ثمرات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

قال اللَّهُ تَعَالَى في كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

  • التصنيفات: محبة النبي صلى الله عليه وسلم -

الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَبَعْدُ فإن للصلاة عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم منزلة عظيمة وفضائل كثيرة، فأقول وباللهِ تَعَالَى التوفيق:

 

معنى اسم محمد صلى الله عليه وسلم:

اسْمُ مُحَمَّدٍ هُوَ أشْهَرُ أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ اسْم مَنْقُولٌ مِنَ الْحَمد، وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم مَفُعُولٍ مِنَ الْحَمدِ، وَهُوَ يتَضَمَّنُ الثَّنَاء على الْمَحْمُودِ ومحبتهِ وإجْلالهِ وتعظيمهِ، هَذَا هُوَ حَقِيقَة الْحَمْدِ، وَبُنِيَ على زنة مَفْعَلِ مثل مُعَظَّم ومُحبب ومُسَوَّدٍ ومُبَجَّل ونظائرها؛ لِأَن هَذَا الْبناء مَوْضُوع للتكثير فَإِن اشتق مِنْهُ اسْم فَاعل فَمَعْنَاه مَن كَثُرَ صُدُور الْفِعْل مِنْهُ مَرَّة بَعد مَرَّة كمُعلم ومُفهم ومُبين ومُخلص ومُفرج وَنَحْوهَا وَإِن اشتق مِنْهُ اسْم مفعول، فَمَعْنَاه مِن كثر تكَرر وُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِ مَرّةً بَعد أُخْرَى، إِمَّا استحقاقًا أَو وقوعًا، فمحمد هُوَ الذي كَثُــرَ حـَمْد الحامدين لَهُ مرَّة بعد أُخْرَى أَو الَّذِي يسْتَحق أَن يُحمد مَرَّة بعد أُخْرَى، وَيُقَالُ حمد فَهُوَ مُحَمَّد كَمَا يُقَال: عَلَم فَهُوَ مُعلم، وَهَذَا عَلَمٌ وَصفَةٌ اجْتمع فِيهِ الْأَمْرَانِ فِي حَقه صلى الله عليه وسلم وَإِن كَانَ عَلَمَا مَحْضًا فِي حق كثير مِمَّن تَسَمَّى بِهِ غَيره؛ (جلاء الأفهام لابن القيم صـ171).

 

♦ إنَّ تسميةَ نبينا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الِاسْم بسبب ما اشْتَمَل عَلَيْهِ مِن مُسَمَّاهُ وَهُوَ الْحَمد، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَحْمُودٌ عِنْد الله ومَحْمُودٌ عِنْد مَلَائكَته ومَحْمُودٌ عِنْد إخوانه مِنَ الْمُرْسَلِين ومَحْمُودٌ عِنْد أهل الأَرْض كلهم وَإِن كفر بِهِ بَعضهم، فَإِن مَا فِيهِ مِن صِفَات الْكَمَال محمودةٌ عِنْد كل عَاقل، وَإِن كَابَرَ عَقله جحُودًا أَو عنادًا أَو جهلًا باتصافه بهَا، وَلَو عَلِمَ اتصافه بهَا لحمده، فَإِنَّهُ يُحمدُ مَن اتّصف بِصِفَات الْكَمَال ويجهل وجودهَا فِيهِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة حَامِد لَهُ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اخْتصَّ مِن مُسَمَّى الْحَمد بِمَا لم يجْتَمع لغيره، فَإِن اسْمه مُحَمَّد وَأحمد وَأمته الْحَمَّادُونَ، يـَحْمَدُونَ اللهَ على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَصَلَاة أمته مفتتحة بِالْحَمْد وخطبته مفتتحة بِالْحَمْد، وَكتابه مفتتح بِالْحَمْد، هَكَذَا عِنْد الله فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَن خلفاءه وَأَصْحَابه يَكْتُبُونَ الْمُصحف مفتتحًا بِالْحَمْد وَبِيَدِهِ صلى الله عليه وسلم لِوَاء الْحَمد يَوْم الْقِيَامَة وَلما يسْجد بَين يَدي ربه عَزَّ وَجَل للشفاعة، وَيُؤْذَن لَهُ فِيهَا يحمد ربه بِمَحَامِد يفتحها عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ صَاحب الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي يَغبطهُ بِهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ؛ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79 ].

 

وَإِذا قَامَ صلى الله عليه وسلم فِي الْمقَامِ يوم القيامة حَمدهُ حِينَئِذٍ أهْلُ الْموقف كلهم مُسلِمهم وكافرهم، أَوَّلهمْ وَآخِرهُمْ؛ (جلاء الأفهام - لابن القيم - صـ178).

