التعلق بالله وحده
إن الله تبارك وتعالى قد يبتلي العباد ويمتحنهم؛ ليعلموا فقرهم وحاجتهم إليه، وأنه لا غنى لهم عنه، مع ما تقدَّموا فيه من علم الدنيا، وما وصلوا إليه من الطب، فإن ذلك كله يبقى حائلًا دون كشف الكربات، وقضاء الحاجات {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - التوحيد وأنواعه -
إن الله تبارك وتعالى قد يبتلي العباد ويمتحنهم؛ ليعلموا فقرهم وحاجتهم إليه، وأنه لا غنى لهم عنه، مع ما تقدَّموا فيه من علم الدنيا، وما وصلوا إليه من الطب، فإن ذلك كله يبقى حائلًا دون كشف الكربات، وقضاء الحاجات، فلا يكشف الضرَّ إلا الله، ولا يدفع البلاء إلا الله، ولا يشفي من المرض إلا اللهُ القائل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17]، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
عباد الله؛ أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وبالرضا عن الله.
عباد الرحمن؛ ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة، فتوبوا إلى الله واستغفروه، وأنيبوا إليه ولا تكفروه، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
يا عبد الله؛ مهما يكن مُصابُك فعليك أن ترضى عن الله، فوالله ما رضي عبد عن الله إلا أرضاه الله؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ عِظَمَ الجزاء مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرِّضا، ومَن سَخِطَ فله السَّخَط»، فمن رضي عن الله أرضاه الله في دنياه وأخراه.
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يوصيه، ويذكر له تلك الوصية النافعة، فاستفتح كتابه رضي الله عنه بقوله: "أما بعد، فاعلم أن الخيرَ كلَّه في الرِّضا عن الله".
اعلم أخي في الله؛ أنه إذا أصابك البلاء، فرضيتَ عن الله؛ أرضاك الله في الدنيا والآخرة، وأقرَّ الله عينك، وأَثْلج صدرك، فكم من مصيبة عادت نعمة على العبد إذا رضي عن الله تبارك وتعالى، وكم من بلايا رضي أصحابها، فزادتهم من الله قُرْبًا، ومن الله رِضًا وحبًّا.
واعلم - رحمك الله - أنَّ للرِّضا عن الله دلائل؛ أولُها: طيبُ الكلام، وحسنُ الظن بالله تبارك وتعالى، ومن ثمَّ قال العلماء: "إن العبد إذا رضي عن الله؛ وهبه اليقينَ في مصيبته".
فإذا كان الإنسان راضيًا عن الله تبارك وتعالى، وعنده الإيمانُ واليقينُ ثبَّت الله جنانه، فكلما كان اليقين في قلب العبد وجدته أثبتَ جنانًا، وأشرحَ لله عز وجل صدرًا، وما رضي عبد عن الله إلا جعل له من كل هَمٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.
واعلم يا عبد الله أنه لا يدفع البلاء إلا الله، كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه، فأوصى البراء بن عازب رضي الله عنه إذا أوى إلى فراشه أن يقول: «إذا أوَيْتَ إلى فراشِكَ فقُلْ: اللهمَّ أسلمْتُ نفسي إليكَ، ووجَّهْتُ وجهي إليكَ، وفوَّضْتُ أمري إليكَ، وألجأتُ ظهري إليكَ؛ رغبةً ورهبةً إليكَ، لا ملجأ ولا مَنْجا منكَ إلا إليكَ، آمنتُ بكتابِكَ الذي أنزلْتَ، ونبيِّكَ الذي أرسلْتَ، فإنك إن مِتَّ من ليلتك مِتَّ على الفطرة، وإن أصبحْتَ أصبْتَ خيرًا»؛ (متفق عليه)، وفي رواية في الصحيحين: «واجعلهنَّ آخر ما تقول».
ويا عبد الله، اضرع لربك، وألَحَّ عليه بدعائك، وارفع له حوائجك، فالله منه العوض، ما رجاه أحد فخاب، ولا أيقن عبد بربِّه فضيَّعه، وإذا أراد الله أن يجمع للعبد بين المصيبتين؛ ابتلاه وسلبه اليقين - والعياذ بالله - فإذا ابتلى اللهُ العبد، ولم يلتجئ إلى الله بعد البلاء؛ فاعلم أنه مُستدرَج؛ ولذلك فالبلاء كل البلاء إنما يكون على الكافر الذي إذا أصابته المصيبة لا يدري أين يذهب، ولا يدري أين يتجه؛ ولكنَّ المؤمنَ له بابٌ يقرعه، وربٌّ لا يخيب مَن رجاه ودعاه.
