صعود اليمين المتطرف في أوروبا.. الأسباب وآفاق المستقبل
عبد المنعم منيب
ما أسباب صعود اليمين المتطرف في اوروبا إلى هذا الحد في السنوات الأخيرة؟ وما هي أهم أفكاره وأيدولوجياته السياسية؟ وهل يتمكن من حل مشكلات القارة العجوز من موقع وجوده في الحكم؟
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
تولت جيورجيا ميلوني رئاسة وزراء إيطاليا منذ أيام قلائل وبذلك تكون أول شخص ينتمي للحزب الفاشي يتولى منصب رئيس وزراء إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن كونها أول سيدة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ إيطاليا كله.
وحزبها الفاشي اليميني المتطرف "إخوة إيطاليا" كان حصل في الانتخابات السابقة على 4.3% فقط من الأصوات منذ أربع سنوات لكنه عاد وحصل في انتخابات سبتمبر 2022 على نسبة 26.2% مما وضعه في مقدمة أحزاب التحالف اليميني الإيطالي والذي يضم حزب "الرابطة" بقيادة ماتيو سالفيني وحصل على 8.2% بجانب حزب "فورزا إيطاليا" بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني وحصل على 8% من الأصوات، وذلك جعل جيورجيا ميلوني مؤهلة لتشكيل الحكومة بالتعاون مع تحالف أحزاب اليمين المتطرف الذي صارت زعيمة له الآن.
تشترك أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية في مواقف متعددة ومنها التعصب القومي، الذي يعتبر الاندماج مع ثقافات أخرى تهديدًا للهوية القومية، وكذلك رفض المهاجرين بشكل عام، وتوظيف الإسلامفوبيا في ممارساتها السياسية ودعاياتها
والآن يأتي تولي جيورجيا ميلوني رئاسة الحكومة الإيطالية ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي ليزداد عدد الحكومات الأوروبية التي يقودها اليمين المتطرف، فالسويد تشكلت فيها حكومة من اليمين المتطرف بعد أن تفوق اليمين المتطرف على الكتلة المنافسة له بثلاثة مقاعد فقط في البرلمان في الانتخابات السويدية الأخيرة (سبتمبر 2022).
أما بقية الحكومات الأوروبية اليمينية الأخرى فهي في كل من المجر (ابريل 2022) وبولندا (أكتوبر 2019).
كما نجد في إسبانيا أن الحزب اليميني المتطرف "فوكس" حاز نحو 15% من مقاعد البرلمان في انتخابات (نوفمبر 2019) وهي نسبة لم يصل لها من قبل، ورغم أنه لم يحز أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة إلا ان هذه النسبة عكست تقدمًا شعبيًا له قد يزداد في الانتخابات القادمة في آخر 2023، كما أنه حقق تقدمًا في الانتخابات الإقليمية مارس الماضي وأحرز فيها تقدمًا أكبر مما مكنه من المشاركة في تشكيلة حكومة إقليم كاستيا وليون -للمرة الأولى في تاريخ البلاد- حيث عقد ائتلافًا مع "الحزب الشعبي" اليميني.
ولم يقتصر صعود اليمين المتطرف على هذه الدول بل لقد حقق اليمين المتطرف تقدمًا مذهلاً في فرنسا (ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي) عندما حلت زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان بالمرتبة الثانية بالانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة الأمر الذي مكنها من أن تغير صورة حزبها لتجعله أكثر قبولاً لدى الفرنسيين.
وهو ما انتفع به الحزب المتطرف بعد فترة قصيرة حيث تمكن من تحقيق اختراق تاريخي بالانتخابات التشريعية التي جرت في يونيو 2022 حيث حصل على 89 مقعدًا في الجمعية الوطنية مكونًا كتلة برلمانية له لأول مرة منذ عام 1986.
وتشترك أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية في مواقف متعددة ومنها التعصب القومي، الذي يعتبر الاندماج مع ثقافات أخرى تهديدًا للهوية القومية، وكذلك رفض المهاجرين بشكل عام، وتوظيف الإسلامفوبيا في ممارساتها السياسية ودعاياتها.
ولكن ما أسباب صعود اليمين المتطرف في اوروبا إلى هذا الحد في السنوات الثلاث الأخيرة؟
إن النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي يرتكز نظامه المالي على الربا ويؤدي الربا دائمًا إلى التضخم ويقود التضخم إلى الركود وكل من التضخم والركود يسببان البطالة والتي بدورها تسبب انتشار الفقر وتفاقم الأزمات والمشكلات الاقتصادية، ويقوم النظام الرأسمالي عادة بمحاولات لمعالجة هذه المشكلات الاقتصادية (الناتجة عن بنيته الأساسية أصلاً القائمة على الربا) عبر إحداث تغيرات متعددة في ممارساته الربوية تحت مسمى تغيير سعر الفائدة على الإيداع والاقتراض من البنوك وتصل قرارات المعالجة هذه أحيانًا إلى إلغاء الربا نفسه أو بعض جوانبه لبعض الفترات وذلك بجعل سعر الفائدة 0%.
