الترف وهلاك الأمم
إيمان الخولي
ليس بكثرة المال والولد يتقرب العبد إلى الله إنما بالعمل الصالح وتقوى الله فى المال والولد
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
إن انبهار الناس بمظاهر الترف لدى بعض الأشخاص أو فى بعض الأماكن وارتباط الترف عندهم أنه مظهر حضارة ورقى الأمم وقد ساهم الإعلام فى إظهارالمجتمع أنهم منعمون بشتى صنوف النعم يعيشون حياة العبث واللهو ينفقون أموالهم بدون حساب وهذا على عكس الحقيقة فيقتل النخوة فى الشباب فتجد هم يسعون جاهدين أن تكون حياتهم كأبطال هذه الأفلام فى ترف ولهو وإلا يأس من الحياة وأقدم على الانتحار وهذه صناعة الشاب الخاوى داخليا من الإيمان بالله لا يعلم هدفه وأن عليه أن يسعى فى الحياة وأن سعيه يراه الله ويأجره عليه .
قد يقول البعض أن هناك أغنياء ويؤدون حق الله عليهم نعم هناك أغنياء أتقياء لا ليس هؤلاء من نتحدث عنهم إنما نتحدث عن الترف الذى يقسى القلب و ينسى الآخرة عن قوم نشأوا منعمين مال وخدم وراحة حتى تكاسلت نفوسهم وظنت أن ما هم فيه نعيم لا يفنى فرتعت أنفسهم فى الفسوق والمعاصى وهتكت القيم والمبادىء وفُتن بهم عامة الناس فنقموا على حياتهم فإن لم يُأخذ على أيديهم نشروا الفواحش ورخصوا القيم فتضعف الأمة وتميل إلى الدعة والاسترخاء فيحل عليها العذاب لأن الأصل أن الإنسان خليفة فى الأرض مكلف لم يُخلق للكسل والاسترخاء وهذا ما بينته الآيات من عاقبة الترف إذ يقول تعالى { {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} } [الإسراء:16].
أمرهم بالطاعة و بحق الله فى أموالهم فأبوا إلا المعصية والطغيان والسؤال هنا لماذا يهلك قرية بأكملها بمعاصى فئة منها ؟ ذلك لأن أهل القرية لم يأخذوا على أيدى المترفين فيكفوهم عن طغيانهم ويذكروهم بنعم الله عليهم بل ونجد من يفتن بهم فمنهم من نقم على حياته ومنهم من سرق ونهب حتى يعيش مثلهم فاستحقوا جميعا العذاب إذ يقول تعالى :" {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ[117]} "فوجود المصلحين دليل على خيرية الأمة ولنتأمل الأمم السابقة كيف كانت النجاة للمصلحين والهلاك لهؤلاء المترفين أنظر إلى قصة قوم ثمود الذين كانوا ينتحتون من الجبال بيوتاً ليست للسكنى إنما للترف والرفاهية إذ يقول تعالى :" {إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَٰالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ (143) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)} ......... {وَتَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا فَٰرِهِينَ (149) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوٓاْ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ (151) ٱلَّذِينَ يُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ (152)} " [سورة الشعراء ] ذكرهم بنعم الله عليهم أتظنون أنكم مخلدون فى النعم والرخاء وأنكم غير محاسبين عليه كما نهاهم عن طاعة من أسرفوا على أنفسهم ووصفهم أنهم مفسدون لأن حياة السرف والترف تفسد الفطرة وتغلظ القلب فلا تجد الهداية سبيلاً إلى قلوبهم و لا تخلق أمة قوية تتصدى لأعدائها وإنها لسنة الله التى لن تتبدل مهما اختلف المكان والزمان كما قال الله تعالى :" {وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ (34) وَقَالُواْ نَحۡنُ أَكۡثَرُ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ 35 } "يركنون فى ذلك إلى أموالهم وأولادهم ويظنون أن بسط الرزق علامة رضى من الله عليهم إنما هى مبررات المترفين فى عدم التصديق بالله فهم مغيبون عن حكمة الله فى العطاء والمنع فقد تفتح الدنيا لأهل الباطل والفساد فيزدادوا إثما ويكون مصيرهم إلى النار وتُغلق أمام أهل الخير والصلاح ليبتلى صبرهم وثقتهم بأقدار الله ويقينهم بما يدخره الله لهم من الثواب والخير ويفتن بعض الناس ويقولوا يا ليت لنا مثل ما للمترفين ولا يعلمون أنه استدراج من الله لهذه الفئة وأنهم مختبرون فى أموالهم وأولادهم المقاييس عند الله مختلفة إذ يقول تعالى :" { قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (36)} وليس بكثرة المال والولد يتقرب العبد إلى الله إنما بالعمل الصالح وتقوى الله فى المال والولد
إذ يقول تعالى :" { وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} " [سورة سبأ 37]
ومنهم من يجد المبررات التى يبرر بها بعده عن الله وكفره بنعمة الله أنه يقتدى بآبائه وأجداده تلك الحجة التى يقولها الناس إلى الآن عندما تواجههم بأنهم على باطل تجدهم يتحججون بعادات وتقاليد المجتمع عجبا لأناس يؤمنون بقانون بشر مثلهم ويكفرون بخالقهم وموجدهم من عدم يدعوهم للتحرر من عبودية العبيد لعبودية رب العبيد ويأبون إلا الذل والمهانة .
أين كسرى وقيصر الآن ! وقد غرقوا إلى أذقانهم فى الترف والملذات حتى إن العرب عندما فتحوا هذه البلاد وصفوا بساط كسرى يقول بن كثير :كان مربعا ستون زرعاً في مثلها من كل جانب وهو منسوج بالذهب واللآليء والجواهر المثمنة وفيه مصور جميع ممالك كسري ، بلاده بأنهارها وقلاعها وأقاليمها وكنوزها وصفة الزروع والأشجار التي في بلاده
ونحن نعلم أن من أسباب سقوط الأندلس هو الانغماس فى حياة الترف والبذخ والتكالب على المال والتسابق على بناء القصور وتزيين المدن بالتماثيل والاهتمام بأدوات المعازف والغناء فكانت هذه هى السمة الغالبة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتى كانت سبباً فى قيام فتن مزقت الأندلس إلى اثنتين وعشرين ولاية كل ذلك كان منشأه حياة الترف والاهتمام بالمظاهر والإنفاق على مجالس اللهو و والغناء وهذا نفسه الذى حدث مع الدولة العباسية عندما انهارت داخليا فكانت لقمة سائغة للتتاركأنها سنة فى إهلاك الأمم تجاوز الحد والإسراف فى الملهيات حق فيهم قول الله عزوجل
" { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)} " إن الرخاء ابتلاء كما أن الشدة ابتلاء يفتح عليهم ابواب الرزق والنعيم حتى إذا استغرقوا فيها نسوا الآخرة وتركوا الجهاد فى سبيل الله وانحصرت اهتماماتهم فى الملذات وطال عليهم الأمد بلا شكر ولا تقرب إلى الله أخذهم الله على غرة فإذا هم مهلكون
إن الإسلام يربى المسلم على الإنفاق فى سبيل الله وعدم الاستئثار بالثروات وتحويلها إلى أداة سيطرة وإفساد فى الأرض يستبد بها المترفون لذلك نجد آيات كثيرة تنهى عن الإسراف فى المعيشه الذى هو أو مظاهر الترف المفسد إذ يقول تعالى :" {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} " [ سورة الأعراف] وأمر بنى اسرائيل بالاعتدال فى الأكل من الطيبات :" {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ}[ طه: 81] تخيل أن الإسراف فى المأكل والمشرب يؤدى إلى غضب المولى عزوجل فما بالك بما هو أكثر من ذلك فالأرزق ليس مأكل ومشرب فقط إنما الأخلاق والأموال أيضا رزق فكيف إذا تجاوز فيهما الحد سنعيش فى غابة يأكل القوى فيها الضعيف
وكان من الصحابة من يستطيع أن يحيا حياة المترفين ولكن كانوا أعلم الناس بحقيقة الحياة الدنيا وأنها إلى زوال وأنهم كانوا يدخرون طيباتهم للآخرة علي عكس من اسرف فى غير حق وكفر بنعمة الله ينادون يوم القيامة :" {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ (20)} " [ سورة الاحقاف]
فعلى الشباب أن يعى أن المال نعمة يجب المحافظة عليها وعدم الإسراف فى إنفاقها تصرف فيما يحتاجه لا فى ما لاطائلة منه سوى الفخر والخيلاء على سبيل المثال لنجد الكثير من الأسر تُرهق ماديا فى تجهيز فتياتها بأشياء قد لا تستعملها أصلا إنما لمجرد الفخر على فتيات الحى أو القرية أن عندها كذا وكذا فتؤثر على ميزانية الأسرة وتدخل فى دوامة الاقتراض والديون وحدث ولا حرج عن حفلات الأفراح وما فيها من بذخ للتباهى فقط فعلى المربين أن يعملوا على تقوية العزيمة و الإرادة لدى الشباب فى مواجهه الأهواء والشهوات الجامحة ويعلم أن المعصية تذل صاحبها وأن الراحة لا تدرك بالراحة والنعيم لا يدرك بالنعيم فكان النبى يتعوذ من العجز والكسل فعلى الشباب أن يعتبروا بسير الأمم السابقة وما حدث لهم وأن الترف ليس دليل تقدم إنما إنذار ومؤشر هلاك للأمم