هل يرتفع وصف الإسلام عن المسلم أو يعذر بجهله

توضيح إعذار المسلم بالجهل في مسائل الشرك، وبين المكفرات التي لا يعذر فيها بالجهل والتأويل...

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - - آفاق الشريعة -

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فيقول الدكتور سلطان العميري: " تقوم حقيقة القول بالإعذار بالجهل في مسائل الشرك على أن المسلم الذي أعلن إقراره بالإسلام، والتزم بجملة أصول الدين، وثبت لنا إقراره ذلك بيقين، إذا وقع في بعض صور الشرك الأكبر؛ کالاستغاثة بغير الله مثلًا وهو جاهل بحكم فعله، بحيث إنه لا يعلم أن ما فعله شرك أكبر مناقض لدينه، سواء كان جهله لانعدام علمه به، أو لطروء التأويل عليه، فإنه لا يحكم عليه بالكفر، ولا يرتفع عنه وصف الإسلام، وإنما يعامل معاملة المسلم، وتنطبق في حقه جميع أحكام الإسلام[1].

 

وأصل هذا القول: يرجع إلى أن الكفر حقيقة شرعية مثلها مثل أي حقيقة شرعية أخرى، لا يتحقق مقتضاها في المعين إلا بشروط محددة، فكما أن العبد إذا صلى صلاة مستوفية للشروط والواجبات والأركان، فإنه يسمى مصليًا في الشريعة، وتترتب في حقه الأحكام المتعلقة بالصلاة، وإذا صلى صلاة غير مستوفية للشروط أو الأركان، فإنه لا يسمى مصليًا في الشرع[2].

 

وكما أن العبد إذا فعل محظورًا ما، فإنه لا ينطبق عليه الوصف الشرعي المتعلق بذلك المحظور إلا بتوفر شروطه وأركانه وانتفاء موانعه[3].

 

كما أن القول بالإعذار بالجهل هو المتوافق مع دلالات النصوص الشرعية، فهو أيضًا القول المنسجم مع الأصول الكلية التي يقوم عليها التكليف، إذ إن التكليف في الشريعة يقوم على أصلين، وهما أنه لا تكليف على العباد إلا الشرع المنزل، وأن الشرع لا يلزم الجاهل به، وهي تتضافر في تأكيد الإعذار بالجهل[4].

 

مقتضى الإعذار بالجهل أن التكفير لا يكون إلا بعد قيام الحجة على المكلف، ولكن قيامها عليه فيه من شرطين، وهما:

الأول: شرط وجودي وهو فهم الحجية.

الثاني: شرط عدمي وهو انتفاء الشبهة[5].

 

ويقول الشيخ عبد الرحمن المعلمي: ومن ثبت له حكم الإسلام، فالأصل بقاؤه عليه ولا يخرج عنه إلا بحجة واضحة، وقد علمت أن من قبِل الإسلام ثم جهل وأخطأ بما هو شرك، قد يُعذر ويقول: وكذلك يعذر من اشتبه عليه معنى لا إله إلا الله، بعد القرون الأولى، فظن معناها قاصرًا على نفي وجوب الوجود عن غير الله تعالى، حتى تقوم عليه الحجة"[ 6].

 

ومن المكفرات التي لا يعذر فيها بالجهل والتأويل:

المكفرات المتعلقة بأصل الإيمان بتعظيم الله تعالى وتعظيم نبيه؛ كمثل من يسب الله أو يسب نبيه صلى الله عليه وسلم، أو يلقي القرآن في القاذورات، فمن فعل ذلك فهو كافر، سواء كان جاهلًا أو متأولًا؛ لأن مثل هذه الأمور مناقضة لأصل التعظيم الذي يقوم عليه الإيمان، وتدل دلالة ضرورية على انتفائه من القلب، فلا يتصور معها أن يكون الشخص مسلمًا مؤمنًا في الباطن، ولا نحتاج فيها أن نبحث عن شروط التكفير وموانعه في المعين؛ لأن دلالة فعله دلالة ضرورية على انتفاء الإيمان من قلبه، ولا يجب علينا إلا شيء واحد فقط، وهو البحث فيما صدر منه هل يدخل في باب السب أم لا؟ فإن ثبت أنه سب واستخفاف، فإنه وصف الكفر ينطبق عليه من غير توقف[7].