 

معنى الصـلاة على النـبي صلى الله عليه وسلم:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

 

♦ قَالَ أَبُو العَالِيَةِ (رَحِمَهُ اللهُ): صَلاَةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلاَئِكَةِ، وَصَلاَةُ المَلاَئِكَةِ الدُّعَاءُ؛ (الملائكةُ تطلبُ مِنَ اللَّه الزيادة مِن ثنائه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم).

 

♦ قَالَ عَبْدُ الله بْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا): يُصَلُّونَ: يُبَرِّكُونَ (أي يَدعون له بالبركة)؛ (البخاري - كتاب التفسير - باب 10).

 

♦ قَالَ الْحَلِيمِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): مَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: تَعْظِيمُهُ، فَمَعْنَى قَوْلِنَا: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ)؛أيْ: عَظِّمْ مُحَمَّدًا، وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ، وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِإِجْزَالِ مَثُوبَتِهِ وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ، وَإِبْدَاءِ فَضِيلَتِهِ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ؛ (فتح الباري للعسقلاني جـ11 صـ 16).

 

♦ قال الإمَامُ ابنُ حَجَر العسقلاني (رَحِمَهُ اللهُ): مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ طَلَبُ ذَلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ طَلَبُ الزِّيَادَةِ لَا طَلَبُ أَصْلِ الصَّلَاةِ؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - جـ11 - صـ 16).

 

قال الإمَامُ ابنُ القيم (رَحِمَهُ اللهُ): معنى صلاة اللَّه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم، والعناية به، وإظهار شرفه، وفضله وحرمته، وصلاتنا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: تعني أننا نطلب مِنَ اللَّه الزيادة في ثنائه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلموإظهار فضله وشرفه وتكريمه وتقريبه له؛ (جلاء الأفهام - صـ261).

 

معنى التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم:

التسليم: معناه السلام الذي هو اسْمٌ مِن أسماء اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومعنى التسليم أيضًا: لا خَلَوتَ يا محمد مِنَ الخيرات والبركات، وَسَلِمتَ مِنَ المكاره والآفات والنقائص، فعندما نقول: اللَّهُمَّ سَلِّم على محمد، فإنها تعني: اللَّهُمَّ اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة مِن كل نقص، فيزداد على مَرِّ الأيام عُلوًا، وأمته تكاثرًا، وذِكْره ارتفاعًا؛ (فضل الصلاة على النبي - عبد المحسن العباد - صــ88).

 

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وصية رب العالمين:

♦ قال اللَّهُ تَعَالَى في كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

 

 قال الإمامُ ابنُ كثير(رَحِمَهُ اللهُ): الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ عِنْدَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، بِأَنَّهُ يُثْنِي عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى أَهْلَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، لِيَجْتَمِعَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَالَمِينَ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ جَمِيعًا؛ (تفسير ابن كثير جـ3 - صـ514).

 

حُكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم بالغ عاقل، مرة واحدة في العُمُر، ومَا عدا ذلك فهي سُنَّةٌ مُستحبةٌ؛ (الشفا - للقاضي عياض - جـ2 - صـ62).

 

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

جَاءَ في فَضْلِ الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، سوف نذكر بعضًا منها:

(1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا»؛ (مسلم حديث 408).

 

♦ قَوْلُهُ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا».

 

 قَالَ الْقَاضِي عِياض (رَحِمَهُ اللهُ): مَعْنَاهُ رَحْمَتُهُ وَتَضْعِيفُ أَجْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَى وَجْهِهَا وَظَاهِرِهَا تَشْرِيفًا لَهُ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأ خَيْرٍ مِنْهُمْ؛ (مسلم بشرح النووي - جـ2ـ صـ363).

 

(2) روى النَّسَائيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ؛ (حديث صحيح)، (صحيح النسائي - للألباني - جـ1 - صـ415).

 

(3) روى النَّسَائيُّ عَن عَبْدِ اللهِ بن مسعود أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ؛ (حديث صحيح)، (صحيح النسائي للألباني - جـ1 - صـ410).

 

(4) روى أبو داود عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:صلى الله عليه وسلم:  «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ يَقُولُونَ بَلِيتَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ»؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني - حديث 925).

 

(5) روى الطبرانيُّ عَنْ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» ، (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني - حديث: 3164).

 

(6) روى الطبراني عَن أبي الدرداء أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، (حديث حسن)، (صحيح الجامع للألباني - حديث 6357).

