العادة السرية بين الرغبة وتأنيب الضمير
من الابتلاء أن كثيراً من الغرائز البشرية تبدأ إلحاحها عليك قبل أن تملك أدوات إشباعها..
- التصنيفات: قضايا الشباب -
أنت تعاني من ضعفك أمام عادة من عاداتك.
وتشعر أن صورتك عن نفسك باعتبارك الشاب الملتزم الذي يستنصحه إخوته فينصحهم قد اهتزت: فأنت تنهاهم عما تقارفه، وتأمرهم بما لا تصنعه، وكلما نصحت أخاً لك سمعت في نفسك من يقول لك: أنت كذاب ومنافق.
هذا ما يجري معك.
ولكنك لست وحدك فيما تشعر به. فالكثير الكثير من الإخوة الذين هم في عمرك، ولهم تجربة كتجربتك يصارعون دواعي الشهوة، فتضعف إرادتهم حيناً وتقوى حيناً.
وينبغي أن ننظر إلى المسألة بصورة أكثر تحديداً:
1- المشكلة في العادة السرية أنها عادة، وهذا يعني أنها تتحول من فعل يمكن لك أن تتركه متى شئت؛ إلى سلوك يومي يجلب لذة، ويدعوك إلى تكراره.
2- المرحلة العمرية التي بدأت فيها ممارسة هذه العادة هي بداية المراهقة، وهي مرحلة خاصة تقلب للفتى موازينه، فهو لم يعد طفلاً يتبع الآخرين، ولم يصبح بعدُ رجلاً يستقل بتصورٍ خاصٍ عن الحياة، ويملك أدوات تلبية رغبته. ثم هو يعاني من أن الميل إلى الجنس الآخر قد أصبح أمراً بالغ الأهمية له، حتى لتصبح بقية الأمور ثانوية بالقياس إليه، ومن الابتلاء أن كثيراً من الغرائز البشرية تبدأ إلحاحها عليك قبل أن تملك أدوات إشباعها؛ فالطفل يولد وهو غير قادر على إطعام نفسه؛ ورغم ذلك فإن غريزة طلب الطعام والشراب تلح عليه من بداية ميلاده، ويكون إشباعه مرتبطاً بشخص آخر هو أمه.
والحال في الغريزة الجنسية كذلك، فهي تلح عليك – بصورة ظاهرة – في بدايات البلوغ، رغم أنك مضطر إلى أن تمكث عشر سنوات – على الأقل – لتكون قادراً على إشباعها إشباعاً شرعياً.
3- دواعي الشهوة الجنسية تأتيك من داخلك – لأنها غريزة أصيلة – ومن خارجك: بتعرضك لكل ما يمكن أن يثير تفكيرك فيها. وهذا أمر بالغ الأهمية في توضيح المشكلة، إذ أن العادة السرية ليست مرتبطة بالمثيرات الخارجية فحسب، بمعنى انك لو كففت عن النظر إليها فستكون قادراً على ترك العادة السرية.. ليس الأمر كذلك، لأن العادة السرية مرتبطة بغريزة داخلية تدفعك إلى إشباعها، وتستعين على ذلك بالمثيرات الخارجية.
4- من أسوأ الآثار للعادة السرية أنها تشوه الخيال الجنسي لمن يمارسها، فهو لا يكاد يمارس العادة دون أن يتخيل نفسه مع طرفٍ من جنس آخر، وهو يغذي هذا الخيال من خلال رؤيته للصور والأفلام وسماعه وقراءته للحكايات التي يمكن لها أن تغذي خياله الجنسي.
5- العادة السرية مرتبطة بمفهوم العتبة الحسية، وهو يعني هنا أن الوصول إلى لذة الإشباع يستدعي زيادة السلوك كل مرة لتحصل على ما كنت تحصل عليه من إشباع، مما يعني أنك لو كنت تحصل في البداية على اللذة من خلال ممارسة العادة السرية مرة واحدة في اليوم.. فإنك – مع كثرة التكرار – تحتاج إلى زيادة عددها إلى مرتين أو ثلاثة لكي تحصل على ما كنت تحصل عليه من لذةٍ من ممارستها مرة واحدة في السابق.
