من درر العلامة ابن القيم عن الشيطان -1

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

ووصفه بأعظم صفاته وأشدها شراً, وأقواها تأثيراً, وأعمها فساداً, وهي: الوسوسة, التي هي مبادئ الإرادة, فإن القلب يكون فارغاً من الشر والمعصية, فيوسوس إليه,  ويُخطرُ الذنب بباله

  • التصنيفات: الطريق إلى الله -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد فالشيطان من المواضيع التي تكلم عنها العلامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه, ولا غرو في ذلك, فقد جاء التحذير من الشيطان في الكتاب والسنة في مواضع متعددة, قال رحمه الله في كتابه المفيد النافع "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ": الشيطان...المتأخرون من أرباب السلوك لم يعتنوا به اعتناءهم بذكر النفس وعيوبها وآفاتها, فإنهم توسعوا في ذلك, وقصروا في هذا الباب, ومن تأمل القرآن والسنة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس,

الشيطان...تحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس, وهذا هو الذي لا ينبغي غيره, فإن شر النفس وفسادها ينشأ من وسوسته فهي مركبه, وموضع سره, ومحل طاعته.

هذا وقد فجمعت بفضل من الله وكرمه بعضاً مما ذكره العلامة ابن القيم عن الشيطان, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

الشيطان هو الداعي إلى الوسواس, فأهله قد أطاعوا الشيطان...ورغبوا عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته حتى أن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اغتسل كاغتساله, لم يطهر ولم يرتفع حدثه

[إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]

ـــــــــــ

  • وسوسة الشيطان:

قوله تعالى: ﴿ {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ}    يعم كل شره.

ووصفه بأعظم صفاته وأشدها شراً, وأقواها تأثيراً, وأعمها فساداً, وهي: الوسوسة, التي هي مبادئ الإرادة, فإن القلب يكون فارغاً من الشر والمعصية, فيوسوس إليه,  ويُخطرُ الذنب بباله, فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه فيصير شهوة, ويُزينها له ويُحسنها ويُخليها له في خيال تميل نفسه إليه, فيصير إرادة ثم لا يزال يُمثل ويُخيلُ, ويُمني ويُشهي, وينسي علمه بضررها, ويطوى عنه سوء عاقبتها, فيحول بينه وبين مطالعته, فلا يرى إلا صورة المعصية والتذاذه بها فقط, وينسى ما وراء ذلك, فتصير الإرادة عزيمة جازمة, فيشتدُّ الحرص عليها من القلب.

فأصل كل معصية وبلاء إنما هو الوسوسة, ولهذا وصفه بها لتكون الاستعاذة من شرها من أهم من كل مستعاذ منه. .[بدائع الفوائد]

حركة الرقص...سببها استخفاف الشيطان لأحدهم, وركوبه على كتفيه, ودقُّه برجليه على صدره, وكلما دقّه برجليه ورقص على صدره رقص هو كرقص الشيطان عليه.

[الكلام على مسألة السماع]

  • الشيطان مع العبد إلى الموت مهما بلغ من الزهادة والعبادة:

لو بلغ العبد من الزهادة والعبادة ما بلغ فمعه شيطانه ونفسه لا يفارقنه إلى الموت والشيطان يجرى منه مجرى الدم والعصمة إنما هي للرسل صلوات الله وسلامهم عليهم, الذين هم وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه, ووعده ووعيده.

[إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]

ــــــــــــــــــ

  • ما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تفريط, وإما إفراط: 

ما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصير وتفريط, وإما إفراط وغلو, فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخُطتين, فإنه يأتي إلى قلب العبد فيُشأمُه, فإن وجد فيه تقصيراً وفتوراً وتوانياً وترخيصاً أخذه من هذه الخطة, فثبطه وأقعده, وضربه بالكسل والتواني والفتور, وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك, حتى ربما ترك العبد المأمور جملة.

