محاذير الخلوة

الخَلوةُ لها مَحاذيرُ ومَخاطر، تَدِبُّ في عُروق الإنسان حينما يتغافل عن الجادِّ المستقيمِ، ويتلهَّى بما يُنسيه الخالقَ، فتختَلِس النفوسَ على غفلةٍ، فتُفسِدُها وتُرغِمُها على الانهيار

  • التصنيفات: نصائح ومواعظ -

الخَلوةُ لها مَحاذيرُ ومَخاطر، تَدِبُّ في عُروق الإنسان حينما يتغافل عن الجادِّ المستقيمِ، ويتلهَّى بما يُنسيه الخالقَ، فتختَلِس النفوسَ على غفلةٍ، فتُفسِدُها وتُرغِمُها على الانهيار، واحتراق الصحة، والنفْس والرُّوح والبَدَن، والذين أُصيبوا بها قد صاحُوا ناصحِينَ للجيلِ الصاعِدِ - الشباب والشابات - الذي لم يَمْسَسه سوءٌ أن يتقي اللهَ في الخلوة، ويتجنَّب مفاسدَها ويشغل نفسَه بما فيه خيرٌ.

 

وهم يُمَثِّلُون لهذه الخلوة إذا امتلأتْ بالمحاذيرِ والأخطارِ - ببائع السلعِ حيث يَخْلِبُ مَبيعَه كيْ يَفتن قلبَ الْمُشتري، ويُخاتلَه ويُراوغَه برقيقِ الحديثِ؛ حتى يتهيَّأ لِشِرائه، كذلك الخلوةُ؛ لأنها مَظِنَّةُ الفتنة والاضطراب وبلبلة الأفكار، وطريقةٌ إلى الإغراء بالمعصية؛ بأن يفتتنَ الإنسانُ بما يعجب نفسَه، ويستَهتر به، دون تَمييز بين الأسودِ والأبيضِ، أو بين الخطأ والصوابِ، أو بين الأخسأ والأفضلِ، أو بين الأشوهِ والأجودِ، فإذا أصيبَ بها الفتى، أو أصابت إحدى الفَتَياتِ، فيُدرِك المصابُ ماذا حَدَثَ، ويسألُ نفسَه: ماذا ارتكبَ؟ ويستفسرُ ذاتَه: ماذا تَدهور واستهلكَ؟ إذا لم يَجِدْ جوابًا مُقنعًا، ينظر مُحملِقًا إلى نفسه، مُتأسِّفًا ومتلهِّفًا... ثم يَشعر بالنَّدَمِ، فيَستَنْقِصُ ذاتَه، ويعيبُ نفسَه، ويصْرخُ حيث تضِجُّ مَشَاعِرُه، وتتقَلَّبُ عَوَاطِفُه من الوقوعِ في نَواحٍ شَيْطانيَّةٍ... الابتلاءِ أو البلاءِ؟!

 

ألاَ وإنَّ هذه الصرخاتِ ليس لها معنًى، وليس لها قَدْرٌ، وليس لها أيُّ جَدْوَى، إلاَّ أن يَتُوبَ إلى الله تَوْبَةً نَصوحًا؛ حتى لا يَعودَ إلى حَمْلِ إصْرِ المعاصي، أو التصَرُّفاتِ التي خاضَها أول مرة، ولاَ يَغْمِسَ يدَيْه في تلك الخَساسَةِ والدَنَاءةِ ثانيًا.

 

هل تَعْرِفون ما هي تلك المَحاذيرُ والمَفاسدُ التي تطلع مِن صفحة الخَلوة، وتقع على من يتغفَّل فيها، أو تُخاتِل النفس الأمَّارة بالسوء إلا مَنْ رحم الله؟

 

والخلوة – أي: سلبيَّاتها - تندرج تحتَ خلْوتين: الكبرى والصغرى.

