شكر النعم ونعمة المركبات والسيارات
عبد الله بن جار الله الجار الله
قد كثرت الخيرات وازدادت البركات، وأغدقت النعم ظاهرةً وباطنةً، وفتحت أبوابها وتنوَّعت أسبابها: مأكل ومشرب، وملبس ومركب، ومسكن وآلات، وعلوم وأدوات، عافية في الأبدان، وأمن وأمان في الأوطان...
- التصنيفات: الذكر والدعاء -
إنَّ الشكر نصف الإيمان، والصبر نصفه الثاني، وإن المؤمن يعيش شاكرًا لأنعم الله، ويحيا صابرًا على أقدار الله؛ حيث يبدأ يومه مُقِرًّا بنعم الله عليه، ومُعْترفًا بفضله الذي أسداه إليه بقوله: اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ، أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد، ولك الشكر،ويختم يومه بذلك.
فشكر الله على نعمه - التي لا تعدُّ ولا تُحصى - من أوجب الواجبات، فقد قرنه الله - سبحانه - بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا له، وآمنوا به؛ {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ} [النساء: 147].
والشكر عبادةٌ عظيمةٌ ومنحةٌ ربانيَّةٌ كريمةٌ، يهبها الله - عز وجل - لعباده المسلمين، ويجمِّل بها أولياءه المخلصين.
وحقيقة الشكر: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبَّةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعةً، وقد قسَّم الله - تعالى - الناس إلى شكورٍ وكفورٍ؛ {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3].
فتأمَّلوا - يا رعاكم الله - ثمّ انظروا إلى ما نحن فيه من نعم الله - عز وجل - التي لا تعدُّ ولا تُحصى؛ فقد كثرت الخيرات وازدادت البركات، وأغدقت النعم ظاهرةً وباطنةً، وفتحت أبوابها وتنوَّعت أسبابها: مأكل ومشرب، وملبس ومركب، ومسكن وآلات، وعلوم وأدوات، عافية في الأبدان، وأمن وأمان في الأوطان، نعم من فوقنا ومن تحت أرجلنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، وصدق الله إذ يقول: {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
فكلوا من رزق ربكم، واشكروا له، يُدم لكم النعمة، ويهيِّئ أسبابها، ولا يحرمكم أجرها وثوابها، قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إن النعمة موصولةٌ بالشكر، والشكر يتعلَّق بالمزيد، ، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد.
معشر المؤمنين:
إن المحافظة على النعمة تستلزم دوام شكرها، وكثرة ذكرها؛ تحدثًا بفضل الله وإظهارًا لمزيده، كما تستلزم البعد عن مزيلات النعم، وجالبات النِّقم من نسبة الإنعام إلى غير باذله، والفضل إلى غير أهله، كما فعل قارون حينما نسب نعمة الله عليه إلى نفسه، فقال بغرور: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]. فكان ذلك سببًا في زوال النعمة، وحلول النقمة، فخسف الله به وبداره الأرض.
ومن أسباب دوام النعمة: التحدُّث بها على وجه الاعتراف والإقرار، لا على سبيل الغرور والافتخار؛ {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].
وكم من قريةٍ أغدق الله عليها من فضله، وأسبغ عليها من نعمه، فلمَّا كفرت بأنعمه، أذهبها الله، وأذاقها لباس الجوع والخوف، وأتى بقومٍ آخرين! وقد ضرب الله - تعالى - لذلك مثلاً: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** َإِنَّ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَــهِ *** فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَــــمْ
أيها المسلمون:
وممّا يصون النعم ويدرأ النقم: أن يرى المرء عظيم نعم الله عليه، وألا ينظر إليها بازدراءٍ واحتقارٍ مهما كانت قليلةً، وهذا ما أرشدنا إليه رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم»، هذا في أمر الدنيا، أما في أمر الآخرة، فكان منهجه - عليه الصلاة والسلام - ما بيَّنته لنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حيث قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»؛ (متفقٌ عليه).
لقد رسخ في قلوب المؤمنين وعقولهم أن أعظم الشكر الإيمان بالله - عز وجل - وأداء فرائضه وواجباته، والبعد عن محرَّماته، فإذا امتلأ القلب بذلك، ظهر على اللسان والجوارح، فكان العبد شاكرًا بقلبه ولسانه وسائر جوارحه، وإن من النعم التي تستوجب الشكر وتستحقُّ الذكر نعمة وسائل النقل الحديثة من سيارات وغيرها، والتي امتن الله بها على أهل هذا الزمان، تنقلهم وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، فحق هذه النعمة أن تشكر، وأن تُسخَّر في طاعة الله - تعالى - ونَفْع عباده؛ فإن من الناس من أساء استعمال هذه المراكب، فسخَّرها في إلحاق الضرر بنفسه أو بغيره، فلم يحسن التصرُّف فيها، فمنهم من يقود هذه السيارات والمراكب بسرعة فائقة، ومنهم من يقودها وهو جاهل بقواعد القيادة، ومنهم من يقودها وهو مفرط بأسباب السلامة، ومنهم من يقود هذه السيارات من غير مراعاة لأنظمة المرور والسير التي وضعت للمصلحة العامة، غير مبال بأرواح الناس وممتلكاتهم، تهوُّر واستهتار، طيش وخبال، ولما كانت هذه حال كثير ممن يقود السيارات، كانت النتيجة مآسي فادحة، وفواجع متواصلة، وحوادث مُروِّعة، ذهب بسببها كثير من الأنفس والأموال، فاتقوا الله عباد الله، وارعوا هذه النعمة حقَّ رعايتها، خذوا أسباب النجاة من مخاطر هذه السيارات ومهالكها، واعلموا أن أهم الأسباب التي تقي أخطار هذه المراكب تَعلُّم أنظمة السير والمرور، والالتزام بها تَعبُّدًا لله، وتحقيقًا لمصلحة العباد والبلاد؛ فإن في ذلك خيرًا عظيمًا من حفظٍ للأنفس والأموال وتوقٍّ للأخطار.
هذا، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال - جل وعلا -: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. وقال - عليه الصلاة والسلام -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً، صلى الله عليه بها عشرًا».
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، يا رب العالمين.