ويا عبد الله، أحسِنْ الظَّنَّ بربِّكَ، وكيف لا تُحسِن الظَّنَّ بمن لا يأتي الخيرُ إلا منه تبارك وتعالى، وكيف لا تطمئن ومستقبلك يصنعه مَن هو أرحم بك من أُمِّك، فثِقْ بالله، وتوكَّل عليه، وأحسِنْ به، وتُبْ إليه، فإنك إليه راجعٌ.
واللهِ، ما أحسَنَ عبدٌ ظنه بربِّه إلا كان الله عند حُسْن ظَنِّه، إذا أصابتك المصيبة فأحسِن الظَّنَّ بالله، وقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها.
وأَحرصُ ما يكون الشيطان في بداية المصيبة أن يسيء ظنك بالله عز وجل؛ ولذلك إذا جاءت المصيبة في النفس، أو جاءت في المال، أو جاءت في الولد؛ جاءك الشيطان فقال لك: لو كان الله يحبك ما ابتلاك، ولو كان الله يحبك ما أصابك بابنِك فِلْذةِ كبدك، ولو كان الله يحبك ما أفقدك مالك على كبر سِنِّك، ولو كان الله، ولو كان الله، فهو أحرص ما يكون على أن تكون على سوء ظن بالله عز وجل.
فالله الله، أن يسوء ظنك بالله عز وجل؛ بل قل: الحمد لله، وليكن قلبك مطمئنًا بالفرج من الله تبارك وتعالى، فمن اتَّقى الله جعل له من كل هَمٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاء عافيةً.
أخي، المُلْك لمن؟ والكون لمن؟ والتدبير لمن؟ من الذي يجير ولا يجار عليه؟ ومن الذي يغيث ولا مغيث سواه؟ عز جاره، وجل جلاله، ولا إله غيره.
قال الشنقيطي رحمنا الله وإياه: "والله لو علم المكروب سعةَ رحمة الله عز وجل ما تألَّم من كربه، ولو أيقن المكروب بحلم الله به لا يمكن أن يصيبَهُ بلاء في نفسه، وأضرب لك مثلًا يسيرًا: لو أنك يومًا من الأيام سُئلت عن أرحم الناس بك، وأحلمهم عليك، لقلت: أبي وأمي، ولكان في قلبك يقينٌ أن لا أرحم في الناس من أبيك وأمك، والله ثم والله لرحمةُ والديكَ بك لا تأتي مثقالَ ذرة في رحمة الله عز وجل بك، ولَلُطْفُ الله عز وجل وحنانُه وحلمُه ورحمتُه وأنت تقاسي الآلامَ وتكابدُ الأسقام- أشَدُّ من رحمة والديك بك؛ ولكن يريد أن يرفعَ درجتك، ويحُطُّ عنك خطيئتك، ويريد أن تخرج من هذه الدنيا وأنت نقيٌّ من السيئات والخطايا، حتى إذا وافيتَه وافيتَه بوجهٍ أبيضَ مُشْرقٍ من تلك البلايا، وإنَّ من عباد الله من هو والله حبيب لله، لا يبتليه اللهُ عز وجل إلا لكي يدنو منه، يبتليه لكي يسمع صوته: يا رب! يا رب! إلهي سيدي مولاي، واللهُ يسمع إخباته وإنابته، فتكون أصدقَ شاهدٍ على توحيده لله تبارك وتعالى.
ويا عبد الله، تفكَّر في سرِّ ابتلاء الله تعالى لعباده، فهذه البلايا والرزايا بُسطت لك لكي تكون سُلَّمًا إلى رحمة الله عز وجل، شعرت أو لم تشعر؛ ولكن إذا دخل اليقين إلى القلوب هانت عليها البلايا والخطوب، إذا دخل اليقين إلى الأفئدة تعلَّقت بالله وحده لا شريك له، ما ابتلاك الله لكي تفزع إلى زيد وعمرو لا والله، وما ابتلاك بالأسقام حتى تتعلق بغيره سبحانه وتعالى، فوالله لو صُبَّت البلايا على العبد لا يمكن أن يجد الفرج والمخرج إلا بالله سبحانه وتعالى؛ فلذلك يكون الإنسان على يقين بالله تعالى، فلا ملجأ ولا منجا من الله تبارك وتعالى إلا إليه.