 

وفي بيان هذا الحكم يقول ابن تيمية: " إن سب الله أو سب رسوله، كفر ظاهرًا وباطنًا، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلًّا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل"[8].

 

فمن ترك الصلاة وقد علم مقتضى النصوص الشرعية بوجوبها، وأن تركها كفر، وارتفعت عنه الشبهة المانعة، فهو كافر على القول الصحيح، سواء تركها جحودًا، أو كسلًا، أو عنادًا أو عدم مبالاة، ويجب علينا أن نحكم عليه بعينه بالكفر والخروج من الإسلام إذا تحققنا من توفر شروط قيام الحجة عليه[9].

 

ومن استغاث بغير الله، وقد علم مقتضى دلالة النصوص على كونها شركًا أكبر، وارتفعت عنه الشبهة المانعة، فهو كافر خارج من دائرة الإسلام، سواء فعل ذلك عنادًا للنصوص أو جحودًا، أو كسلًا أو عدم مبالاة، ويجب علينا أن نحكم عليه بعينه بالكفر والخروج من الإسلام إذا تحققنا من توفر شروط قيام الحجة عليه[10].

 

من ثمرات إعذار المسلم بالجهل:

١- تجلِّي سعة رحمة الله جل ثناؤه بهذه الأمة التي شرفها بآيتين عظمتين من سورة البقرة، يقول ابن كثير: علمهم وأرشدهم أن يقولوا: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا} أي: إن تركنا فرضًا على جهة النسيان، أو فعلنا حرامًا كذلك، أو أخطأنا، أي: الصواب في العمل جهلًا منا بوجهه الشرعي.

وقد تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: «قال الله: نعم»، ومن حديث ابن عباس: «قال الله: قد فعلت».

 

٢- تعظيم هذا الدين المنزل من عند الله جل وعلا، وتعزيز مراتب القدر والشرع بلا غُلو ولا تفريط.

 

٣- حقن دماء خير أمة أخرجت للناس، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: (ما أطيبك وأطيبَ ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظمُ عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيرًا)[11].

 

4- رحمة العالم بالجاهل وزيادة الحرص على تعليمه، فالمسلم الواقع في الشرك جهلًا قد يسهل تصحيح منهج تفكيره، وذلك بتكرار الحق على مسامعه لعله يستيقظ من غمرة الجهل والغفلة.

 

5- تأصيل ضابط حكم الإعذار بالجهل مهم جدًّا، خاصة حين يمن الله بالتمكين للأمة، فتطبق كل أحكام الشريعة، فلا يظلم المسلم ولا يسفك دمه هدرًا، حتى تقوم عليه الحجة، فلا يحكم بكفره حتى تنتفي الموانع والشروط.

 

٦- إن التوفيق والثبات على الحق فضل من الله وحده، فلا بد من كثرة السؤال من واهب الهدى والثبات جل وعلا.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

 


[1] إشكالية الإعذار بالجهل د. سلطان العميري ص ٣٣ .

[2] نفس المرجع.

[3] نفس المرجع.

[4] نفس المرجع، ص ٣٣٧.

[5] نفس المرجع.

[6] نفس المرجع ص ٥٦ وانظر رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله ضمن مجموع الآثار ٢ / ١٥٨.

[7] من مقالة فلسفة الإعذار بالجهل والتأويل عند أهل السنة والجماعة؛ د. سلطان العميري، وانظر إلى كتاب الإعذار بالجهل، ص   ٢٦٨ د. سلطان العميري.

[8] نفس المرجع، وانظر: الصارم المسلول 513).

[9] إشكالية الإعذار بالجهل د. سلطان العميري ص ١٦٣.

[10] نفس المرجع ص ١٦٣.

[11] رواه ابن ماجه وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/.630

________________________________________________________

الكاتب: روضة محمد شويب