6- كثيراً ما نظن أن الإدمان مرتبط بالمخدرات، ولكن هذه نظرة قاصرة، فالإدمان هو شعور المرء بضعف الإرادة أمام سلوك معين، والبحث عن اللذة والمعنى من خلال ممارسته، وزيادة التعاطي مع مرور الوقت للحصول على هذه اللذة، وهذا الوصف يصدق على العادة السرية.
7- ما يزيدك ألماً في العادة السرية شعورك بالذنب، وهو شعورٌ بعضه حق وبعضه باطل، والأمر يحتاج إلى تفصيل:
كثيراًَ ما يستخدم الشيطان مع العبد أسلوب الشعور بالذنب، لا ليذكره بالتوبة ولكن ليشعره بالعجز، فهو يضخم لك من ذنبك حتى تشعر أنه أعظم من أن يغفره ربك، فتقع في اليأس من رحمة الله، ثم يصل من ذلك إلى شعورك بالعجز عن المقاومة، ومتى وصل الإنسان إلى العجز عن المقاومة فقد وقع في الحفرة التي حفرها له عدوه.
الآن.. ماذا تفعل ؟
1- لا تظن أنك وحيد في المعاناة من العادة السرية.. لست وحدك.. بل معك في هذا الابتلاء عامَّة شباب هذه المرحلة العمرية، وليس هذا تبريراً للمعصية، وإنما هو تحديد لحجمها، حتى لا تشعر أنك المذنب الوحيد.
2- لابد من الاتفاق على أن الواقع الذي نعيشه مستثير للغريزة الجنسية، فلتسويق منتج في دعاية تلفزيونية تجد سيلاً من الإيحاءات الجنسية في إعلان لا يتجاوز الدقيقة..
في عامة البرامج الإعلامية.. في الصحف.. في الشارع.. الواقع الذي نعيشه في بلادنا متأثر بموجات الحداثة الغربية التي تنظر إلى العلاقات بين الجنسين نظرة مباينة للنظرة الإسلامية، وهي نظرة تجعل المتعة الوقتية هي المعيار.. كل ما زاد من متعتك فهو صحيح.. حتى ولو كانت عواقب هذه المتعة اضطراب النفس ومرض القلب.
3- ضع العادة السرية في سياقها الحقيقي دون تضخيم أو تهوين، ولن أتحدث هنا عن الحكم الشرعي للعادة السرية – فذلك شأن المفتي العالم بمراد الله جل وعلا –، ولكني أركز معك أخي الحبيب على أمر نغفله جميعاً حين نتعامل مع ما نرى أنه معصية... فنحن إما أن نستهين بها رغم أثرها البالغ على باطننا وظاهرها، او نضخمها حتى تعجزنا عن العمل.. العادة السرية على الصورة التي ذكرتها معصية.. ولكنها ليست في حجم الزنا.. ولا السرقة.. ولا قتل النفس.. ولا الكذب.. ولا الغيبة.. ولا النميمة.. ولا الإيقاع بين الناس.. ولا التكبر على الخلق..
كم ترى حولك من متكبر على الناس مستضعف لهم ؟؟
ألا تمر أنت بلحظات تجد فيها شيئاً من التكبر على الآخرين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» . ألا تكذب أحياناً في حديثك، والنبي صلى الله عليه وسلم سئل: أيكون المؤمن كذاباً ؟ قال: «لا».
ألا تحسد بعض من أنعم الله عليهم ؟
ألا تشعر بالحقد على بعض من تريد الانتصار عليه ؟؟
هذه الذنوب أكثر أثراً في النفس من العادة السرية.. ولكننا لا ننظر إليها لأننا
استمرأناها من فرط تكرارها، أما العادة السرية فنَصُبُّ عليها كل منقصة.. وكأنها نهاية العالم.. وسبب الهلاك الماحق.
العادة السرية - على الهيئة التي ذكرت - معصية.. ولكن.. ضعها في سياقها لكي تتمكن من تنقية نفسك منها.
4- العادة السرية نتيجة وليست سبباً، والقاعدة الأصيلة في علاج المرض: أن يُعالَج بضد أسبابه، فإذا كان سبب المرض نقصاً في فيتامين معين عولج بأن يتناول دواء يحتوي عليه. وكذلك الأمر فيما نحن فيه، إذ لابد من معرفة السبب، ثم البحث عن أفضل الوسائل لإزالة أسباب المرض.
والسبب الأهم للعادة السرية يمكن أن يكون:
فراغ النفس مما يشغلها، أي أن العادة السرية عَرَض لضياع الأهداف أو انعدامها، وليست سبباً.
