محمد( الأمين) صلى الله عليه وسلّم بين مكة والمدينة..

محمد سيد حسين عبد الواحد

نتعلم من كل موقف منهما المروءة والوفاء، ولن نجد صاحب مروءة وذا وفاء أصدق من الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلّم..

  • التصنيفات: السيرة النبوية -

أيها الإخوة الكرام: في يومنا هذا أود أن أقف مع موقفين اثنين في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم..

نتعلم من كل موقف منهما المروءة والوفاء، ولن نجد صاحب مروءة وذا وفاء أصدق من الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلّم..

عاش الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلّم في مكة، وعاش في المدينة، عاش أربعين سنة في مكة قبل بعثته، وثلاث عشرة سنة بعد بعثته، وعاش في المدينة بعد هجرته عشر سنوات..

وفي ثلاث وستين سنة وهى ( حياة النبي عليه الصلاة والسلام) ضرب رسول الله مثالا يحتذى في اعتزازه وفي محبته وفي اهتمامه بالموضع الذي يسكنه ويستظل بسماءه..

أما الموضع الأول:

الذي سكنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهو أم القرى مكة، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا زيارتها حجاجا ومعتمرين.. اللهم آمين يارب العالمين.

سكن رسول الله أم القرى مكة ( ثلاثا وخمسين سنة) خلال هذه السنوات قدم الرسول صلى الله عليه وسلّم لمكة كل من يمكنه أن يقدمه، ونفعها ونفع أهلها بكل ما يستطيع، ما جربوا عليه كذبا قط، وما عهدوه غدارا ولا خوانا، فلقبوه ب( الأمين) من غير أن ينازعه فيها أحد..

قدم مثالا يحتذى للصبي النابغ المكافح ( محمد الأمين) صلى الله عليه وسلم، والذي لا يستهويه اللهو واللعب ولا يغريه الزور والعبث،

جعل ( محمد الأمين) يؤسس في أم القرى مثالا يحتذى في تحمل المسؤلية وفي علو الهمة منذ نعومة أظفاره..

نشأ الأمين صلى الله عليه وسلّم جادا مكافحا: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : افْتَخَرَ أَهْلُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " «الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ» "، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " «بُعِثَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا عَلَى أَهْلِهِ، وَبُعِثْتُ أَنَا وَأَنَا أَرْعَى غَنَمًا لِأَهْلِي بِجِيَادٍ "» .

وفي شبابه صلى الله عليه وسلّم ضرب محمد ( الأمين) صلى الله عليه وسلّم نموذجا للشاب الأبي الشجاع الذي يأنف الضيم، ولا يهاب في الحق أحدا فشارك في الدفاع عن مكة بنفسه وماله في حرب سميت بحرب ( الفجار)

وحرب الفجار: يوم من أيام العرب في الجاهلية، وقد وقعت بعد عام الفيل بنحو (عشرين) سنة، ودارت رحى هذه الحرب بين القبائل في الصحراء ولم يكن أهل مكة ليدفعوا عن أنفسهم عار المذلة، أو معرة الغدر دون أن يكتووا بنار هذه الحرب..

وقعت حرب الفجار بين قريش وبين هوازن وغطفان..

وسميت حرب الفجار ب (حرب الفجار) لأن العرب قد فجرت في القتل، وأسرفوا فيه، وقطعوا الأرحام التي كانت بينهم، واستحلوا حرمة الشهر الحرام..

هذه الحرب شارك فيها شاب براق الثنايا يقال له ( الأمين) وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمشاركته في تلك الحرب دفاعا عن أم القرى وأهلها..

ودامت هذه الحرب خمسة أيام: يوم نخلة، ويوم سمطة، ويوم العبلاء، ويوم عكاظ، ويوم الحريرة..

وقد شهد محمد ( صلى الله وسلّم على نبينا محمد ) شهد الأيام الأربعة الأخيرة من هذه الحرب وفاته اليوم الأول. ولم يشهدها من بني هاشم غير أبي طالب والزبير وحمزة والعباس وهما من أولاد عبد المطلب. أعمام النبي صلى الله عليه وسلّم وكانت مهمة ( الأمين) يومها أن يلملم النبل فيدفعه إلى أعمامه فيرمون العدو..