فإنَّ الأُولى تَعني خلوةَ الرجُلِ الأجنبيِّ بالمرأةِ الأجنبيةِ، سواءٌ أكانا في البَيْتِ، أم السوقِ، أم في أيِّ مكانٍ؛ حيث تتحقَّقُ لهما سُبُلُ الخطورةِ، وتتوفَّرُ لهما أسبابُ الخِيفَة بإزاءِ السيِّئة التي يَرْعَدُ منها السماءُ، وتنشقُّ الأرضُ، وتقشعِرُّ منها الجلود، ويوميًّا تحدُث مثل هذه الأحداث والوقائِع، فيها فظيعَةٌ للإيمان والإسلام وأهلِه في دولٍ شَتىَّ، في أماكِنَ يتوجَّبُ فيها حِفاظُ حقوق المرأة نحو السجون، كان المفروض أن يحافِظ الضابِطُ أو الشُّرْطيُّ - مثلاً – على عِرض السجيناتِ اللَّواتي تحت ظلاله، ولكن للأسَفِ وقد شاهَدَ العالَمُ أن في الماضي القريبِ قد حَدَثَ ما حدث في دولةٍ جمهوريَّةٍ إسلامية!

 

ورغْمَ كل ذلك لم تتوقف تلك الأيادي المتلوِّثةُ بهَتْكِ أعراضِ النساءِ عن تصرُّفاتٍ خسيسةٍ بسببِ الاختلاطِ الممنوعِ في قول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ؛ فإنَّ الشيطانَ ثالثُهما»؛ لأنَّ الخلوةَ تغُرُّهما، حيث تَغْرِزُ مساميرَ الرغباتِ والملذَّاتِ السامَّةِ في قلبهما، ثم تُثِيرُ أمراضَ القَلْبِ شيئًا فشيئًا، فتُغِيرُ على تَقْواه، وتزيلُ عنه الحياءَ عند معْصيةِ الخالقِ، وتُكاشِف النفسَ على المغرِياتِ والنَّزواتِ، التي يَصُبُّها الشيطانُ فيه عن طريقِ الوساوس والخواطر، فهي تعجب النفسَ في بادئ الأمرِ، ثم تُغالِبها فتطَأُها تحتَ أخْمَصِ قدميها أخيرًا، فلا تعطِي تلك الجولاتُ القلبيَّة الناشِئةُ من نفخات الشيطان اللَّعين - إلاَّ الأسفَ واليأس، والبكاءَ واللَّوْم، والأسَى والخِزْي، فهذه الخلوة المفتتنةُ تُلقيهما في الضَّلالةِ العمياء الظَّلْماء وتتركهما في أسفل السافلين، فيقعان في تلك اللحظاتِ القصيرةِ أو الطويلةِ الخاليةِ من الانشغالاتِ - فيما حرَّمه الله تعالى.

 

أمَّا الثانيةُ، فهي تُلْبِسُ الباطلَ ثِيابَ الحقِّ عن طريقةٍ غيرِ شعورية، فتَغوِي الإنسانَ فيَضِلُّ ويهوِي؛ لأنَّه يَنْسَى ربَّهُ عندها، أو يُنسيهِ الشيطانُ، ويغريهِ إلى أحلام كاذِبَةٍ، ويُحَرِّضُه عليها حتى تُبيدَه الرغبات المحرَّمة، وتُهلكَه الخواطر، إذا كان الرجل وحيدًا فيريه الوسواسُ الخناس ما يُعجِب نفسَه ويستلِذُّ به، فيقع فيه خِتامًا، ويصير عقله - في تلك اللحظةِ - كألعوبةٍ في يدِ الشيطانِ، أو كدوامة يلفُّها الصبي بِخيط، ثم يرميها على الأرضِ فتدور.

 

هكذا، إن الشيطان إذا غلب الإنسانَ في الخلوةِ، فيدور الإنسان فيما يرمِيهِ، وينطلِق حيثما يسوقه، وعندئذ يلهِيهِ عن ربِّ الناسِ، ملِكِ الناسِ، إلهِ الناسِ.

 

أما المحاذير والأخطار التي يُصاب بِها الناس عمومًا عند خلواتِها، أو تقع النفوس في مخالِبِها - فكثيرة، من أهَمِّها ما يلي:

1- الإنسان العادِي الذي كان لا يعرِف - مثلاً - المخدِّراتِ، أو المواد التي تسبِّب له فقدانَ الوعيِ بِدرجات متفاوِتة، كالحشيشِ والأفيونِ والخمرِ، فيعتادها في الخلوةِ، خصوصًا حينما عراه فتورٌ أو استرخاء في نفسه.

