من أقوال السلف في أعمال القلوب -2
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم : «وإذا استعنت فاستعن بالله» وفي استعانة الله وحده فائدتان
- التصنيفات: أعمال القلوب -
- رضا الله عز وجل أكبر نعيم الجنات:
قال العلامة السعدي رحمه الله: أهل الجنة...نعيمهم لم يطب, إلا برؤية ربهم, ورضوانه عليهم, ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون, والنهاية التي سعى نحوها المحبون, فرضا رب الأرض والسموات, أكبر نعيم الجنات.
- أسباب تجلب رضا الله سبحانه وتعالى:
قال الشيخ ناصر بن سعد الشثري: من الأمور المستحسنة أن يحرص العبد على استجلاب رضا الله جل وعلا, ومن الأسباب الجالبة لرضا الله سبحانه وتعالى عن العبد ما يلي:
أولاً: الشكر, كما في قوله تعالى: {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7]
ثانياً: الإيمان والعمل الصالح, قال الله: ﴿ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ*جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } ﴾ [البينة:7_8]
ثالثاً: الصدق, قال تعالى: ﴿ {قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ﴾ [المائدة:119]
رابعاً: اتباع منهج السلف, قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100]
الاستكانة والخضوع والذل والافتقار إلى الله :
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أولياؤه المتقون إذا شاهدوا أحوال أعدائه ومقته لهم, وغضبه عليهم, وخذلانه لهم, ازدادوا له خضوعاً وذُلاً وافتقاراً وانكساراً وبه استعانةً, وإليه إنابةً, وعليه توكلاً, وفيه رغبةً ومنه رهبةً وعلموا أنه لا ملجأ لهم منه إلا إليه, وأنه لا يعيذهم من بأسه إلا هو.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قد يطلق اسم المسكين, ويراد به من استكان قلبه لله عز وجل, وانكسر له, وتواضع لجلاله, وكبريائه, وعظمته, خشيته, ومحبته ومهابته...فمن انكسر قلبه لله عز وجل, واستكان وخشع وتواضع, جبره الله عز وجل, ورفعه بقدر ذلك.
فالمسكين في الحقيقة من استكان قلبه لربه وخشع من خشيته ومحبته, ولا يكون المسكين ممدوحاً بدون هذه الصفة, فإن لم يخشع قلبه مع فقره وحاجته فهو جبار.
فالمؤمن يستكن قلبه لربه ويخشع له, ويتواضع, ويظهر مسكنته وفاقته إليه في الشدة والرخاء, أما في حال الرخاء فإظهار الشكر, وأما في حال الشدة فإظهار الذل والعبودية والفاقة والحاجة إلى كشف الضر.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: قوله سبحانه:{وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ} [هود:23] أي: خضعوا له, واستكانوا لعظمته, وذلوا لسلطانه, وأنابوا إليه بمحبته, وخوفه, ورجائه, والتضرع إليه.
- تعلق القلب بالله عز وجل:
** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: سعادة العبد وعِظَم صلاح قلبه, وعِظَم صلاح روحه, بأن يكون تعلقه بالله جل وعلا وحده.
من تعلق قلبه بالله إنزالاً لحوائجه بالله, ورغباً فيما عند الله, ورهباً مما يخافه ويؤذيه, يعني: يؤذي العبد فإن الله جل وعلا كافية, كما قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: القلب لا ينبغي به أن يتعلق بشيء من أمور الدنيا, إنما يتعلق بالله, فلا تعجب بما عندك من مال, فإنه قد يضيع في لحظات, ولا يعجب الإنسان بقوته ولا بذهنه بأنه يحفظ, أو غير ذلك, فإن الله جل وعلا قادر على صرف ذهنك عن الخير والطاعة إلى ما يضاده, ولا يعجب الإنسان بالأسباب الدنيوية, وإنما يتعلق قلبه بالله عز وجل, فإذا تعلق المرء بالله, وتوكل على الله, كفاه الله كل شيء, ومتى نظر إلى الأسباب واعتمد عليها وكل إليها, ووكل إلى عجز وهزيمة ولم تنفعه بشيء, وهذا مشاهد, فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين, متى كان الإنسان معتصماً بالله معتمد القلب على ربه وقاه الله كل سوء, ومكنه من كل خير.
القلوب إذا ارتبطت بالله, وكانت مع الله, كان الله مع العبد, وأما إذا تفلتت القلوب من ارتباطها بالله فقد أسلمت نفسها إلى الضعف والعجز والخور.
- الثقة بالله والاعتماد عليه:
** قال أبو سليمان الداراني: من وثق بالله في رزقه, زاد الله في حسن خلقه, وأعقبه الحلم, وسخت نفسه في نفقته, وقلت وساوسه في صلاته.
** قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: الاعتماد على نصر الله, لا على قوة, ولا سلاح, ولا كثرة, ولا عتاد, ولا شجاعة, ولا مرونة, ولا فراسة, إنما هو الثقة بالله وحده.
ونحن لا نقول: إن هذه الأشياء لا ينبغي استعمالها بل الله أمرنا بأن نستعمل من القوة ما نقدر عليه {أَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:60] وثبت في الحديث تفسير القوة بالرمي, فقال صلى الله عليه وسلم (ألا إن القوة الرمي) لكن لا تتخذ هي السبب, ولا يعتقد العبد أنها هي الوسيلة للنصر, فالذين مثلاً يقولون: إن أعداء المسلمين يملكون قنابل, ويملكون الطائرات القاذفة, ويملكون من القوة ما لا يملكه المسلمون, وعندهم وعندهم, ويخافون أولئك الأعداء ويعظمونهم في نفوسهم, إنما هذا من الشيطان. {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران:175] لكن لو كانوا صادقين في إيمانهم ومضوا مقبلين على ربهم, واثقين بنصره, فإنهم لن يخذلوا, ولن ينهزم لهم جيش إذا كانوا صادقين مستعملين ما معهم من القوة, ومع ذلك واثقين بأن النصر بالله تعالى لا بالقوة, بل بالله ثم بقوة الإيمان, ثم الأسلحة, والعتاد, والقوة فهذه مكملة لا أنها أساس في القوة, أو في الصبر.
- تعظيم الله عز وجل:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: لا بد للعبد من التفكر في عظمة الله عز وجل وعظمة صفاته, وكيف أنك إذا تأملت تركيب السماوات بعضها على بعض, وعظم السماوات وعظم الأرض بالنسبة لك أنت, ثم عظم السماوات بالنسبة للأرض, ثم عظم الكرسي بالنسبة للسماوات, ثم عظم العرش, تتصاغر وتتصاغر حتى توجب على نفسك تعظيم الله عز وجل حق تعظيمه, وتوجب على نفسك الذل, لأن العبد لا ينفك إذا آمن بهذا حقيقة أن يكون أذل وألا يترفع ولا يتكبر, لأنه يعلم حقيقة نفسه وحقيقة خلقه ومقداره, ثم هو يعظم الله حق تعظيمه.
وأصل الإيمان التذلل لله بعد الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته وألوهيته, فكلما كان العبد أكثر ذلاً وتعظيماً لله عز وجل وخشوعاً في القلب كان أكثر إيماناً وأعظم مقاماً عند الله عز وجل: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]
& الواجب على العباد جميعاً, أن يعظموا الله, وأن يخبتوا إليه, وأن يظنوا أنهم أسوأ الخلق, حتى يقوم في قلوبهم أنهم أعظم حاجة لله عز وجل, وأنهم لم يوفوا الله حقه,
- الافتقار إلى الله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: & أقرب طريق إلى الله الافتقار إليه.
& الرب سبحانه أكرم ما تكون عليه أحوج ما تكون إليه.
& إذا افتقر العبد إلى الله ودعاه, وأدمن النظر في كلام الله, وكلام رسوله, وكلام الصحابة, والتابعين, وأئمة المسلمين, انفتح له طريق الهدى.
& العبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقاراً وخضوعاً له: كان أقرب إليه, وأعزَّ له, وأعظم لقدره.
- الاستعانة بالله جل وعلا في جميع الأمور:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم : «وإذا استعنت فاستعن بالله» وفي استعانة الله وحده فائدتان:
إحداهما: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات
والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل, فمن أعانه الله فهو المعان, ومن خذله الله فهو المخذول.
فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات, وترك المحظورات, وفي الصبر على المقدورات كما قال يعقوب عليه السلام لبنيه: ﴿ {فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ } ﴾ [يوسف:18] ولهذا قالت عائشة هذه الكلمة لما قال أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا. وقال موسى لقومه: ﴿ {استَعينوا بِاللَّـهِ وَاصبِروا} ﴾ [الأعراف:128] وقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ {رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَـنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ﴾ [الأنبياء:112] ولما بشر صلى الله عليه وسلم عثمان بالجنة على بلوى تصيبه. قال: الله المستعان
فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في مصالح دينه وفي مصالح دنياه. كما قال الزبير في وصيته لابنه عبدالله بقضاء دينه: إن عجزت فاستعن بمولاي, فقال له: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقضِ عنه دينه فيقضيه.
وكذلك يحتاج العبد إلى الاستعانة بالله على أهوال ما بين يديه من الموت وما بعده.
كتب الحسن إلى عمر بن عبدالعزيز: لا تستعن بغير الله فيكلك الله إليه.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