وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً
محمد سيد حسين عبد الواحد
مواضع العظة والاعتبار في القرآن الكريم كثيرة منها ( قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) وفيها يقول رب العالمين سبحانه وتعالى { لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ }
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
أيها الإخوة الكرام: أن مواضع العظة والاعتبار في القرآن الكريم كثيرة منها ( قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) وفيها يقول رب العالمين سبحانه وتعالى { لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ }
ومنها ( قصص الأمم من قبلنا) وفيها يقول رب العالمين ﴿ {إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} ﴾
ومنها ( بدائع صنع الله تعالى في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار..) وفيها يقول رب العالمين ﴿ { إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَءَايَٰتٍ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ } ﴾
ومنها اختلاف ألوان الناس واختلاف اللهجات وفيها يقول رب العالمين سبحانه ﴿ {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْعَٰلِمِينَ } ﴾
ولأن مواضع العظة والاعتبار في القرآن الكريم كثيرة فحسبنا في يومنا هذا أن نقف مع موضع واحد منها تحت عنوان يقول فيه رب العالمين سبحانه وتعالى ﴿ {وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ } ﴾
﴿ { وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ} ﴾(بعض آية) من سورة النحل ..
﴿ { وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ } ﴾ هي ( بعض آية أخرى) من سورة المؤمنون..
جعل الله تعالى في خلق الأنعام آية من آياته ب( قوتها وجمالها وتسخيرها للإنسان يركب ظهرها ويحمل أثقاله عليها ويسافر بها ويأكل لحم بعضها ثم إنها فوق ذلك هي زينة من زينة الحياة الدنيا قال الله تعالى ﴿ { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ ٱلْمَـَٔابِ} ﴾
خلق الله بقدرته الملائكة من نور وماء، وخلق الجان من نار وماء، وخلق الإنسان من تراب وماء، إذ أن أول ما خلق الله تعالى من هذا العالم ( الماء)، ثم خلق من ( الماء) كل شيء قال الله تعالى ﴿ { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ ۖ } ﴾
فاشترك الماء في خلقة كل ( حي)، وانفرد الماء في خلق الأنعام، فلم يشترك معه نور، ولا نار، ولا تراب، فلم تخلق الأنعام إلا من ماء فقط قال الله تعالى ﴿ {وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِۦ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰٓ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} ﴾
ملحوظة: قيل إن الأنعام خلقت من تراب، وقيل خلقت في الجنة ثم أنزلت إلى الأرض ( وأدلة ذلك ليست بالقوية)
ثم إن الله تعالى جعل في خلق الأنعام ويقصد بالأنعام هنا ( الإبل والبقر والغنم) فقد جعل الله في خلقها آية من آياته الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته سبحانه وتعالى..
وكما أن من سور القرآن الكريم سورة ( الجن)، ومنه سورة ( الإنسان)، ومنه سورة ( النحل)، ومنه سورة ( النمل)، ومنه سورة ( العنكبوت) ومنه سورة البقرة، منه أيضا سورة ( الأنعام)..
فمن أبرز سور القرآن الكريم سورة ( الأنعام) الموضوع الأبرز في سورة ( الأنعام) هو الحديث عن ( الأنعام) ما يؤكل منها وما لا يؤكل، وما يحل منها وما يحرم، وما يحمل عليه منها وما لا يحمل عليه وهكذا..
﴿ { ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ ۖ مِّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ ۗ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلْأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۖ نَبِّـُٔونِى بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ} ﴾ ﴿ {وَمِنَ ٱلْإِبِلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ ۗ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلْأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ} ﴾
قال ابن عباس : نزلت سورة الأنعام بمكة، نزلت ليلا، نزلت جملة واحدة على النبي صلى الله عليه وسلّم، ونزل حولها سبعون ألف ملك يشيعونها ويجأرون حولها بالتسبيح والتحميد لله رب العالمين..
وعن أسماء بنت يزيد، قالت: نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، وأنا آخذة بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، إن كادت السورة من ثقلها لتكسر عظام الناقة..
وعن جابر، قال: لما نزلت سورة الأنعام، سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال «لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق»
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سورة الأنعام من نجائب القرآن .
وعن كعب ، قال : فاتحة " التوراة " فاتحة الأنعام وخاتمتها خاتمة " هود " .
الأنعام آية من آيات الله تعالى، فهى عظيمة الخلقة، قوية البنيان، واسعة الصبر، كثيرة المنافع ﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ ثم إن الله تعالى سخرها وذللها وطوعها لخدمة الإنسان ، حتى ترى الصبي يقود الجمل العظيم، ويضربه، ويصرفه كيف شاء، لا يخرج الجمل من طاعته، وتلك آية من آيات الله تعالى..