 

2- ذاك الفتى الذي لم يدخِّن ولو مرةً، ففي خلوته إذا لم يَشغل نفسه بما يهمه ويفِيده، فعسى أن يبدأ ذلك؛ كي يمرَّ الوقتُ دون ملَل أو ضِيق، أو يكون عنده شيء يُفكِّر فيه، ويضطرِب مِن أجلِه، فيدخِّن السجائر والتَّبْغ؛ لِيُزِيل عن نفسِه ذاك الغبارَ، وبلبلةَ الفكرِ، أو الانقباض الذي اعتراه، وقال بعض الأطباءِ: إن التدخين يقتل أربعة ملايين شخص كلَّ عامٍ، وهو يسبِّب عددًا مِن الأمراضِ القلبيةِ، أو النَّوباتِ القلبيةِ خاصةً، تنتهِي كلها إلى الوفياتِ بِألفِ ملايين إنسان على مدارِ العام، وهذا الذي يسبب له الشيخوخةَ أيضًا.

 

3- مَن كان لا يسمع الأغاني بل يَكرهها أحيانًا، فيفتتن بخلوات كاذِبة، ويغوص في ملذَّات دون حيطة وحذر، ففي البِداية يسمعها، وبعد فترة يسجِّلها لديه في آلاتِ التسجيل، ثم لا يمر وقت إلا وهو يفتخر بِجمعِها ويُسمِع الآخَرين، ومعظم هؤلاءِ يترنَّمون بها عند الاستماعِ إليها ويتلذَّذون بِذلِك ويطربون، فلا يَعصون الله وحدهم، بل يحمِلون أوزار غيرِهِم على أكتافهم؛ كما قال تعالى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل : 25]، ويصفها القرآن بِلهوِ الحديثِ في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان : 6].

 

فهذه الفرصة الذهبِية كان من الواجبِ فيها أن يَعبد صاحِبُها ربَّه، ويَذكُره، أو يتلو مِن الذِّكْرِ المبينِ، ويدعو لنفسه ولغيره، ولكِنه ينصرِف عن كلِّ ذلك، ويغمِس نفسه في الأباطيلِ والملاهِي متناسِيًا أن الله قد وَعد بلِسانِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن الشاب الذي نشأ في عبادةِ ربِّه يُظِلُّه الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه.

 

4- مَن كان لا يشاهِد الفِديوهاتِ الثائِرة، القاتِلةَ للخُلق والمكارم، فطفِق يستخدِم تلك الأجهِزةَ الإلكترونية مِن النتِّ والجوالِ والهاتِفِ الثابِتِ، وغيرِها بطريقة سيِّئة جِدًّا، ويَخوض في نواحٍ شيطانِية، حيث يشاهِدها في خلوتِهِ دون خوف وفزع، وزهد واتقاء، وخشية وحياء واستحياء من ربِّ العالَمِين، فيلوِّث يديه فيما يَهون لِنفسه ويخيب لِقدره، أفلا يتذكر قول اللهِ تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء : 14].

 

الأمر لا يتوقف إلى هذا الحدِّ، بل يتعدَّى إلى ناحِيةٍ أخرى، وهي أكثر خطورةً على العقيدة والإيمان، وذلك بِسبب اشتمال عامةِ الأفلامِ على المعازِفِ، وصورِ النِساءِ العاهِراتِ، أو العارِياتِ، وانطواءِ تلك الفِديوهاتِ على العلاقاتِ المحرَّمةِ وغيرِها مِما يُثِير الجنس.

 

أما الهواتِف الثابتة أو المحمولة، فهي تسبِّب تبادل الأحاديثِ مع الأجانبِ، ثم تأتي مرحلةُ تبادلِ الصورِ مِن واحِد لآخر، ثم يتواعدانِ لِلقاءِ في مكان معين، ثم تَحدث تلك الجريمةُ في مختَتمِ هذه المقدِّماتِ.

