من عرفات إلى مزدلفة

المسلمين قد جاؤوا من كل فجّ عميق، جاؤوا يلبون أمر الله عز وجل وفي ذلك معنى آخر يذكر بوحدة الأمة وبإخوة المسلمين في كل مكان مما من شأنه أن يقضي على هذه المؤامرات التي يريدون بها أن يفرقوا بها بين المسلم وأخيه...

  • التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي - - آفاق الشريعة -

حينما يتجه الحاج من (منى) إلى (عرفات)، أو من (مكة) إلى (عرفات) بحكم أن الوفود محكومة بنظام معين مع المطوفين فلا بأس ولا حرج من أن يبيت الحاج في (مكة) ثم في اليوم التاسع يذهب إلى (عرفات) لأن المبيت بـ(منى) ليلة التاسع وهو سُنّة من السنن لا تؤثر في الحجّ ولا في صحته، وحين يصل إلى (عرفات) يقارن بين ما يراه في هذا اليوم وبين ما يعتقده في يوم المحشر العظيم، فينظر إلى إخوانه، فيجد الكل يلبس ملابس تشبه الأكفان ملابس بيضاء تُذَكّره بلقاء الله عز وجل كما خلقنا سنجد اختلافًا في الألوان، وفي الأجناس، وفي اللغات، وفي الأوطان، نتيجة أن المسلمين قد جاؤوا من كل فجّ عميق، جاؤوا يلبون أمر الله عز وجل وفي ذلك معنى آخر يذكر بوحدة الأمة وبإخوة المسلمين في كل مكان مما من شأنه أن يقضي على هذه المؤامرات التي يريدون بها أن يفرقوا بها بين المسلم وأخيه إذا كان في وطن يختلف عن الوطن الآخر، فكل مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو أخ لكل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض يستشعر الحاجّ ونستشعر معه أن كل المسلمين في شتى بقاع الارض أمّة واحدة كما قال ربّنا: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون: 52] ثم ان ألسنة الجميع تلهج بنداء واحد: لَبَّيْكَ اللَّهُمْ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ سنجد الدموع تنحدر ندمًا على ما فات، واستغفارًا لله، ودعاءً بالتوفيق، واستنزالاً لرحمات الله في هذا اليوم العظيم الذي يشعر الشيطان فيه بأخزى يوم حينما يرى فضل الله عز وجل ورحمته ومغفرته لكل من حضر في هذا اليوم العظيم.

 

غير أننا نُنبه كل حاج أن يتحرى وجوده في (عرفات)، (وعرفات) ليست هي (جبل عرفات) كما يُشاع، ف (عرفات) واد كبير وفي وسطه جبل يسمى (جبل الرحمة)، هذا الجبل صغير عبارة عن صخرات كبار كان يقف عليها النبي صلى الله عليه وسلم ليخطب في الناس، فليس الجبل هو عرفات حتى يحرص الجميع على أن يذهبوا إلى هذا الجبل ويتزاحموا عليه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَقَفْتُ هَا هُنَا بِعَرَفَة وَعَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ» كل ما في الأمر أن يتحرى الحاج أنه في وسط عرفة لأن عرفة محددة بحدود وهناك علامات بارزة تُحدد عرفة، كما حددها المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما قال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فلا ينبغي لأي حاج أن يكون وقوفه في يوم عرفات في غير حدود عرفات لأنه بذلك يضيع حجه كله.

وحينما يذهب إلى عرفات، سيأتي وقت الظهر فيصلي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ومعنى ذلك أنه يصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين في وقت الظهر، وليس ضروريًا أن يصلي مع الإمام هناك في مسجد نمرة، ولكن يمكنه أن يصلي الظهر والعصر وهو في الخيمة أو في طرقات الخيمة جماعة مع إخوانه وإن استطاع أن يستمع إلى الخطبة التي يلقيها الإمام ولو كان ذلك عن طريق مكبّرات الصوت أو عن طريق الإذاعة، فذلك خير ويستمر في إقامته بعرفة سواء كان جالسًا أم واقفًا أم نائمًا في عرفات فكل ذلك يعتبر أداءً لهذا الركن وعليه أن يشغل نفسه بالذكر والدعاء والاستغفار وقراءة القران وما إلى ذلك حتى تغيب الشمس وبعد ذلك ينطلق الحجيج دون أن يُصلّو المغرب إلى المزدلفة ولكن إن أمكنه أن يتوضأ ووجد ذلك متيسرًا هناك في عرفات كان خيرًا.


المبيت بمزدلفة:

بعد غروب الشمس يفيض من عرفات إلى مزدلفة، ومزدلفة هو المكان الذي عبّر القرآن الكريم عنه بالمشعر الحرام حين قال: {فَإذَآ أفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ المَشْعَرِ الْحَرَامِ واذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ اْلضَّآلِّينَ} [البقرة: 198] وعلى الحاح هناك أن الفجر يصلي المغرب والعشاء جمع تأخير وقصرًا في العشاء، أي أنه يصلي المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين، ويبيت في مزدلفة إلى ما بعد طلوع الفجر في اليوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم العيد، وعند ذلك ينطلق من مزدلفة إلى (منى) بعد طلوع الشمس في وقت صلاة العيد أو صلاة الضحى وفي هذا الوقت تبدأ الشعيرة الأخرى وهي رمي الجمرات وهي تغني عن صلاة العيد للحاج، وفي رمي الجمرات أسرار مهمة ينبغي علينا أن نستحضرها.

_______________________________________________

الكاتب: أ. د. محمد المختار المهدي