إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي

كانت الخيل جميلةً، ولها منظر رائق، وجمال معجب، حين عُرضت عليه وهو ملك يحتاج إليها ومعجب بها، فألهَتْه عن صلاتِه وذِكْرِه...

  • التصنيفات: التقوى وحب الله -

كانت الخيل جميلةً، ولها منظر رائق، وجمال معجب، حين عُرضت عليه وهو ملك يحتاج إليها ومعجب بها، فألهَتْه عن صلاتِه وذِكْرِه، كان ذلك سليمان عليه الصلاة والسلام، النبي الشاكر لربِّه على نِعَمِه؛

 

ماذا الآن يا نبي الله؟ أيعلو في قلبك حُبُّ الخير عن ذكر ربِّك؟ أتسمح للدنيا أن تتسلَّل إلى قلبك؟ أتنشغل بالنعمة وتنسى مَنْ أنعم؟

 

لا، وكيف ذلك وهو النبي الأوَّاب؟! أبى إلا حُبَّ الله وإيثار رضاه، فسريعًا جاء الندم {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}  [ص: 33]، رُدت الخيل إليه فعقرها كلها؛ تقرُّبًا إلى مولاه.

 

أليست هذه الخيل المحببة إليك؟! أتعقرها بهذه السهولة؟! كيف استطاع قلبُك أن يحتمل؟! فهي كثيرةٌ وجميلةٌ ومحببةٌ إليك وأنت محتاج إليها، وكيف ستتمكَّن من تعويضها؟ ألم يكن يكفي أن تستغفر مع شدة نَدَمِكَ وتَتَصَدَّق بالقليل منها؟ ألا يوجد حَلٌّ غير أن تعقرها كلها؟

 

لا إنه حُبُّ الله في قلبه قد تمكَّن حقًّا، فهذا حاله مع خيله حين شغلته عن ذكر الله، هذه هي الأوْبةُ حقًّا، هذا اليقين فيما عند الله هو الخير والأبقى، وماذا عنِّي وعنك؟ حين ننشغل بالأموال والأزواج والأولاد والأشغال، حين نتيه في بحار هواتفنا، وننشغل عن الأذكار؛ بل حتى عن الصلاة والقرآن، ثم يسهو القلب ويسهو حتى يعلوه الران، فيُنازع حبُّ النعمة حُبَّ مَنْ أنْعَم، ثم نستغفر؛ ولكنه استغفار أجوف، نشعر معه كما نشعر بوخز إبرة البعوضة فنحكُّ جلدنا لنتخلَّص سريعًا من أثر الوخزة وسرعان ما ننسى، نستغفر بألستنا وقلوبنا ما زالت في التيه، نشعر ببعض الندم على التقصير، ننظر لصغر معاصينا وننسى في حقِّ مَن قصَّرنا وأذنَبْنا، نتذكَّر غفرانه وعفوه، وننسى عِزَّته وقهره، ننسى أنه خلقنا ليبلونا أينا أحسن عملًا {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]، ذكر عِزَّته لتحصننا من المعاصي؛ فهو العزيز الذي لا يُعصى، وذكر غفرانه ليحثَّنا على سرعة الأوْبةِ؛ فهو الغفور الذي يغفر ويستر، فهل كانت أعمالنا حقًّا هي الأحسن عملًا؟ فهلا سارعنا واستغفرنا استغفارًا يمحو الله به ذنبَنا؟! هلا كانت أوْبتُنا أوْبةً تُرضي ربَّنا؟ هلا طفقنا تخلُّصًا مما يشغلنا.

____________________________________________________

الكاتب: دينا بدر