 

5- الأنانِية - أو حب الذاتِ - هي أساس كلِّ بلاء يصِيب الإنسان مِن النفاقِ والبخلِ والتمرُّدِ والاستِعباد والطغيان على الناسِ والتكبرِ والحِقد... والخلوة مِن تِلك الأسبابِ التي تدفع الإنسان لها.

 

6- إذا خلا الإنسان، فتناغِيهِ أخبار، وتحِيطه أفكار شتَّى، مِن هنا وهناك، فهو يتفكر ويتأثر بما يجول في خاطره مِنها، ثم تنحسِر تِلك الأفكارُ - مثلاً - إلى ملاعبةِ انقباضِ النفس وكآبتِها واغتِمامِها، فيَغشى عليهِ ذاك حتى يتقيَّض له مِن التفكُّكِ والانهِدامِ الروحِي، أو ينتِج الانتحار الذاتِي أو الإعدام لغيره.

 

وهنالِك إحصائيات لِلأمراضِ التي تُرصد اليومَ للجيل الحاضر منذ الطفولة، فيا للعجب! كم مِن والد ووالدة تنتبِه إلى ذلك، فتشعر بضرورة تنظِيم وقتِهِ حسب المصالِحِ في أمور صِحِية وتعليمية، وتربويَّة ورياضية وغيرِها، وتراهِن عليه خُلقِيًّا ودينيًّا خاصةً، واجتماعيًّا وشخصيًّا عامةً، كلا ثم كلا، بل وإن ذَيْنِك الكرِيمينِ الوالِدينِ العزِيزينِ يوفِّرانِ مِن تلك الأسبابِ التي تحتوِي على مواصفات طَيِّبة في البيتِ، حتى تنحدِر يومًا بعد يوم إلى الانهيارِ والهلاكِ، حتى قاب قوسينِ أو أدنى، دون أن يُعَلِّما أولادهم ما في صالِحِهِم وصالِحِهما، فإذا كبر الأولاد وطفِقوا ينشِزون ويعصونهما، فيصرخانِ حينذاك: ابني ابني! بنتي بنتي! إن الله قد أمركم بالبرِّ والإحسانِ بِوالِديكم.

 

ولكن كيف يتحول ذاك الفتى الطالح - الذي تربَّى في حِضْنِ الهوى والمعصيةِ والغفلةِ - إلى أن يكون شابًّا صالحًا مؤمنًا مباشرةً، رغم أن والديه لم ينهياه عما يخيِّب رجاءهما فيه، بل كانا يفرحانِ ويرحِّبانِ حينما يُغلِظ القول في وجوهِهِم كي لا يَسُوءه شيء مِنهما.

 

إنَّ الشباب إذا لم يستغِلُّوا الفرص ولم ينتفِعوا بها، وضيعوا وقتهم الثمين، فلن يجِدوا ملجأً رائقًا يساعِدهم عند حلولِ المفاجئاتِ، بل تواجِههم صعوباتٌ ومشاكِلُ اقتِصادِية ودِينيَّة آنذاك، فعليه أن يدخل في أعماقِ نفقِ الأوقاتِ، ويبحث عمَّا بِداخله مِن جواهِرَ وأزهار، ويقطِفها أينما يجِدها.

 

إن أشبال الأمسِ ستكون أُسُودَ الغدِ، فلْيتنافسوا وليتسابقوا في الخيرِ، لو أضاعوا أنفسهم - باللهِ - لَخسِروا في دنياهم وآخِرتِهِم.

