اتباع الهوى وتحريف النصوص

محمود الدوسري

لم تجتمع المبتدعةُ على شيء مثل اجتماعها على الانقياد للهوى وإيثاره على النصوص الشرعية حتى أصبح ذلك شعارهم ودثارهم...

  • التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب - العقيدة الإسلامية -
اتباع الهوى وتحريف النصوص

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

لم تجتمع المبتدعةُ على شيء مثل اجتماعها على الانقياد للهوى وإيثاره على النصوص الشرعية؛ حتى أصبح ذلك شعارهم ودثارهم، فهجروا السُّنة وألِفوا البُعدَ عن الحق، والابتداعَ في الدِّين، والتَّطاولَ على نصوص الكتاب والسنة؛ بالهوى والبهتان والكذب والتحريف، فقد (ردَّ القدريةُ النصوصَ الصريحة المحكمة في قدرة الله على خلقه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن... وردَّ الجبريةُ النصوصَ المُحكمة في إثبات كون العبد قادراً مُختاراً فاعلاً بمشيئته... وردَّ الخوارجُ والمعتزلةُ النصوصَ الصريحة المُحكمة غاية الإحكام في ثبوت الشفاعة للعصاة وخروجهم من النار... وردَّ الجهميةُ النصوصَ المتنوعةَ المُحكمة على عُلُوِّ اللهِ على خلقه، وكونه فوق عِباده... ورد الرافضةُ النصوصَ الصحيحة الصريحة المُحكمة - المعلومة عند خاصِّ الأمة وعامَّتها بالضرورة - في مدح الصحابة والثناء عليهم، ورضاءِ الله عنهم، ومغفرته لهم وتجاوزه عن سيئاتهم، ووجوبِ محبةِ الأمة واتباعِهم لهم، واستغفارِهم لهم، واقتدائهم بهم)[1].

 

الرافضة أنموذجاً في رد النصوص بالهوى:

من أساليب الرافضة في متابعة الهوى وردِّ النصوص الشرعية[2]، ما يلي:

1- جعلوا الولايةَ لأهل البيت - رضي الله عنهم - المحور الرئيس الذي تدور حوله أحكام مذهبهم الاعتقادية والعملية، ورفضوا الآلاف من أحاديث الصحابة - رضي الله عنهم؛ بل كفَّروهم إلاَّ سبعة عشر صحابياً وسمُّوهم؛ بسبب مبايعتهم لأبي بكر أولاً ثم عمر ثم عثمان - رضي الله عنهم.

 

(والقاعدة العامة عندهم: أنَّ مَنْ لم يُوالِ عليًّا فقد خان وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ونازع أئمة الحقِّ، فليس أهلاً للثقة والاعتماد)[3].

 

2- إيمانهم بمبدأ التَّقية، ومغالاتهم في ذلك حتى زعموا (أنَّ كثيراً من الأحاديث صدرت عن أهل البيت مُخالِفةً لما يرون من حكم الشرع تقيَّةً؛ ليحفظوا الأنفسَ والأعراضَ والأموالَ من سطوةِ خلفاء الجَور وولاتِهم، فلا يكون مفادها مراداً بالإرادة الجدية)[4]، والرافضة تريد بذلك التغطية على ما في أحاديثهم من تضارب واختلافٍ في نسبة الروايات إلى الأئمة.

 

3- اعتقادهم عصمة الأئمة؛ لذا أوجبوا على الناس طاعة الإمام المعصوم في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، وادَّعوا أنَّ مخالفته تُورِثُ الكفرَ والفسق[5]، ورووا - على لسان الإمام موسى الكاظم - أنه قال: (لعن الله أبا حنيفة؛ كان يقول: قال عليٌّ، وقلتُ)[6]، فمُخالِف الإمامِ في نظرهم ملعون!

 

ومن أساليب المبتدعة في هجر السنة النبوية إظهارها للناس بصورة مُلفَّقة مُزوَّرة، عن طريق التحريف والتغيير والتبديل في الروايات؛ إمَّا زيادةً أو نقصاً، أو تبديل كلمة أو كلمتين، أو تبديل جملة من الكلمات، أو تبديل سياق الروايات وإخراجها بصورة تتنافى أصلاً مع ما كانت عليه عند المُحدِّثين، والتبديلُ والتحريفُ عند المبتدعة يختلف باختلاف الغاية المطلوب تحقيقها في كلِّ حادثة أو حديث؛ إسناداً أو متناً، ومن نماذج التحريف في النصوص عند المبتدعة[7]، ما يلي:

 

أنموذجان من تحريف النصوص:

1- تحريف الرافضة: امتلأت كتب الرافضة على اختلاف فنونها بالتحريف والتبديل لنصوص السُّنة والسيرة النبوية، والافتراء على الأجِلَّة من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان، ومن أمثلة تحريف الرافضة لنصوص السنة، ما فعله بعضهم في رواية حديث أركان الإسلام، فقد رووه عن زرارة عن أبي جعفر الباقر بلفظ: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ على خَمْسةِ أشياء: الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية)، قال زرارة: فقلت: وأيُّ شيء من ذلك أفضل؟ فقال: (الولاية أفضل)[8].

 

واللفظ الصحيح المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ على خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لاَّ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»[9].

 

2- تحريف المعتزلة: ومثال ما حرَّفته المعتزلة حديث افتراق الأمة؛ حيث ذكروه في كتبهم بسندهم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فِرقة، وستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرقة أبرُّها وأتقاها الفِئةُ المعتزلة)[10].

 

واللفظ الصحيح المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - في هذه الفِرق؛ قوله: «كُلُّهَا فِي النَّارِ، إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِي: الْجَمَاعَةُ»[11]، وفي لفظٍ: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)[12].

 


[1] إعلام الموقعين عن رب العالمين، (2 /295-304).

[2] انظر: السنة النبوية ومطاعن المبتدعة فيها، (ص 194).

[3] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، (ص 131).

[4] قواعد التحديث، الغريفي (ص 131).

[5] انظر: الأصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني (1 /383)؛ تنقيح المقال، المامقاني (1 /444).

[6] الأصول من الكافي، (1 /383).

[7] انظر: السنة النبوية ومطاعن المبتدعة فيها، (ص 220).

[8] الأصول من الكافي، (1 /18).

[9] رواه البخاري، (1 /12)، (ح 8)؛ ومسلم، (1 /45)، (ح 16).

[10] طبقات المعتزلة، ابن المرتضى (2 /15).

[11] رواه ابن ماجه، (2 /1322)، (ح 3993). وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه)، (3 /308)، (ح 3242).

[12] رواه الترمذي، (2 /673)، (ح 2853). وحسنه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، (3 /54)، (ح 2641).