حديث: ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء...

قال رسول الله - ﷺ - قال: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا».

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها - فقه الصلاة -

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا»؛ (متفق عليه) .

 

في ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺃﻥ الإﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ؛ ﺃﻱ: ﻓﻜﺄﻧﻪ ﻗﺎﻡ ﻳﺼﻠﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ، ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻧﺼﻒ ﺍﻟﻠﻴﻞ، ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ ﻧﺼﻒ ﺍﻟﻠﻴﻞ، ﻭﻫﺬﺍ ﻓﻀﻞ ﻋﻈﻴﻢ؛ ﻳﻌﻨﻲ: ﻛﺄﻧﻚ ﻗﺎﺋﻢ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ - ﻭﺃﻧﺖ ﻓﻲ ﻓﺮﺍﺷﻚ - ﺇﺫﺍ ﺻﻠﻴﺖ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ.

 

((وﻟﻮ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ)) ﻣﻦ الأﺟﺮ ﻭﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ((لأﺗﻮﻫﻤﺎ)) ﻳﺤﺒﻮﻥ ﻋﻠﻰ الأﺭﺽ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺒﻮ ﺍﻟﺼﺒﻲ؛ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ الأﺟﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، وإﻥ ﺃﺛﻘﻞ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ؛ لأﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻳﺼﻠﻮﻥ ﺭﻳﺎءً ﻭﺳﻤﻌة، ﻭﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ وقت ﻇﻠﻤﺔ لا ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ، ﻓﻬﻢ ﻳﺄﺗﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﻛﺮﻫًﺎ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻈﻬﺮ ﻭﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻳﺄﺗﻮﻥ؛ لأﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻧﻬﻢ، ﻓﻬﻢ ﻳﺮﺍؤﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ولا ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺇلا ﻗﻠﻴﻼً، ﻭﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﺮﺍﺀﺍﺓ؛ لأﻧﻬﺎ وقت ﻇﻠﻤﺔ، ﻭﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﻨﺒﻲ - صلى الله عليه وسلم - ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻮﺟﺪ ﺃﻧﻮﺍﺭ ولا ﺳﺮﺝ، ﻓﻼ ﻳﺸﺎﻫﺪﻫﻢ ﺃﺣﺪ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺣﻀﻮﺭﻫﻢ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ ﺛﻘﻴﻼً ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﻔﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺀﺍﺓ، ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ، ﻭﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺁﺧﺮ ﺃﻥ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﻨﻮﻡ؛ ﻓﻔﻲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ - صلى الله عليه وسلم - ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ لا ﻳﺴﻬﺮﻭﻥ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻬﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻳﻨﺎﻣﻮﻥ ﻣﺒﻜﺮﻳﻦ ﺑﻌﺪ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ، ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻤﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻴﺎﻡ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻡ ﻟﺼﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ؛ ﻓﻬﻤﺎ ﺛﻘﻴﻠﺘﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻺ‌ﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ، ﻟﻜﻦ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺼﺮ؛ ﻓﺼﻼﺓ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺃﻓﻀﻞ؛ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺻﺎﺭﺕ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﻟﻠﻌﺼﺮ ﻭﻗﺮﻳﻨﺔ ﻟﻠﻌﺸﺎﺀ، ﻓﻬﻲ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﻟﻠﻌﺼﺮ ﻛﻤﺎ قال: «ﻣﻦ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﺒﺮﺩﻳﻦ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ»، ﻭﻗﺎﻝ - صلى الله عليه وسلم -: «ﺇﻧﻜﻢ ﺳﺘﺮﻭﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻭﻥ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺒﺪﺭ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﺘﻄﻌﺘﻢ ﺃلا ﺗﻐﻠﺒﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺻﻼﺓ ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮﻉ ﺍﻟﺸﻤﺲ -ﺍﻟﻔﺠﺮ- ﻭﺻﻼﺓ ﻗﺒﻞ ﻏﺮﻭﺑﻬﺎ -ﺍﻟﻌﺼﺮ- ﻓﺎﻓﻌﻠﻮﺍ».

 

ﻭﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﺃﻳﻀًﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘﻤﻌﺘﺎ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﻗﺎﻡ الإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺃﻳﻀًﺎ ﻟﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺠﺮ لأﺗﻮﻫﻤﺎ ﻭﻟﻮ ﺣﺒﻮﺍ؛ ﻓﺎﺣﺮصوا ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ، ﻛونوا محافظين ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ - ﻋﺰ ﻭﺟﻞ - ﻳﻘﻮﻝ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1 - 11]، ﻓﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ الأﻭﺻﺎﻑ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪﺓ ﻭﻓﻲ ﺁﺧﺮﻫـﺎ، ﻭﻗﺎﻝ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺝ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 19 - 23]، ﻭﻓﻲ ﺁﺧﺮ الأﻭﺻﺎﻑ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪﺓ ﻗﺎﻝ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34]، وبهذاﻳﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﺃﻋﻈﻢ الأﻋﻤﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺃﻥ لا ﺇﻟﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪﺍ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﺟﻌﻠﻨﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺇﻳﺎﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻘﻴﻤﻲ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻣﺆﺗﻲ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ، ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﺍﺀ ﻓﺮﺍﺋﺾ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺏ ﻣﺤﺎﺭﻣﻪ، والله أعلم.