هند بنت عتبة
إيمان الخولي
وقال لها أحد المتفرسين من العرب يوما : إنني أتوسم فى ابنك أن يسود قومه، قالت هند: ثكلته إن لم يسد إلا قومه.أي: فقدته إن لم يسد إلا قومه.
- التصنيفات: سير الصحابة -
هند بنت عتبة :
هى هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف
تزوجت هند في الجاهلية الفاكه بن المغيرة بن عبد الله المخزومي القرشي كان من فصحاء قريش وهى أم الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان تزوجت أباه بعد مفارقة الفاكه بن المغيرة.
ولطلاقها قصة :
كان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت ضيافة خارجا عن البيوت تغشاه الناس من غير إذن. فحدث ذات يوم أن البيت خلا من الناس واضطجع فيه هو وهند، ثم نهض لحاجة فأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فدخله.فلما رأى هندا رجع هاربا، فلما نظره الفاكه دخل عليها فضربها برجله وقال لها: من هذا الذي خرج من عندك؟
قالت: ما رأيت أحدا قط وما انتبهت حتى أنبهتني، قال: فارجعي إلى بيت أبيك وتكلم الناس فيها.
فقال أبوها: يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك الكلام فإن يكن الرجل صادقا دسيت عليه من يقتله لينقطع كلام الناس، وإن يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن. فقالت له: لا والله ما هو علي بصادق.
فقال له: يا فاكه إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن.
فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج أبوها في جماعة من بني عبد مناف ومعهم هند ونسوة.
فلما شارفوا البلاد قالوا: غدا نرد على هذا الرجل فتغيرت حالة هند فقال لها أبوها: إني أرى حالك قد تغير وما هذا إلا لمكروه عندك.
فقالت: لا والله، ولكن أعرف أنكم تأتون بشرا يخطىء ويصيب ولا آمنه أن يصفني بوصف تكون عليّ سبّة.
فقال لها: لا تخشي فسوف أختبره، فصفّر لفرسه حتى أدلى ثم أدخل حبة بر في إحليله وربطه فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم، ونحر لهم فلما تغدوا قال له عتبة: قد جئناك في أمر وقد خبأنا لك خبيئة نختبرك بها.
قال: خبأتم لي ثمرة في كَمرة. قال: إني أريد أبين من هذا.
قال: حبة بر في إحليل مهر، قال: فانظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يأتي إلى كل واحدة منهن ويضرب بيده على كتفها ويقول لها: انهضي.فلما جاء دور هند قال: انهضي غير متهمة بشيء وستلدين ملكا اسمه معاوية.
وعندما تبين براءتها نهض إليها الفاكه فأخذ بيدها، فجذبت يدها من يده وقالت: إليك عني فو الله إني لأحرص أن يكون ذلك من غيرك, فتزوجها أبو سفيان فولدت منه أمير المؤمنين معاوية رضي الله تعالى عنه.
ولنقف مع هذ الموقف فقد أبت هند أن يشك فيها زوجها وهى التى عُرفت بالأنفة وعزة النفس وإذا دخل الشك فى حياة الأزواج تحولت الحياة إلى جحيم واستحالت الحياة بينهم فعلي الزوجين أن يكونا على قدر من الوضوح والصراحة بينهما حتى لايدعا مجالاً للشيطان ليفسد العلاقة بسوء الظن و لتكون الثقة المتبادلة هى الداعمة لاستمرار الحياة الأسرية
وقال لها أحد المتفرسين من العرب يوما : إنني أتوسم فى ابنك أن يسود قومه، قالت هند: ثكلته إن لم يسد إلا قومه.أي: فقدته إن لم يسد إلا قومه.
انظر إلى علو همتها فى تربية ابنها وكيف ساد العرب وحكمهم ثقتها فيه وفى إمكانياته كم من أم دمرت ولدها بإهانتها له والتحقير من شأنه فخرج إلى المجتمع بشخصية مهتزة أين أمهات اليوم من هند بنت عتبه وأسماء بنت أبى بكر وأمهات الأئمة الشافى وابن حنبل ؟ فقد كانوا سندا وقوة دافعة لأبنائهن لكى يخرج منهم إماما جليلا أو قائدا عظيما يكون أثراً لها فى الحياة وعلامة فارقة فى مجتمعه
موقفها مع السيدة زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم :
تقول السيدة زينب رضى الله عنها : لما قدم أبو العاص مكة، قال لي: تجهزي فالحقي بأبيك. فخرجت أتجهز، فلقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا بنت محمد، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقلت لها: ما أردت ذلك. فقالت: أيْ بنت عم، لا تفعلي، إني امرأة موسرة وعندي سلع من حاجتك، فإن أردت سلعة بعتكها، أو قرضًا من نفقة أقرضتك؛ فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال. قالت: فوالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل، فخفتها فكتمتها، وقلت: ما أريد ذلك.