 

(7) روى أحمدٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْطُبُ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ؛ (حديث حسن لغيره)، (مسند أحمد جـ24 - صـ451 - حديث: 15680).

 

(8) روى الترمذيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْب قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ» ، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» ، قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»؛ (حديث حسن)، (صحيح الترمذي للألباني - حديث 1999).

 

♦ قال الإمَامُ المنذري (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْله: (فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي) مَعْنَاهُ: إني أكثرُ الدُّعَاء، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِن دعائي صَلَاةً عَلَيْك؟ (الترغيب والترهيب للمنذري جـ2 - صـ389 ).

 

♦ قال المباركفوري (رَحِمَهُ اللهُ): (أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا)؛ أَيْ: أَصْرِفُ بِصَلَاتِي عَلَيْكَ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْتُ أَدْعُو فِيهِ لِنَفْسِي، قوله: (قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ)؛ يَعْنِي إِذَا صَرَفْتَ جَمِيعَ أَزْمَانِ دُعَائِكَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ أُعْطِيتَ خَيْريْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ (تحفة الأحوذي جـ7 - صـ130).

 

(9) روى أحمدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَتَانِي فَبَشَّرَنِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرًا؛ (حديث حسن لغيره)، (مسند أحمد - جـ3ـ صـ201 - حديث: 1664).

 

(10) روى الترمذيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 403).

 

التحذير من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عمدًا:

(1) روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني - حديث 2870).

 

♦ قَوْلُهُ: (رَغِمَ أَنْفُ): أيْ: لَصِقَ أَنْفُهُ بِالتُّرَابِ ذُلًا وهَوَانًا.

 

(2) روى الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني - حديث 2811).

 

(3) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني - حديث 2691).

 

صفة الصـلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

سَوْفَ نَـذْكُرُ بعضَ صِيغ الصلاة على نبينا محمد، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(1) روى الشيخانِ عَن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»؛ (البخاري - حديث 6357 / مسلم - حديث 406 ).

 

(2) روى الشيخانِ عَنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»؛ (البخاري - حديث 2369/ مسلم - حديث 407).

 

(3) روى النَّسَائيُّ عَن زيد بن خارجة أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلُّوا عَلَيَّ وَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، وَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»؛ (حديث صحيح) (صحيح النسائي للألباني جـ1ـ صـ414).

 

أوقات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

ذَكَرَ العُلماءُ أوقاتًا وأحوالًا يُستحبُ عندها أن نصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونستطيعُ أن نُوجِزها في الأمور التالية:

1) بعد ترديد نداء المؤذن للصلوات المفروضة.

2) عند دخول المسجد والخروج منه.

3) بعد التشهد الأخير في الصلاة.

4) عَقب دعاء القنوت.

5) في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.

6) قبل الدعاء وبعده على الإطلاق.

7) يوم الجمعة.

8) عند خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها.

9) عند ذِكْر اسمه صلى الله عليه وسلم أو كتابته.

10) عند قَوْل أذكار الصباح والمساء.

11) عند ختام المجلس.

12) عند بداية إلقاء دروس العِلْم وختامها.

13) بَيْنَ التكبيرات أثناء صلاة العيدين؛ (الشفا للقاضي عياض جـ2 صـ66: 72)، (جلاء الأفهام لابن القيم صـ463: 611).

 

ثـمرات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

نستطيعُ أن نُوجزَ ثمرات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور التالية:

1) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم امتثالٌ لأمر اللَّه تعالى في القرآن الكريم.

2) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سببٌ الحسنات ورفع الدرجات ومحو السيئات.

3) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سببٌ شفاعته يوم القيامة لمن يصلي عليه.

4) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سببٌ لقرب المسلم من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

5) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سببٌ لصلاة اللَّه والملائكة على المسلم.

6) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سببٌ لإجابة الدعاء.

7) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سببٌ لمغفرة الذنوب وجلاء الهموم.

8) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سببٌ لطيب المجلس.

9) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنفي عن قائلها صفة البخل.

10) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سببٌ لدوام محبة قائلها للنبي صلى الله عليه وسلم وزيادتها.

11) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، متضمنةٌ لِذِكْر اللَّهِ وشُكْره، ومَعرفة نِعمه على عِباده بإرساله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهداية الناس.

12) الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سببٌ للبركة في ذات المصلي وعُمُره وعمله وأسباب مصالحه؛ (جلاء الأفهام لابن القيم - صـ612: 626).

 

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].

 

كما أسأله سُبْحَانَهُ أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرامِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

___________________________________________________

الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق