة بينك وبين ربك، إلَّا أنَّ السلوك يَتَجَلَّى فيها أيضًا، ففي الصلاة أنتَ مأمور بأداء الصلاة في جماعة، لكي تَحْتَكَّ بالناس وتتفاعَل معهم، والمرأة مأمورة بعدم الخروج للمسجد متعطِّرة متبرجة؛ حتى لا تَفْتِن الرجال، وفي الحج أنتَ مأمور بضبط الأخلاق أثناء الزحام... وهكذا، ففي كل عبادة يَتَجَلَّى مظهر من مظاهر السلوك، الذي يجب أن تتحلَّى به وتلتزم به.
بل إن لكلِّ رُكن من أركان الإسلام الخمسة رسالتَه الأخلاقية، التي متى انفكَّت عنه حولتْه إلى شيء لا معنى له ولا طائل من ورائه في الدنيا؛ "الصلاة" مثلًا: الحكمة من إقامتها تتَّضِح من قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، فما حظ إنسان من صلاة يؤدِّيها ولا ينتهي بها عن فحشاء أو منكر، (والأخلاق السيئة منكر)؟! وما قيمة هذه الصلاة عند الله تعالى؟ وما أثر هذه الركعات في المجتمع؟
إنَّ مِن قِيَم الصلاة الأساسيةِ الانعِكاسَ الأخلاقيَّ الحسن على مَن يؤدِّيها، وهذا الانعكاس هو السبيل الجدِّي لقَبولها عند الله تعالى، فالصلاة بمفهومها الحقيقي تَحُثُّ على التواضُع، وعدم الاستطالة على الخلْق، وتدفع صاحبها إلى الذِّكْر، وعدم الإصْرار على المعاصي، وترَقِّق قلبَه على المسكين وابن السبيل، والأرْملة والمُصاب، فيبادرهم الخير والمروءة، وما ذكرتُه في الصلاة ينصرف إلى الأركان الأخرى، وينطبق عليها، فالزكاة ليست ضريبة تؤخَذ من الجيوب عُنوة، بل هي تطهير للنفس من أدران البُخل والذنوب، وغرْس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارُف والأُلْفة بين شتَّى الطبَقات؛ قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]، وكل هذه أخلاق حَسَنة قَصَدَها الإسلامُ بالزكاة، كما قصدها بالصَّدَقة، وفي الزكاة إذا أعطيتَ المحتاج مالًا ثم مننتَ عليه، فقد أبطلتَ صدقتك، ثم إنَّ الإسلامَ جعل البذْل الأخلاقي الحَسَن من الصدقة نفسها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبسُّمُك في وجْه أخيك صدقة، وأمْرك بالمعروف ونَهْيك عن المنكَر صَدَقة، وإرشادك الرجُل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الأذى والشَّوْك والعظْم عن الطريق صدَقة، وإفراغك من دلوك في دلْو أخيك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة».
وأما الصوم فغايته التقوى، والتقوى تكون بالابتعاد عن مخالَفة أمر الله تعالى في أمْرِه أو نَهْيه في كلِّ مجالات الحياة، ومنها بالطبع الأخلاق، وهذا ما جاء في الحديث الشريف: «إذا كان صومُ أحدكم فلا يرفُث، ولا يفْسق، ولا يجْهل، فإن شاتَمَه أَحَد أو قاتله، فلْيقل: إني امرؤٌ صائم»، فالصيام بهذا المفهوم دعوة للتجمُّل بِحُسْن الخُلُق، والبُعْد عن الأخْلاق الدونية، فالصائم بيده أن يجعل صيامه عبادة متقبَّلة - ولن يكونَ ذلك إلا بِحُسْن خلقه أثناء صيامه - وبيده أيضًا أن يشْقِي بها نفسَه بتفْرِيغها من مضْمُونها الأخلاقي، فلا يناله منها إلا العَطَش والجوع، وركن الحج جاء فيه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]، إنَّ الحج لن يُدرَك جَوْهرُه بدون هذه الالْتِزامات الأخْلاقيَّة، ولن يكونَ له عظيمُ أَثَرٍ، وفيه فُسُوقٌ وجِدالٌ، وانْفِلاتُ أعصاب، وأمور بغيضة، وتفاخُر بالأجناس والقوميَّات.
إنَّ الأخلاقَ مُرتَبطة بالإيمان ذاته، وضعفُها دليلٌ على ضَعْف الإيمان، وإلَّا فَبِمَ نُفَسِّر حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: ((واللهِ لا يؤمِن، واللهِ لا يؤمِن))، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جارُه بوائقَه»، والبوائق: هي الشُّرور على إطلاقِها، وغالبًا ما تكون هذه الشرور شُرُورًا أخلاقيَّة؟!
بل إنَّ رجُلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله، إنَّ فلانة تَذكر من كثْرة صلاتها وصيامها وصدقاتها، غير أنها تؤْذِي جيرانها بلِسانها، فقال: «هي في النار»، ثم قال: يا رسول الله، فلانة تذكر من قلَّة صلاتها وصيامها، وإنها تتصدَّق بالأثوار من الأقط - بالقطع من الجبن - ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجَنَّة»؛ (رواه أحمد، والبَزَّار، وابن حبَّان في صحيحه) .
فلا عجب إذًا أن يعتبِرَ سلفُنا الصالح الدِّينَ هو الخلُق، وهذا ما عَبَّر عنه ابن القَيِّم رحمه الله بقوله: "الدِّين الخلُق، فمَن زاد عنك في الخلق زاد عنك في الدِّين، ومَن نقص عنك في الخلق نقص عنك في الدين"، فكلنا نشترك في الأخلاق، إلا أننا نتفاوتُ في درجاتها، فهي كطالب نَجَحَ بدرجة ممتازٍ، وآخر بدرجة جيد، وآخر بدرجة مقبول، والجميعُ ناجحون والحمدُ لله، بيدَ أنهم في درجات النجاح يتفاوَتون.