أظهرت هند بنت عتبة مروءتها مع زينب رضى الله عنها برغم بغضها الشديد للنبى صلى الله عليه وسلم وللمسلمين فلم تكن أسلمت بعد لكن لم يمنعها ذلك من إعانه الناس وقضاء حوائجهم وهذا يعطينا درساً أن الفطرة السليمة تدعو إلى الخير والفضيلة والتى تقود بدورها إلى معرفة الحق و الإسلام كما تعلمنا مهما كانت درجة العداء بينك وبين الآخر فلا يمنع من مساعدة إن احتاج للمساعدة فالمبادىء والأخلاق لا تتجزأ وأن هناك اناس جبلوا على الأخلاق الحميدة فعندما يسلموا يوما ينطبق عليهم "خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام "وقد يهدى الله بك رجلا من مجرد موقف لبيت فيه نداءه وأجبت حاجته فكان سبباً فى حبه للدين ودخوله الإسلام فإذا كان أهل الجاهلية عرفوا المروءة فنحن أهل الإسلام أولى بها
ولما كانت موقعه بدر قتل فيها والد هند وعمها وأخاها فكان مصابها فيهم كبير وحزنت عليهم بشدة حتى جاء يوم أحد خرجت مع نساء قريش تحث جيش المشركين على القتال لتنتقم ممن قتل أباها واخاها
وتنشد نحن بنات طارق نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
وشفت هند غليلها يوم أحد بانهزام المسلمين وقُتل من قُتل من خيرة المسلمين وانصرف المشركون مسرورون بما زال عنهم من عار يوم بدر.
وقصة أنها لاكت كبد "حمزة "عم النبى رضى الله عنه فلم تستسغه فيها نظر والأحاديث فيها ما بين مرسل وإسناده ضعيف ولم يصح منهم شئ
كانت هند في الجاهلية تعادي الإسلام عداوة تظن معها أنها لا تموت إلا على الكفر، إلا أن تدبير الله كان له شأن أخر.
فقد أراد الله لهذه المرأة المتعصبة للشرك على قوتها وصلابتها أن يلين قلبها لدين الله الحق وتعرف طريق الهدى والاستقامة فقد أسلمت بعد فتح مكة وبعد إسلام زوجها أبى سفيان بليلة إذ دخلت على زوجها فقالت له إنى أريد ان أبايع محمداً قال : لقد رأيتك تكذبين هذا الحديث بالأمس فقالت والله ما رأيت الله عبد حق عباده فى هذا المسجد قبل الليلة والله إن باتوا إلا مصلين فذهبت إلى أخيها أبى حذيفة بن عتبة واستأذن لها ان تدخل على رسول الله وقالت الحمد لله الذى أظهر الدين الذى اختاره لنفسه وأسلمت لله وبايعت النبى صلى الله عليه وسلم قالت: ( يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ ما كانَ علَى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَذِلُّوا مِن أهْلِ خِبَائِكَ، وما أصْبَحَ اليومَ علَى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَعِزُّوا مِن أهْلِ خِبَائِكَ"
سبحان مقلب القلوب يتحول فيه العدو إلى ولى حميم سبحانه هو وحده الذى حبب الطاعة إلى عباده وكره إليهم الشرك والمعاصى إذ يقول تعالى :" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} " [ الانفال 24]
مبايعه هند لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
«جاءت هند إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في وفد النساء للمبايعةوكانت منتقبة قال النبى صلى الله عليه وسلم : " بايعنني على أن لا تشركن بالله شيئا " فقالت هند : والله إنك لتأخذ علينا ما لا تأخذه على الرجال . قال : " ولا تسرقن " . فقالت : والله إني كنت أصبت من مال أبي سفيان الهنة بعد الهنة ، وما كنت أدري أكان ذلك علينا حلالا لي أم لا ؟ فقال أبو سفيان ، وكان شاهدا لما تقول : أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإنك لهند بنت عتبة ؟ ! " قالت : نعم ، فاعف عما سلف ، عفا الله عنك قال : " ولا تزنين " فقالت : يا رسول الله ، وهل تزني الحرة ؟! ثم قال : " ولا تقتلن أولادكن " . قالت : قد ربيناهم صغارا ، وقتلتهم ببدر كبارا ، فأنت وهم أعلم . فضحك عمر بن الخطاب حتى استغرب ، ثم قال : " ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن " . فقالت : والله إن إتيان البهتان لقبيح ، ولبعض التجاوز أمثل . ثم قال : " ولا تعصينني " . فقالت : في معروف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : " بايعهن واستغفر لهن الله ، إن الله غفور رحيم فبايعهن عمر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ، ولا يمس إلا امرأة أحلها الله له ، أو ذات محرم منه . »
إذا تأملنا الحديث نستشعر مدى صدق هند فى مبايعتها للنبى على عدم السرقة حيث أنها كانت تأخذ من مال أبى سفيان فأرادت أن تكون صادقة مع الله منذ البداية و أن يعفو عنها أولا قبل المبايعة
كم من امرأة وقفت مع نفسها وقفة تحاسب نفسها هل كنت صادقة يوم كذا ؟هل كان هذا العمل لله حقا ؟ هل... هل... فلنقف مع أنفسنا لحظة صدق قبل ان نقف بين يدى الله
كما علمتنا معنى العفة أن الحرة لا تسمح أن تنكشف لها عورة ولا تظهر لها سوءة أين بناتنا من هند بنت عتبة؟
كم من فتاة مسلمة خلقها الله حرة فأبت إلا أن تذل نفسها بلباس لا يرضى الله عنه يكشف أكثر مما يستر فقد أبت إلا العبودية للشهوات وللشيطان الذى يزين الحرام فى عينها لتظهر مفاتنها أمام من لا يحل لها فبالرغم من جاهليتها سنوات طويلة إلا أن فطرتها سوية لم تلوث بدعايات الجاهلية وما أكثرالخيام التى كانت تنصب عليها الرايات الحمر وقتها ليمارس فيها البغاء بكل اشكاله ولكنها عرفت معنى الحرية الحقيقة وليست دعوى كما ينادى الان بتحرير المرأة تحريرها من ماذا من دينها وفطرتها السوية ؟ ...ثم نقول لماذا هناك ازمة فى الاخلاق والتربية ونرى أجيالاً بعيدة كل البعد عن دينها فما هم إلا تربية أمهات استعبدتهن الموضة والثقافة الغربية .
هند تتحرى الحلال :
عن عائشة رضى الله عنها قالت جاءت هندٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم، فقالت: « يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني ما يَكفيني وولَدي، إلَّا ما أخذتُ من مالِهِ، وَهوَ لا يعلَمُ، فقال: خُذي ما يَكفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ» " [أخرجه البخاري]
وفى هذا دليل على أن نفقة الزوجةِ والأولادِ واجبة على الزوجِ بقدرالكِفاية مع مراعاة حال المنفق فإن كان الزوج بخيلاً لا إثم عليها أن تأخذ منه بدون علمه ما يكفيها بلا إسراف كما نتعلم منها أنه يجوز ذكر العيب للشكوى أو الاستفتاء فهى من مباحات الغيبة وهذا الموقف لهند بنت عتبة بعد إسلامها مباشرة نتعلم منه أيضا مدى حرصها على الحلال وخوفها أن يكون هذا التصرف لا يرضى الله فجاءت تستفتى فيه فأين الزوجة الصالحة التى تنفق بالمعروف ولا تتعمد أن تُرهق زوجها فى الطلبات حتى تكون مثل فلانة وعلانة .
لم تترك هند ساحة الجهاد ولكن هذه المرة فى سبيل الله فقد شهدت معركة اليرموك وحرضت على قتال الروم وجعلت تقول "عضدوا الغلفان بسيوفكم معشر المسلمين "
حرصها على رفع الروح المعنوية للمسلمين وتحفيزهم لملاقاة العدو وذلك من أهم دعائم النصر فكم من حروب نفسية دمرت الشعوب بغير أن يخسر أصحابها ماديا او بشريا كما كانت جريئة ومقدامة فى محاربة الحق هى الآن تستخدم شجاعتها وجرءتها فى الحق من منا تسخر إماكنياتها وما أعطاها الله من نعم فى مواجهة الباطل فإن أعداء الإسلام لا يكلون ولا يملون فى تدبير المكائد والعمل على إفساد الأمة بشتى الطرق ما يحتاج منا أن نسخرجهودنا وما نملك من موارد لخدمة الإسلام
وفاتها:
توفت فى ولاية عمر بن الخطاب فى اليوم الذى مات فيه أبو قحافة سنة اربع عشرة من الهجرة إنما الأعمال بخواتيمها درس علمته لنا هند بنت عتبة حين توفت على الإسلام كم كانت تحارب الإسلام وأهله لتموت وقد أبلت بلاءً حسنا فى الإسلام فلا نستكثر على أحد الهداية ولا ندعو عليه فيشتد ظلمه وعداوته بل ندعو له لعل الله يفتح قلبه للإسلام يوما ما فيعز الإسلام به كما أعزه بخالد بن الوليد وعمر بن العاص كم قتلوا من الصحابة وشهدوا معارك ضد المسلمين ولكن الله غفر لهم غدراتهم وفجراتهم لعلمه بما فى قلوبهم بسط النبى صلى الله عليه وسلم يده إليهم بالعفو ففتح الله على أيديهم البلاد وقلوب العباد سبحانه يهدى من يشاء ويضل من يشاء بعلمه بما فى قلوبهم .