من خصائص يوم الجمعة

من خصائص يوم الجمعة الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، في هذا اليوم وليلته.

  • التصنيفات: مناسبات دورية - - آفاق الشريعة -

معاشر الكرام:

فضّل عز وجل بعضا مخلوقاته على بعض، اصطفاءً منه واختيارًا، وتشريفًا وتكريمًا {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} ففضل من البشر رسلا، ومن الملائك جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيل، ومما فضّل سبحانه من الأيام: يومكم هذا، يوم الجمعة إذ جعله موسمًا لأفضاله وإنعامه، ومتَّجرًا لأوليائه وأصفيائه، يغتنمونه بما يدنيهم من رحمته ورضوانه، فهذا اليوم العظيم: له من الفضائل، والخصائص، والمزايا، ما لا يوجد في غيره من الأيام، موسم كريم يتكرر كل سبعة أيام، وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد: ثلاثا وثلاثين خاصية ليوم الجمعة، وسنقف هذا اليوم مع بعض خصائصه.

 

فمن فضائل هذا اليوم وخصائصه، ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير يوم طلعت فيه الشمس يومُ الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة». ومن خصائصه مشروعية قراءة سورة السجدة وسورة الإنسان صلاة الفجر يوم الجمعة، قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية: في بيان الحكمة من ذلك: "أنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، ففي قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون"اهـ كلامه.

وثمرة هذا التذكير الاستعداد وتقوية النفس للعمل والطاعة.

في يوم الجمعة ستكون نهاية الحياة والعالم على وجه الأرض، وسوف يكون قيام الساعة،كما مر بنا الحديث الصحيح آنفا "ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".

 

واختص الله عز وجل هذه الأمة بهذا اليوم، وقد ضلت عنه الأمم قبلنا، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا». فكان لليهود يومُ السبت. وكان للنصارى يومُ الأحد. فجاء الله بنا. فهدانا الله ليوم الجمعة. فجعل الجمعة والسبت والأحد. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق. وفي رواية: المقضي بينهم، وأخرجه البخاري بنحوه.

ومن الخصائص: مشروعية قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة أو ليلته، فعن أبي سعيد الخدري مرفوعا: " «من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق» ". رواه الدارمي وصححه الألباني، وعند البيهقي والحاكم مرفوعا" من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" صححه الألباني.

 

ومن خصائص يوم الجمعة الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، في هذا اليوم وليلته، ففي سنن أبي داود وابن ماجه مرفوعا وصححه الألباني "إن من أفضل أيامكم يومَ الجمعة فيه خلق آدم وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ فقال رجل يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يعني بليت فقال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" وروى البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة»، قال الإمام ابن القيم مبينا الحكمة من ذلك: (رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام؛ فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى، وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثَهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يرد سائلهم، وهذا كلُهُ إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء قليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته "اهـ.

- فمن مزايا هذا اليوم أن فيه ساعة يجاب فيها الدعاء، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: فيه ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئا، إلا أعطاه إياه. وأشار بيده يقللها. وقد اختلف العلماء في تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة على أقول أقواها قولان: القول الأول أنها الساعة التي بين أذان الجمعة (الثاني) وانقضاء الصلاة، واستدلوا بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - يعني في ساعة الجمعة -: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلى أَنْ تُقْضَى الصَّلاَةُ» (رواه مسلم)، واختار هذا القول العلامة العثيمين رحمه الله وقد يقول قائل متى يدعو في ساعة دخول الخطيب، قال العثيمين في جواب له: "يدعو بين الخطبتين، سرا بما يريده من أمر الدنيا والآخرة.

وكذلك أيضا في صلاة الجمعة في السجود بعد أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء وكذلك أيضا في التشهد يدعو قبل السلام بما شاء بعد أن يدعو بما ورد الأمر بالدعاء به" اهـ. والقول الثاني: أنها الساعة التي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، واستدلوا بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ الجُمُعة ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، لاَ يُوجَد فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلاَّ آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ العَصْر»؛ أخرجه أبو داود والنسائي وصححه النووي والألباني، واستدلوا بأدلة أخرى ومما قال بهذا من الصحابة أبو هريرة، وعبد الله بن سلام رضي الله عنهما، واختاره الإمام أحمد وابن القيم وغيرهم، قال الشيخ عبد العزيز بن باز عليه رحمة الله: "وجاء أيضا من حديث جابر بن عبد الله وعبد الله بن سلام أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وجاء في بعض الأحاديث أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، وكلها صحيحة لا تنافي بينها، فأحراها وأرجاها: ما بين الجلوس على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذه الأوقات هي الأرجى لساعة الإجابة "اهـ كلامه وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحداً حتى تغرب الشمس، فحري بالمسلم استغلال هذين الوقتين بالدعاء من خيري الدنيا والآخرة لنفسه ووالديه وأهله وللمسلمين، سواء أكان في مسجد أو بيت أو سيارة أو غير ذلك.

وبعد إخوة الإسلام صلوا وسلموا.

______________________________________________________

الكاتب: حسام بن عبدالعزيز الجبرين