أيام التشريق أحكام وآداب

أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر – يوم عيد الأضحى - ويقال لها أيام مِنَى لأن الحجاج يقيمون فيها بمِنَى وهي الأيام المعدودات التي قال الله عز وجل فيها: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]،

  • التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى اله عليه وسلم، وبعد:

 

ففي هذه الوُرَيْقات ذِكر بعض الأحكام والآداب المتعلقة بأيام التشريق، رتبتها على صورة سؤال وجواب؛ ليسهل فهمها، وتدرك معانيها، اقتبستها من كلام أهل العلم والفقه، والله الموفق والمستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

1- ما هي أيام التشريق؟

أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر – يوم عيد الأضحى - ويقال لها أيام مِنَى لأن الحجاج يقيمون فيها بمِنَى وهي الأيام المعدودات التي قال الله عز وجل فيها: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، وسميت أيام التشريق لأن الحجاج يشرقون فيها لحوم الأضاحي والهدايا أي ينشرونها ويقددونها.

 

2- هل لكل يوم من هذه الأيام اسم خاص به؟

نعم، فاليوم (الأول) منها يقال له يوم القَرّ؛ لأن الحجاج يقرون فيه بمنى، (والثاني) يوم النّفْر الأول؛ لأنه يجوز النفر فيه لمن تعجل، (والثالث) يوم النّفْر الثاني.

 

3- ما أفضل هذه الأيام؟

أفضلها أولها وهو يوم القَرّ لأن أهل منى يستقرون فيه ولا يجوز فيه النفر وفي حديث عبد الله بن قرط عن النبي صلى اله عليه وسلم: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القَرّ» [1].

 

ثم يوم النّفْر الأول وهو أوسطها، ثم يوم النّفْر الثاني وهو آخرها قال الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203].

 

4- ما المشروع في هذه الأيام؟

يشرع في هذه الأيام الإكثار من ذكر الله تعالى، والاستعانة على ذلك بالأكل والشرب، وكذلك يشرع فيها التضحية من بهيمة الأنعام فهي أيام عيد وفرحة وسرور.

 

5- ما أنواع الذكر المأمور به في هذه الأيام؟

ذكر الله عز وجل المأمور به في أيام التشريق أنواع متعددة:

منها: ذكر الله عز وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء وقد روي عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنه.

 

ومنها: ذكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النسك فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء وهو قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد، وفيه حديث مرفوع: كل أيام التشريق ذبح؛ وفي إسناده مقال[2].

 

ومنها: ذكر الله عز وجل على الأكل والشرب فإن المشروع في الأكل والشرب أن يسمي الله في أوله ويحمده في آخره وفي الحديث عن النبي الله صلى اله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها» [3].

 

وقد رُوي: أن من سمى على أول طعامه وحمد الله على آخره فقد أدى ثمنه ولم يسأل بعد عن شكره.

 

ومنها: ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيام التشريق وهذا يختص به أهل الموسم.

 

ومنها: ذكر الله تعالى المُطْلَق فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق وقد كان عمر رضي الله عنه يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناس فيكبرون فترتج منى تكبيرا وقد قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة: 200] إلى آخر الآية وقد استحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق.

 

6- هل هناك دعاء يستحب الدعاء به في هذه الأيام؟

نعم، استحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق.

قال عكرمة: كان يستحب أن يقال في أيام التشريق: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، وعن عطاء قال: ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجها إلى أهله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، وهذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير وكان النبي صلى اله عليه وسلم يكثر منه وروي: أنه كان أكثر دعائه وكان إذا دعا بدعاء جعله معه فإنه يجمع خير الدنيا والآخرة.

 

قال الحسن: الحسنة في الدنيا: العلم والعبادة وفي الآخرة: الجنة وقال سفيان: الحسنة في الدنيا: العلم والرزق الطيب وفي الآخرة: الجنة.

 

والدعاء من أفضل أنواع ذكر الله عز وجل.

 

وقد روى زياد الجصاص عن أبي كنانة القرشي أنه سمع أبا موسى الأشعري يقول في خطبته يوم النحر بعد يوم النحر ثلاثة أيام التي ذكر الله الأيام المعدودات لا يرد فيهن الدعاء فارفعوا رغبتكم إلى الله عز وجل.

 

7- هل يجوز صيام هذه الأيام؟

لا يجوز صيام أيام التشريق لحديث نُبَيْشَة الصحابي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى» [4].

 

وعن كعب بن مالك أن النبي صلى اله عليه وسلم بعثه وأنس من الحدثان أيام التشريق فنادى أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام التشريق أيام أكل وشرب  [5]، وعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى اله عليه وسلم «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب» [6]، وعن عمرو بن العاص، قال: هذه الأيام التي كان رسول الله صلى اله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها وينهى عن صيامها[7]. قال مالك: هي أيام التشريق .

