دقة متناهية والإتقان مذهل

تأمل آيات الله المبثوثة في الكون، والتي لا تحصى كثرةً، ولا يحيط بها إلا خالقها، وكلها شاهدةٌ على وحدانيةِ اللهِ تعالى، وعلمِهِ الشامِلِ، وحكمَتِهِ البالغَةِ، وطلاقَةِ قدرتِهِ، وبديعِ صنعه.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} .[1]

 

تأمل آيات الله المبثوثة في الكون، والتي لا تحصى كثرةً، ولا يحيط بها إلا خالقها، وكلها شاهدةٌ على وحدانيةِ اللهِ تعالى، وعلمِهِ الشامِلِ، وحكمَتِهِ البالغَةِ، وطلاقَةِ قدرتِهِ، وبديعِ صنعه.

 

تَأَمَّلْ في رِيَاضِ الأَرْضِ وَانْظُـرْ   ***   إلَى آثارِ مَا صَنَعَ المَلِيــــــكُ 

عُيُونٍ مِنْ لجينٍ شَاخِصَــــــاتٍ   ***   بأحداقٍ كما الذَّهَب السَّبيك 

عَلَى قَضِيبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِداتٍ   ***   بأَنَّ اللهَ ليسَ لَهُ شَرِيــــــك 

 

ومن آيات الله تعالى العظيمة تلك السماء المرفوعة بلا عمدٍ، ولا يحيط بها إلا خالقها، وتلك النجوم والكواكب، التي لا يعلم عددها إلا الله، وذلك الكون الهائل الذي تقدر المسافات بين بعض النجوم فيه وبعض ملايين السنين الضوئية، وتلك الحركة الدائبة التي لا تنقطع، لكل الكائنات، وذلك التنوع الهائل في المخلوقات، وذلك التفرد المذهل للمخلوقات في جميع الأنواع، فلا يشبه مخلوق مخلوقًا من كل وجه، ولو اتحد جنسه، بل ولو كان توأمًا له، حتى قال العلماء لا تشبه حبة رمل حبةً أخرى.

 

ثم تأمل ذلك التفاوت الهائل بين الكائنات، فمنها ما لا يرى ويدرك كنهه، ولكن يعلم أثره، ومنها ما لا يرى بالعين المجردةِ، ومنها الصغير الضئيل، ومنها العظيم الكبير.

 

ثم تأمل تلك الدقة المتناهية، وذلك الإتقان المذهل الذي يرى في كل مخلوق، فلا يملك من يشاهد ذلك إلا أن يقول: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .[2]

 

ثم تأمل تلك النباتات، وانظر إلى تنوعها الهائل، وأجناسها العجيبة، فمنها ما هو غذاء، ومنها ما هو دواء، ومنها ما هو ترف ومتعة، ومنها ما هو سم زعاف، ومنها ما هو حلو، ومنها ما هو مر، ومنها ما هو ناعم كالحرير، ومنها ما خشن غاية الخشونة، ومنها ما هو في غاية اللين ومنها ما هو أشدُّ قسوة من الصخر، وكله يسقى بماء واحدٍ.

 

ومن أعظم دلائل وحدانية الله تعالى نفسك التي بين جنبيك، {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[3]

 

وتأمل عناية الله تعالى بخلقه، عين باصرة، لما كانت في غاية الحساسية، وضعت في تجويف عظمي داخل الجمجمة، وأحيطت بجفنين، ليقيانها حرارة الصيف وبرد الشتاء، وأهداب تمنع الأتربة، وحاجب يمنع تصبب العرق عليها، هذه حكمة ما يظهر منها، وأما خفي منها عنا فأعجب؛ يقول علماء التشريح لو مدت شرايين العين الواحد لبلغت إلى الشمس، فسبحان الله الخالق العظيم.

 


[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَة/ 190.

[2] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 190.

[3] سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: الآية/ 21.

__________________________________________________

الكاتب: سعيد مصطفى دياب