ودارت دائرة الحرب على الفريقين ( قريش وهوازن ) بين النصر وبين الهزيمة، فتواعد الناس أن تعاد الكرة من جديد بعد ( عام) لولا لطف الله تعالى فاصطلحوا وأطفأ الله تعالى نار الحرب، فتجاوزا وسامح بعضهم بعضا، وعفا بعضهم عن بعض، ووضعت الحرب أوزارها..

هذه المشاركة من محمد ( الأمين) صلى الله عليه وسلّم كانت لصد عدوان قدم إلى أم القرى من بعيد.

ثم كانت له صلى الله عليه وسلّم مشاركة أخرى.. لكنه شارك هذه المرة ب(حكمته) صلى الله عليه وسلّم، شارك في صد عدوان قدم إلى أم القرى من قريب وهى فتنة نشبت بين أهل مكة فيما بينهم..

وذلك يوم اشتركوا وأعادوا بناء الكعبة من جديد ثم اختصموا فيمن يحوز شرف وضع الحجر الأسود بموضعه، وضربت الفتنة في مفاصل القبائل ودقت طبول الحرب لولا لطف الله تعالى وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأشرك من كل قبلة فردا فأرضى الجميع وأسعد الجميع وأطفأ بحكمته نارا كانت على وشك أن تأكل الأخضر واليابس..

الشاهد:

بيان أن النبي ( الأمين) صلى الله عليه وسلّم عاش محبا ل( مكة ) حتى أثر عنه قوله " وَاللَّهِ، إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ "

بلده صلى الله عليه وسلّم التي ولد فيها، وأكل من خيرها، وشرب من نبعها واستظل بسماءها، وله فيها زوج ومال وولد..

سعى ( الأمين) صلى الله عليه وسلّم بكل ما يملك من جهد وحكمة ومروءة وهمة للحفاظ على أم القرى، سعى لان تبقى آمنة مطمئنة مستقرة..

سعى مع من سعى لتجفيف منابع الشر، سواء جاءها هذا الشر من خارجها أو من داخلها وهذا معدود من مروءته ووفاءه وحكمته وعلو همته صلى الله عليه وسلم..

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ مصر وأهل مصر وأن يجعلها سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..

الخطبة الثانية

بقى لنا في ختام الحديث أن نقول :

وعدناكم بالحديث عن موقفين اثنين في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ..

حدثتكم عن أحدهما وهو حب النبي صلى الله عليه وسلّم لأم القرى مكة وسعيه وجهده لأن تبقى آمنة مطمئنة..

وهاكم الموقف الثاني:

من مروءة رسول الله صلى الله عليه وسلّم لكنه الآن مع وفاءه لبلده الثاني ( المدينة المنورة) بنور صاحبها صلى الله عليه وسلّم..

نسأل الله بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا زيارتها، والصلاة في مسجدها وان يبلغ سلامنا لأشرف من سكنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم ..

قدم إليها وهي ( يثرب) أرض (الوباء والبلاء) فغير اسمها فسماها المدينة وسماها طيبة ثم دعا الله تعالى أن يصحح ماءها وهواءها وأن يبارك صاعها ومدها..

ورد في الصحيح عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلَالٌ..( من سوء الهواء والماء بالمدينة)

قَالَتْ عائشة : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ : يَا أَبَتِ، كَيْفَ تَجِدُكَ ؟

وَيَا بِلَالُ، كَيْفَ تَجِدُكَ ؟

قَالَتْ : فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ : كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ..

وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ : أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنَّةٍ وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ؟!

قَالَتْ عَائِشَةُ : فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ : " «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا، فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ» ".

ومن مروءة رسول الله ومن دلائل وفاءه لبلده الثاني ( المدينة المنورة) ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ :

كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ ؛ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :

" «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا.. اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ "» . قَالَ : ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ ؛ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ..

المقصود:

أن تعلم أن المروءة والوفاء جزء لا يتجزأ من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مع زوجه وولده وصحبه والموضع الذي يسكنه سواء كان ( مكة) أو ( المدينة) فهو به لا بدونه، وهو له لا عليه..

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وفي الأمور كلها أن يحسن عاقبتنا.. أللهم آمين.