 

وهذا مذهب الشافعية وهو أنه لا يصح صوم أيام التشريق وممن قال به من السلف العلماء بامتناع صومها للمتمتع ولغيره؛ علي بن أبي طالب وأبي حنيفة وداود وابن المنذر وهو أصح الروايتين عن أحمد.

 

8- لماذا نُهي عن صيام هذه الأيام؟

نُهى عن صيام أيام التشريق لأنها أعياد للمسلمين مع يوم النحر فلا تصام بمنى ولا غيرها عند جمهور العلماء وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بالأكل فيها والشرب سر حسن وهو أن الله تعالى لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده وأمرهم بالأكل فيها من لحوم نسكهم فهم في ضيافة الله عز وجل فيها لطفا من الله بهم ورأفة ورحمة وشاركهم أيضا أهل الأمصار في ذلك لأن أهل الأمصار شاركوهم في حصول المغفرة والنصب لله، والاجتهاد في عشر ذي الحجة بالصوم والذكر والاجتهاد في العبادات وشاركوهم في حصول المغفرة وفي التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحي فشاركوهم في أعيادهم واشترك الجميع في الراحة في أيام الأعياد بالأكل والشرب كما اشتركوا جميعا في أيام العشر في الاجتهاد في الطاعة والنصب وصار المسلمون كلهم في ضيافة الله عز وجل في هذه الأيام يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله.

 

ونهوا عن صيامهم لأن الكريم لا يليق به أن يجيع أضيافه فكأنه قيل للمؤمنين في هذه الأيام قد فرغ عملكم الذي عملتموه فما بقي لكم إلا الراحة فهذه الراحة بهذا كالتعب كما أريح الصائمون لله شهر رمضان بأمرهم بإفطار يوم عيد الفطر.

 

9- هل يجوز صوم هذه الأيام للمتمتع الذي لم يجد الهدي؟

الأصح عند الشافعية هو أنها لا يصح فيها صوم أصلا لا للمتمتع ولا لغيره، ورجح الإمام النووي من ناحية الدليل صحتها للمتمتع وجوازها له لأن الحديث في الترخيص له صحيح كما بيناه وهو صريح في ذلك فلا عدول عنه[8].

 

10- إلى ما يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنها أيام أكل وشرب ؟

في قول النبي صلى اله عليه وسلم: «إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل» إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدلها كفرا وهو جدير أن يسلبها كما قيل:

إذا كنت في نعمة فارعها   ***   فإن المعاصي تزيل النعم 

وداوم عليها بشكر الإلــه   ***   فشكر الإله يزيل النقــــم 

 

وخصوصا نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام كما في أيام التشريق فإن هذه البهائم مطيعة وهي مسبحة له قانتة كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الاسراء: 44] وإنها تسجد له كما أخبر بذلك في سورة النحل وسورة الحج وربما كانت أكثر ذكرا لله من بعض بني آدم.

 

فائدة:

أباح الله عز وجل ذبح هذه البهائم المطيعة الذاكرة له لعباده المؤمنين حتى تتقوى بها أبدانهم وتكمل لذاتهم في أكلهم اللحوم فإنها من أجل الأغذية وألذها مع أن الأبدان تقوم بغير اللحم من النباتات وغيرها لكن لا تكمل القوة والعقل واللذة إلا باللحم فأباح للمؤمنين قتل هذه البهائم والأكل من لحومها ليكمل بذلك قوة عباده وعقولهم فيكون ذلك عونا لهم على علوم نافعة وأعمال صالحة يمتاز بها بنو آدم على البهائم وعلى ذكر الله عز وجل وهو أكثر من ذكر البهائم فلا يليق بالمؤمن مع هذا إلا مقابلة هذه النعم بالشكر عليها والاستعانة بها على طاعة الله عز وجل وذكره حيث فضل الله ابن آدم على كثير من المخلوقات وسخر له هذه الحيوانات قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36] فأما من قتل هذه البهيمة المطيعة الذاكرة لله عز وجل ثم استعان بأكل لحومها على معاصي الله عز وجل ونسي ذكر الله عز وجل فقد قلب الأمر وكفر النعمة فلا كان من كانت البهائم خيرا منه وأطوع.

 

وهذا والله أعلى وأعلم؛ استفدت هذا الكلمات من كتابي المجموع للإمام النووي – رحمه الله – وكتاب لطائف المعارف، للحافظ ابن رجب الحنبلي، رحمه الله.

 


[1] أخرجه أحمد في مسنده (ح 19075) وإسناده صحيح.

[2] أخرجه أحمد في مسنده (ح 16751) وصححه محققو المسند.

[3] صحيح مسلم (ح 2734).

[4] أحرجه مسلم (ح 1141).

[5] أخرجه مسلم (ح 1142).

[6] أخرجه الترمذي (ح 773) وقال: حديث حسن صحيح.

[7] أخرجه أبو داود (ح 2418) وإسناده صحيح.

[8] وهو حديث عائشة، وعن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهم، قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن، إلا لمن لم يجد الهدي» أحرجه البخاري (ح 1997).

____________________________________________________

الكاتب: جمال علي يوسف فياض