وكلما كان الهدف أكثر شمولاً، واستطاع أن يُفَعِّل الكثير من طاقتك، كان أكثر إعانةً لك في ترك هذه العادة.
ينبغي أن تحدد لك أهدافاً حقيقية تستوعب الكثير من طاقتك، وأن تتوجه إليها بكثير من الجد، ولا أدعي أن قيامك بهذا سيؤدي إلى الترك التام للعادة السرية، ولكنه سيعالج السبب الأهم، وهو فراغ النفس من وجود هدف مستوعب للطاقة النفسية.
ثم.. إذا كنت يا أخي الحبيب قد داومت على هذه العادة سبع سنين.. فلتعط نفسك مهلة في تركك لها.. فإذا كنت تمارسها مره في الأسبوع ثم عودت نفسك على أن تمارسها مرة واحدة في الشهر فهذا نجاح لك في السيطرة على نفسك.. وهو نجاح يجب أن تكافئ نفسك عليه..
انظر إلى نجاحاتك أولاً بأول.. وكافئ نفسك عليها.. عزز من شعورك بقوة الإرادة.. ولا توقف نفسك في دائرة العجز..
المشكلة ليست في الإدمان على العادة السرية.. وإنما في ضعف إرادة التغيير.. أنت تعرف سلبياتها.. ولست في حاجة إلى من يذكرك بها.. ولكنك تبحث عما يمكن أن يقوي إرادتك.. وينقلك من العجز إلى القوة.
وتذكر يا عزيزي أن الحياة كلها مبنية على المجاهدة.. لا يمكنك أن تغير شيئاً من سلوكك إلا بمجاهدة النفس.. كلنا يعاني من سلوك غير سوي.. وكلنا يشعر بمشقة في تغييره.. المجاهدة سنة من سنن الله الكبرى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}..
أمر آخر يا أخي الحبيب:
لا يمكنك أن تترك سلوكاً ثم تدع نفسك في فراغ.. ترك السلوك يعني إحلال سلوك بديل مكانه.. ينبغي أن تبحث عن سلوكيات تصرف انتباهك على التركيز على العادة السرية، وتستفرغ طاقتك الحيوية، سواء كانت سلوكيات عبادية أو اجتماعية او رياضية.. قم بنشاطات خيرية.. اشترك في أندية رياضية، جدد علاقاتك مع الآخرين، اجعل وقتك ممتلئاً بسلوكيات فعالة..
ولا تنس في مسيرتك أثر ذكر الله تعالى..
ذكر الله تعالى قوة بالغة في التأثير على النفس.. يركز علماء النفس على أثر التكرار على ترسيخ المعلومة وتأثر الإنسان بها.. ذكر الله تعالى ترسيخ لمهابته في القلب.. وإشعار للإنسان بعظمته جل وعلا، وقربه من عبده.. اذكر الله تعالى وأنت مستشعر قربه منك..
اجعل لنفسك دورات عبادية.. أضف إلى نفسك كل يوم عبادة زائدة.. حتى لو كانت ركعتين كل يوم.. صدقة بأقل مبلغ تقدر عليه.. ابتسامة في وجه جار لم تكن تبتسم له من قبل.. افعل كثيراً من السلوكيات الصغيرة التي يستتفهها الكثير منا.. وكن على يقين أن كل سلوك حسن تعود نفسك عليه يؤثر على السلوك السيء ولا يزال يضعفه حتى يتلاشى أثره..
لا تنس أبداً أن أفضل علاج للسلوك السيء: أن تعود نفسك على السلوك الحسن..
وليست هذه الآلية من كلام علماء النفس فحسب.. بل لقد قال صلى الله عليه وسلم «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» .. والحسنة تمحو السيئة من صحيفتك عند الله، وتمحو كذلك اثر السيئة في نفسك
.
لن أحدثك عن أثر الدعاء، لأنك ذكرته في رسالتك.. ولكن.. ادع الله وأنت موقن بالإجابة.
ثم اعلم أنك عبد.. ضعيف.. وانك متى استقويت بالله قواك، والله جل وعلى أعظم من أن تسأله نصرتك بيقين فيبخل عليك.
وفقني الله وإياك، وأعاننا على الخير، وبارك لك في مجاهدتك لنفسك.
______________________________________________________
المصدر: موقع النفسي معا إلى بر الأمان