وقع أحد الناس في ضائقة، واشتدت عليه هذه الضائقة، كان مبتلى بمسٍّ، وكان هذا المسُّ يُقلقه ويزعجه ويؤلمه، واشتد عليه ذلك الخطب، وفي يوم من الأيام جاء إلى أحد طلاب العلم، واشتكى إليه مما يجده، وقال: والله يا شيخ قد عظُم عليَّ البلاء، وإني أصبحتُ مضطرًّا، أفلا يجوز لي أن أذهب إلى إنسان يفكُّ عني هذا البلاءَ الذي أجدُه؟! ألا تُرخص لي في ساحرٍ أو كاهنٍ يعلم ما أصابني، فيكشف عني ما أصابني؟! فوفَّق الله طالب العلم، فذكَّره بالله تعالى، وأمره بتقواه، والاستغاثة به، وتوحيده، ثم قال: إني لأرجو من الله عز وجل إن استعنت بأمرين أن يفرِّج عنك الكرب والبلاء؛ أحدهما: الصبر، والثاني: الصلاة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، يقول الرجل: فقمتُ من عنده بيقين قوي في الله عز وجل، فصليت ركعتين أحسست أني مكروب، وأنه قد أحاطت بي الخطوب، فاستعذت بالله واستجرت، وإذا بي في سجودي أحس بحرارة شديدة في قدمي، وما إن سلَّمت إلا وكأنه لم يكُ بي من بأس {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].
أحبَّتي في الله، هل الساحر يغيثك من دون الله؟! هل الكاهن يجيرك من دون الله؟! الأمر أمره، والقدر قدره، خطَّ عليك هذا البلاء قبل أن تكون، وقبل أن توجد، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:49-50].
كتب الله البلايا قبل أن يخلق العباد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوَّلُ ما خلَقَ اللهُ القَلَمُ قال: اكتب، قال: يا رب، ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائنٌ، وما يكون إلى قيام الساعة، فجرى القَلَمُ بما هو كائنٌ، وما يكون إلى قيام الساعة»؛ (رواه أبو داود، وصححه الألباني)؛ ولذلك ركب عبدالله بن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يهديه هدية، وأن يمنحه تلك العطية، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا غلام، ألا أُعلِّمُك كلماتٍ؟ احفَظ اللهَ يحفظْكَ، احفَظ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا استعنْتَ فاستعِنْ بالله، وإذا سألتَ فاسأل اللهَ، واعلَمْ أنَّ الخَلْقَ لو اجتمعُوا على أن ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلا بشيءٍ قد كتَبَه اللهُ لك، واعلمْ أنَّ الخَلْقَ لو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلا بشيء قد كتَبَه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ، وجفَّت الصُّحُف»؛ (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
يا عباد الله، لقد أرانا الله تعالى ضعف البشر ونقصهم، ويأسهم في جائحة كورونا، مهما أوتوا من مظاهر العظمة الزائفة الخادعة.
عبد الله، الله الله، أن ينظر الله عز وجل عليك في البلاء، وقد رفعت كفَّك إلى غير الله.
الله الله، أن ينظر الله إليك في البلاء، وقد تعلقت بغيره جل في علاه.
الله الله، أن ينظر الله إليك في البلاء، وقد صرفت شعبةً من شعب قلبك تعتقد فيها في أحدٍ سواه.
الله الله، أن ينظر الله إليك في البلاء، وقد تعلَّقت بغيره، وعُذْتَ بأحدٍ سواه، وكم من أقوامٍ استعاذوا واستجاروا بغير الله، ففرَّج الله عنهم الكربات امتحانًا واختبارًا، واستدرجهم منه علمًا وحكمةً واقتدارًا، ثم ابتلاهم بالبلاء الذي هو نهايتهم من حيث لا يحتسبون.
عبد الله، إن فَقدْتَ الأموالَ فإنك لم تفقد ربَّها، وإن فقدت الأبناء والبنات فإنك لم تفقد من أوجدها، ومَن خلقها، وإن فقدت الآباء والأمهات، فإنك لم تفقد من جَبَل قلوبهم إلى الحنان، فأحسنوا إليك، ووهبوا يد المعروف إليك.
فالله الله، أن يَخِيب ظنُّك في رجائه، أو تكون من عباده الذين ضلَّ سعيهم بالرجاء في غيره.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
______________________________________________
الكاتب: إبراهيم الدميجي