 

مثلاً الفتى إذا لم يهتم بالتعلِيمِ، وضيَّع وقته الدِراسِي، فإما أن يرسب، وإما أن يبقى ضعيفًا في مجالِه، ففي أثناءِ مدةِ دِراستِه ينفِق عليه والده لِيتعلم ويكبر؛ ليقوم بما يدير شؤونه، ولكن بعد أن انتهى تعليمه، يرجو الوالد أن يحصل ابنه على عمل بِناءً على مجهوداتِه الماضيةِ، وفي الواقعِ الحقيقي ذاك الفتى وإن أكمل تعليمه حتى البكالوريا، ولكنه لم يهتم بما فُرِض عليه في تلك الفرصةِ التعليميةِ، ولم يتعلم شيئًا، بل مِن الأسوأ أنه قد آثر عليه مما أخزاه اليوم، فارتكب ما لا يعلمه إلا الله بِجرائر شَغلت نفسَه عن القِيم، فالآن أنَّى يذهبْ لِيحصل على درجة وظيفية تساوي تعليمَه لا يقبلوه؛ لِعدمِ استطاعتِه وتقديرِه المطلوبِ فيما دَرس وسبق، فطبْعًا يقابِل ذاك الفتى من الفقرِ والبِطالة، فأحيانًا يتسبب ذلك في الانتحارِ أو الإعدامِ، وكلاهما في كلِّ العالمِ اليوم.

 

كما أن لهما أسبابًا أخرى، فمن أهمِّها ذاك القحط الإجبارِي أيضًا، بمعنى أن الإنسان قد أجبر نفسه عليه، أو ألزم القحط على نفسِه مِن هذا الطريقِ، وأخيرًا حينما لا يجد ما يعود بالرغدِ والرخاء، فطفِق يتفكر أنْ ليس له في الدنيا حظٌّ، وليس له نصِيب فيها ما عدا الموت، الموت، الموت، حتى ينتزِعه الموت قانِطًا بائسًا!

 

وهناك فتىً تعوَّد على الإدمانِ والخمورِ والمُجونِ، وأضَاع وقته في اللهوِ واللعبِ، ولم يستفِد مما أعطاه الله تعالى من الفرصِ، حتى ولم يتعلم، مِثل ذلك كيف يصلِّي، أو ماذا يقرأ في الصلاةِ؟! ففجأةً احتُضر والِده أو والِدته، فلا يعرِف ماذا يفعل - في تلك اللحظةِ الخطيرةِ - لو ارتحلوا إلى جوارِ ربِّهِم الأعلى، فلا يدرِي كيف يصلِّي صلاة الجنازةِ، أو ماذا يقرأ فيها، وهذه الحقيقة لا مندوحة عن التسلِيمِ بها، نشاهِدها في مجتمعات نعِيشها، وللأسفِ الشديدِ عدد مِن الشبابِ الخائضين في الفسوقِ والفجورِ، وينبعِثون في المعاصِي غير مكترِثِين، فمِثل أولئك لا يعرِفون شيئًا عن الصلوات الخمس، وحتى معاني الأذانِ أحيانًا، فما يصنعون إذًا في صلاةِ الجنازةِ؟!

 

فكيف نتجنب محاذير الخلوةِ؟

قد ورد في الحديثِ: «بادِروا بالأعمالِ؛ مرضًا حابِسًا، أو موتًا خالِسًا»، وكل مِنا يعرِف أن هذه المبادرة المشار إليها في ذاك الحديثِ المباركِ لا تتحقق دون مراعاة الوقتِ والفرصةِ وبِنائها على مجهودات قيِّمة، فعندما ننفرِد ولا نعمل ما يشغل بالنا مِن الذنوبِ، فتراوِغ الوساوِس أنفسنا، عندئذ علينا أن نكثِر ذِكر هازِم اللذاتِ "الموت" لو نسِينا كلِمة الله في خلوتِنا، فلا يتمكن لنا أن نحصل على سعادة دون شقاء، وفرح دون بؤس، ونهوض دون سقوط، وعِز دون هوان، وهذا المرض – أعني: محاذير الخلوةِ - أشد سُمًّا مِن سوامِّ أبرص للرجلِ الذي أصِيب به في مجالاتِ الحياةِ مِن مجالِ الفردِ والأسرةِ والمجتمعِ والدولةِ؛ لأَنْ ليس عنده ما يجديه، ويتناعم به، أو ينفع الآخرِين ويستفِيدون مِنه، بل كل ما لديه هو لب الفسادِ والتدهورِ، والخِزيِ والذل، فإيانا وميلَ النفسِ إلى الهوى.

_________________________________________

الكاتب: د. محمد زبير عباسي