الحلقة الثالثة: بين يدي كشف الشبهة...

محمد بوقنطار

إن من كمال عدل الله أن رهن عاقبة الثواب والعقاب على إرسال الرسول، كما أن من تمام فضله وإحسانه إلى خلقه أن بعث في كل أمة رسولا

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -


إن من كمال عدل الله أن رهن عاقبة الثواب والعقاب على إرسال الرسول، كما أن من تمام فضله وإحسانه إلى خلقه أن بعث في كل أمة رسولا يبشر وينذر بلسان قومه، ثم علق ونفى الأخذ بالعقاب على من استجاب فشكر وآمن إذ قال جل جلاله: {ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} .
ثم ما لبث النص القرآني أن أفصح عن وظيفتي الإرسال كما أوضح الغاية من بعثة المرسلين فقال سبحانه: {"رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما"} إذ ارتفع العذر ولم تنهض للمنكرين حجة حتى إذا أنكر منكر فقال: " {ما جاءنا من بشير ولا نذير} " جاءه الرد المحقق بحرفه (فقد) يردف هذا البهتان والإنكار في اتصال لا تراخي فيه وذلك من نفس السياق القرآني: { "فقد جاءكم بشير ونذير"} .
وعليه كان من العبث الذي وجب أن ينزه الله عنه تنزيها يليق بجلال قدره وعظيم سلطانه دعوى وزعم أن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب ليقيم الحجة بهما على قوم قد قضى فيهم بالجبر وأجرى عليهم مشيئته عادما لهم أي مشيئة أو إرادة معطلا فيهم مناط الاختيار، وإنما هو علم أزلي خص الله به نفسه فكان أن استنسخ ما فعل ويفعل وسيفعل العباد وأحاط بذلك علما قبل وقوعه بخمسين ألف سنة، وقد رفعت الأقلام وجفت بالمعلوم أزلا الصحف والدواوين.
وانظر لمزيد من الفهم والإبصار إلى قول الله جل جلاله وحيا منه وتخبيرا لرسوله نوح عليه السلام وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إسرارا وإعلانا، ليلا ونهارا، يأتي الوحي منه تعالى والدعوة قائمة على معهود الوصف ليكف في غير ابتئاس ولا بخع: " {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} "؛ وقد كان من لازم تسليم نوح عليه السلام لوحي ربه أن دعا عليهم في قناعة واقتناع: " {وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} ".