﴿ { وَٱلْأَنْعَٰمَ خَلَقَهَا ۗ لكم فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ﴾ ﴿ {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} ﴾ ﴿ {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا۟ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ﴾ ﴿ {وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ﴾﴿ {وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ۚ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ} ﴾
جعل الله كل ما في الأنعام نافع، فظهرها نافع، ولحمها نافع، وعظمها نافع، وروثها نافع، ولبنها نافع، وقرنها نافع وشعرها وصوفها نافع ووبرها نافع، قال الله تعالى ﴿ { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلْأَنْعَٰمِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَٰثًا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٍ } ﴾
شرع الله تعالى عند ذبح الأنعام أن نذكره، وعند الأكل من لحومها أن نسمي باسمه، وعند ركوبها أن نسبح بحمده، قال الله تعالى ﴿ {فَكُلُوا۟ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِـَٔايَٰتِهِۦ مُؤْمِنِينَ} ﴾
وقال عز من قائل ﴿ { وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْأَزْوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلْأَنْعَٰمِ مَا تَرْكَبُونَ} ﴾ ﴿ {لِتَسْتَوُۥا۟ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا۟ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقْرِنِينَ} ﴾ ﴿ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ﴾
ومن الأنعام ما يؤكل لحمه، لكن لا يركب ظهره، وما لم يخلق ليحمل عليه إنما خلق ليحرث الأرض ويسقي الزرع فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : " « بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، قَالَتْ : إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحِرَاثَةِ ".فَقَالَ النَّاسُ : سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : " فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا، أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.. »
ومن مواضع العظمة في خلق الأنعام، ومن دلائل القدرة المطلقة لله رب العالمين، ومن مواضع العظات والاعتبار، ما جعله الله من المنافع في خروج اللبن الأبيض الخالص السائغ للشاربين من بين فرث الأنعام ومن بين دمائها، يخرج أبيض خالصا ليس فيه لون الدم ولا رائحة الفرث، آية من الآيات الدالة على عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى..
قال الله تعالى في سورة النحل ﴿ { وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِّلشَّٰرِبِينَ} ﴾
وقال عز من قائل في سورة المؤمنون ﴿ {وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ﴾
اللبن نعمة في الدنيا، وخروجه من بطون الأنعام آية من آيات الله الدالة على قدرته وعظمته وبديع صنعته، ثم إن اللبن صنف من نعيم الدنيا..
فعند أبي داود وغيره من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
« كُنْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.. فَجَاءُوا بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ عَلَى ثُمَامَتَيْنِ، فَتَبَزَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَقَالَ خَالِدٌ : إِخَالُكَ تَقْذَرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : " أَجَلْ ". ثُمَّ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذَا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ »
ومن صور النعيم في الآخرة جريان أنهار اللبن في الجنة ( نسأل الله الكريم من فضله) قال الله تعالى ﴿ {مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَآ أَنْهَٰرٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَٰرٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُۥ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ } ﴾
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسبغ علينا نعمه إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن آية الله تعالى في خلق الأنعام، وفي عظمتها وقوتها وفي منافعها وتسخيرها وتذليلها لمصالح الإنسان بقى لنا أن نقول:
إن على العاقل أن يتفكر ويتدبر ثم عليه أن يتعظ ويعتبر..
فالنظر والتأمل والتفكر في خلق هذه الأنعام وما أودع الله تعالى فيها من المنافع العجيبة الفريدة لهو سبب من أسباب الإيمان ولهو سبب من أسباب الخشية لله رب العالمين..
قال الله تعالى ﴿ {وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ } ﴾ قالها في النحل وأكد عليها فقالها في المؤمنون..
وإنها لداع قوي إلى أن يتحرك المؤمن بقلبه وجوارحه شكراً لله رب العالمين..
هذا من فضل ربنا ليبلونا أنشكر أم نكفر ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربنا غني كريم وفي التنزيل الحكيم ﴿ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ} ﴾
ومن أجمل ما قرأت في باب ( شكر النعمة يأتي بالزيادة) ما ورد عند الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِلٌ، فَأَمَرَ لَهُ النبي بِتَمْرَةٍ، فَلَمْ يَأْخُذْهَا السائل ، أَوْ أخذها ووَحَّشَ بِهَا. يعني رماها- قَالَ أنس : وَأَتَاهُ سائل آخَرُ فَأَمَرَ لَهُ النبي بِتَمْرَةٍ. : فَقَالَ السائل : سُبْحَانَ اللَّهِ، تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!! فَقَالَ النبي لِلْجَارِيَةِ : " اذْهَبِي به إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَعْطِيهِ الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا الَّتِي عِنْدَهَا» ".
شكر السائل وفرح أن أنعم عليه الرسول صلي الله عليه وسلم فأعطاه تمرة، وقال كهيئة المدهوش المسرور (تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!) فزاده رسول الله عطاء وساق الله إليه أربعين درهما لم تكن في حسبانه..
هذه الوقعة أحسبها تطبيقا عمليا لهذه الآية ﴿ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} ۖ ﴾
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوسع أرزاقنا وأن يبارك حياتنا وأن يصلح أحوالنا إنه على كل شيء قدير..