وإن وجد عنده حذراً وجداً, وتشميراً ونهضة, وأيس أن يأخذه من هذا الباب أمره بالاجتهاد الزائد, وسوَّل له أن هذا لا يكفيك, وهمتك فوق هذا, وينبغي لك أن تزيد على العاملين, وأن لا ترقد إذا رقدوا, ولا تفطر إذا أفطروا, وأن لا تفتروا إذا فتروا,...فيحمله على الغلو والمجاوزة وتعدي الصراط المستقيم, كما يحملُ الأول على التقصير دونه, وأن لا يقربه.

ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم, هذا بأن لا يقربه ولا يدنو منه, وهذا بأن يتجاوزه ويتعداه.

وقد فتن بهذا أكثر الخلق, ولا يُنجي من ذلك إلا علم راسخ, وإيمان, وقُوَّة على محاربته, ولزوم الوسط, والله المستعان. 

[الوابل الصيب ورافع الكلم]

  • من لم يعذب شيطانه في الدنيا بذكر الله تعالى شيطانه في الآخرة بعذاب النار

من لم يعذب شيطانه في هذه الدار بذكر الله تعالى وتوحيده واستغفاره وطاعته, عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار, فلا بد لكل أحدٍ أن يُعذَبَ شيطانه أو يُعذبُه شيطانه. .[بدائع الفوائد]

ـــــــــــــــ

  • مداخل الشيطان على الإنسان وما ينجيه منها:

الله سبحانه بحكمته سلَّط على العبد عدواً عالماً بطرق هلاكه وأسباب الشرِّ الذي يلقيه فيه, متفنناً فيها, خبيراً بها, حريصاً عليها, لا يُفترُ عنه يقظة ولا مناماً, ولا بدَّ له من واحدةٍ من ستٍّ ينالها منه:

أحدها: وهي غاية مراده منه أن يحُول بينه وبين العلم والإيمان, فيلقيه في الكفر, فإذا ظفر بذلك فرغ منه واستراح.

فإن فاتته هذه وهُدي للإسلام حرصَ على تِلو الكفر وهي البدعة وهي أحبُّ إليه من المعصية فإن المعصية يُتابُ منها والبدعةُ  لا يُتابُ منها لأن صاحبها يرى أنه على هدى.  

فإن أعجزته ألقاه في الثالثة, وهي الكبائر.

فإن أعجزته ألقاه في اللمم, وهي الرابعة, وهي الصغائر.

فإن أعزته شغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه, ليربح عليه الفضل الذي بينهما, وهي الخامسة.

فإن أعجزه ذلك صار إلى السادسة, وهي تسليط حزبه عليه يؤذونه ويشتمونه ويبهتونه ويرمونه بالعظائم, ليحزُنه ويشغل قلبه عن العلم والإرادة وسائر عمله.

فكيف يمكن أن يحترز منه من لا علم له بهذه الأمور, ولا بعدوه, ولا بما يحصنه منه؟ فإنه لا ينجو من عدوه إلا من عرفه وعرف طرقه التي يأتيه منها وجيشه الذي يستعين به عليه, وعرفَ مداخله ومخارجه, وكيفية محاربته, وبأيِّ شيءٍ يحاربه, وبماذا يداوى جراحته وبأيِّ شيءٍ يستمدُّ القوة لقتاله ودفعه, وهذا كلَه لا يحصل إلا بالعلم, فالجاهل في غفلةٍ وعمّى عن هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم[مفتاح دار السعادة]

ـــــــــــــــــــ

  • حروز يستدفع بها شر الشيطان:

يعتصم...العبدُ من الشيطان ويستدفعُ شره ويحترز منه,...بأسباب:

أحدها: الاستعاذة بالله من الشيطان, قال تعالى: ﴿ { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [فصلت:36]

الحرز الثاني: قراءة هاتين السورتين [الفلق, والناس] فإن لهما تأثيراً عجيباً في الاستعاذة بالله تعالى من شره ودفعه والتحصن منه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «ما تعوذ المُتعوذون بمثلهما» ) وكان يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم, وأمر عقبة أن يقرأ بهما دبر كل صلاة, وقال: ( من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثاً حين يُمسي وثلاثاً حين يصبحُ كفته من كلِّ شيءٍ )

الحرز الثالث: قراءة آية الكرسي.