أيها الإخْوة المؤمنون:
هذه هي القوَّة الحقيقيَّة: قوة الأخلاق، أما القوة الموهومة - أخلاق القوة - فهي مهترئة سريعة الزوال، وإذا صار الإنسان قويًّا فتَسَلَّط على الناس، واسْتطال عليهم وظَلَمَهم، فإنَّه في داخله وفي حقيقته ضعيفٌ، لا يَثِق حتى في نفسه، وإن بدا للناس عكس ذلك، وإذا قوي الإنسان وأصبحتْ له شَوْكة وسُلطة، كان ذلك امتحانًا عسيرًا لقوَّتِه الحقيقية، قوة أخْلاقه، وأما العاجزُ الذي لا يستبد، فذلك ضعيفٌ عند الله وعند الناس.
إنَّ قوَّة الأخلاق تغلب أخلاق القوة، وإنْ سخط الناس أو رضوا؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الشديدُ بالصُّرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفْسَه عند الغَضَب»، قال ذلك تصْحيحًا للمفاهيم المشوَّهة، المشوَّشة عند الناس حول القوَّة، فليس القويُّ الذي يقاتِل ويصارِع، وإنما القويُّ الذي يملك نفسَه عند القتال والصراع، ويخالِق الناس بخُلُق حَسَن.
الدِّين حُسن الخلُق، وإن مثَل حُسن الخُلُق في الدِّين كمَثَل اللآلئ في المحار، واللّباب في الثمار؛ فالدين كلُّه خُلُق، ومَن سبقك في الخلق، سبقك في الدين، إنَّ صاحبَ الخُلق الحسَن كحامِل المِسْك والطِّيب، يُحذيك، أو تطلب منه، أو تجد منه ريحًا طيِّبة؛ فعن خُلقه الكريم تصدر الآثار، كما يصدر الشُّعاع عن الأنوار، والأريجُ عن الأزهار، من غير توقُّف أو تكلُّف، إن أَمارات رسوخ الأخلاق في الإنسان لا تخفى على العِيان بالمصاحبة والمعاشَرة، وما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه، وفلَتات لسانه.
فَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ♦♦♦ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَم
ِوفي التنزيل الحكيم العشراتُ من المُثُل والقوانين مبثوثة في الآيات، ترسم للإنسان صراط الله المستقيم، وفي مقدِّمتِها إفشاءُ السلام، واللين في القَوْل:
♦ {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188].
♦ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264].
♦ {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: 37].
♦ {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77].
♦ {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15].
♦ {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا * وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا * وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً} ا ﴾ [الإسراء: 31 - 35].
♦ {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152].
♦ {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].
عندما تتأزَّم الأخلاق:
تنصهر في أزمتها تلك المحاسن، بعد أن تعلوَ معها سُبُل الكبرياء والغرور، وتذوب من جمال أخلاقها ورفعتها وطيب خلقها، ولا بد فيها من اختلاف الضوابط واختلال الموازين، فالصادق كاذب، والأمين خائن، والعالِم جاهل ورويبضة.
عندما تتأزَّم الأخلاق:
لا بدَّ أن تصحبها أسباب الرذيلة والنقص والكذب، وتفترق عنها معاني الفضيلة والصدق، وسيجد المرء نفسه عاجزًا للتجرُّد لمعرفة الصواب، معاندًا للحق، ومكابرًا للخلق، والعجز عن مقارعة الحجة يكون بالكذب والسب والشتم والقذْف.
عندما تتأزم الأخلاق:
يُصبح سوء الخُلُق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، ومخالطة فاجرٍ حسَنِ الخُلُق خَيْرٌ مِن عابد سيئ الخُلق.
أخي المسلم:
إنَّ تأزُّم الأخلاقِ نتيجةٌ حتمية لِمَن فَقَدَ الدليل، وحاد عن السبيل، ولم يتحلَّ بخلق القرآن، يوحي له طبعُه وتُوَسْوِس له نفسُه بازدراء الناس، وسبهم، وشتمهم، وسوء الظن بهم والكذب عليهم، وإلقاء الشبَه حولهم، بعد أن وجد في تأزم أخلاقه عين الرضا والقبول، فقبل بالهوان والدون.
وختامًا أيها الإخوة المؤمنون:
لو لَم يكن في الأخلاق والآداب إلا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يَقِفُ بين يديْ ربِّه، يستفتحُ الصلاة التي هي خيرُ الأعمال وأحبُّها إلى الله تعالى بعد الإيمان، يقول له: «واهدني لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت» - لكان كفاية.
والأعمال الصالحة لا تصدر إلا عن الأخلاق الحسنة، فليتفقَّد كلُّ عبدٍ صفاته وأخلاقه، وليشتغل بعلاج واحد بعد واحد، وليصبر ذو العزم على مَضَض هذا الأمر، فإنه سيحلو كما يحلو الفطام للطفل بعد كراهته له، فلو رُدَّ إلى الثدي لكرهه، ومن عرف قِصَرَ العُمُر بالنسبة إلى مدة حياة الآخرة، حَمَلَ مشقَّة سفر أيام لتنعُّم الأبد.
أكتفي بهذا القدْر، وصلى الله على نبيِّنا محمد.
__________________________________________________
الكاتب: رشيد ناجي الحسن