الحرز الرابع: قراءة سورة البقرة.

الحرز الخامس: خاتمة سورة البقرة.

الحرز السادس: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير ) مائة مرة.

الحرز السابع: وهو من أنفع الحروز من الشيطان, وهو كثرة ذكر الله عز وجل.

الحرز الثامن: الوضوء والصلاة, وهذا من أعظم ما يتحرز به منه, ولا سيما عند ثوران قوة الغضب والشهوة...فإنها نار والوضوء يُطفئُها, والصلاة إذا وقعت بخشوعها...أذهبت ذلك كله, وهذا أمر تجربته تغنى عن إقامة الدليل عليه.

الحرز التاسع: إمساك فضول النظر, والكلام, والطعام, ومخالطة الناس, فإن الشيطان إنما يتسلط على آبن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة.[بدائع الفوائد]

ــــــــــــــــــــ

  • ناس بالصورة وشياطين بالحقيقة:

الموصوفون بقوله: ﴿ { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} ﴾ [الأنفال:22] هذا الضرب شرُّ البريَّة, يضيِّقون الديار, ويُغلُون الأسعار.

عند أنفسهم أنهم يعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا وهو عن الآخرة هم غافلون

ويتعلمون ولكن ما يضرهم ولا ينفعهم.

ويتكلمون ولكن بالجهل ينطقون.

ويؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت يؤمنون.

ويعبدون ولكن يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم.

ويجادِلون ولكن بالباطل ليدحضوا به الحق.

ويتفكرون ويبيتون ولكن ما لا يرضى من القول يبيتون.

ويدعون ولكن مع الله إلهاً آخر يدعون.

ويذكرون ولكن إذا ذكروا لا يذكُرون.

ويصلون ولكنهم من المصلين الذين عن صلاتهم ساهون, الذين هم يراؤون, ويمنعون الماعون.

ويحكمون ولكن حكم الجاهلية يبغون.

ويكتبون ولكن يكتبون الكتاب بأيديهم, ثم يقولون: هذا من عند الله, ليشتروا به ثمناً قليلاً, فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.

ويقولون: إنما نحن مصلحون ألا إنهم المفسدون ولكن لا يشعرون, وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس, قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء ؟! ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون......فهذا الضرب ناس بالصورة وشياطين بالحقيقة.[مفتاح دار السعادة]

ـــــــــــــــــت

قال الله تعالى للشيطان: ﴿ {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ}   [الإسراء:64] فالصوت الشيطاني يستفز بني آدم, وصوت الشيطان كل صوت في غير طاعة الله, نُسِبَ إلى الشيطان لأمره به ورضاه به, وإلا فليس هو الصوت نفسه, فصوت الغناء وصوت النوح وصوت المعازف...كلها من أصوات الشيطان, التي يستفز بها بني آدم فيستخفهم ويُزعجهم, ولهذا قال السلف في هذه الآية: " إنه الغناء"

[الكلام على مسألة السماع]

  • لا تُمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك:

إياك أن تُمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك, فإنه يفسدها عليك فساداً يصعُب تداركه, ويُلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة, ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك, وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك, والذي يلقيه الشيطان في النفس لا يخرج عن الفكر فيما كان...لو كان على خلاف ذلك, وفيما لم يكن لو كان كيف كان يكون.

أو في خيالات وهمية لا حقيقة لها, أو فيما لا سبيل إلى إدراكه من أنواع ما طوي عنه علمه. فيلقيه في تلك الخواطر التي لا يبلغ منها غاية ولا يقف منها على نهاية, فيجعل ذلك مجال فكره ومسرح وهمه.

وجماع إصلاح ذلك: أن تشغل فكرك...بمعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه, وفي الموت وما بعده إلى دخول الجنة والنار, وفي آفات الأعمال وطرق التحرز منها.

وبالجملة فالقلب لا يخلو قط من الفكر إما في واجب آخرته ومصالحها, وإما في مصالح دنياه ومعاشه وإما في الوساوس والأماني الباطلة والمقدرات المفروضة[الفوائد]