البعض يتخوف من أن ينحرف اليمين المتطرف بأوروبا عن بوصلتها التي سارت عليها في العقود الأخيرة من حيث الديمقراطية والوحدة الأوروبية، ومؤخرًا الموقف من روسيا وأطماعها في شرق ووسط أوروبا
وفي السنوات الأخيرة عصفت المشكلات الاقتصادية بالاقتصاد الغربي كنتاج طبيعي لطبيعته الرأسمالية ذات الآفات المعروفة، وزاد من حدة هذه الأزمات ضغط الهجرة ووباء كورونا واخيرًا الحرب الروسية الأوكرانيا، ولذلك كله رأينا صعودًا لليمين في أوروبا وصعودًا يمينيًا أيضًا في الولايات المتحدة تمثل في صعود شعبوية دونالد ترامب حتى صار تيارًا قويًا في الولايات المتحدة (رغم هزيمته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة) حتى أوشك أن نسميه التيار الترامبي وبات شبه مهيمنًا على الحزب الجمهوري الاميريكي.
ولكن لماذا تؤدي الأزمات الاقتصادية لصنع تربة محفزة لصعود اليمين في الغرب؟
عادة ما تعصف الأزمات الاقتصادية بالشعوب وتسحقها بالتصخم والبطالة والفقر وحينئذٍ يجيد اليمين اللعب على الشوفينية (التعصب القومي) واستخدام الأساليب الشعبوية وإعلاء رأيه المعارض والنقد لكل الأحزاب القائمة وتحميلها وزر كل المشكلات الموجودة في الدولة والزعم بأن اليمين المتطرف وحده هو من يحمل أجندة الحل الوحيدة لكل هذه المشكلات عبر الشعارات الشعبوية والشوفينية ومعاداة المهاجرين والإسلامفوبيا ونحو ذلك.
وهذا الأمر يتكرر عادة في أوروبا كلما عصفت الأزمات الاقتصادية بالقارة العجوز، وقد رأينا ذلك سابقًا في أزمة الكساد العالمي في 1930، وحينها صعدت الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا.
ربما كان من المبرر أو من الممكن أحيانًا أن يمثل اليسار بديلاً أمام الشعوب في مثل هذه الأزمات لكن اليسار الأوروبي هو أصلاً جزء من المنظومة الاقتصادية الرأسمالية السائدة في الغرب، ومشارك في الحكم، فبالتالي يسهل على اليمين المتطرف تحميله وزر الأزمات الاقتصادية السائدة باعتباره مشارك في الحكم، كما أن اليسار الأوروبي متبني لنفس المنظومة الاقتصادية الرأسمالية السائدة، ويجيد اليمين المتطرف الممارسات والألاعيب الشعبوية فعلى سبيل المثال لا الحصر رأينا كيف أن جورجيا ميلوني رفضت المشاركة في الحكومة الإيطالية في الأربع سنوات الأخيرة، واتخذت موقف المعارضة وأخذت تنتقد الحكومة وتحملها وزر كل مشكلة مما رفع نسبة الأصوات التي حازها حزبها في الانتخابات الأخيرة من 4.3% سابقًا إلى 26.2% حاليًا.
وهكذا ينتفع اليمين المتطرف من الأزمات، ويقدم نفسه على أنه البديل الذي لم تتلوث يده بالحكم المسبب للأزمات حسب السردية التي يروجها اليمين المتطرف عن نفسه.
وهنا يطرح سؤال نفسه بشدة وهو ما مستقبل اليمين المتطرف بعدما وصل للحكم؟ وهو سؤال قد يجدر أن نطرحه بصياغة أخرى وهي: هل يتمكن اليمين الأوروبي المتطرف من حل مشكلات القارة العجوز من موقع وجوده في الحكم؟
البعض يتخوف من أن ينحرف اليمين المتطرف بأوروبا عن بوصلتها التي سارت عليها في العقود الأخيرة من حيث الديمقراطية والوحدة الأوروبية، ومؤخرًا الموقف من روسيا وأطماعها في شرق ووسط أوروبا وحربها ضد أوكرانيا فضلاً عن الموقف إزاء الناتو نفسه.
وفي هذا الصدد فبعض المراقبين يضربون المثل بما فعله فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر اليميني المتطرف، الذي صاغ شكلاً من أشكال الاستبداد الناعم منذ توليه السلطة يصفه المراقبون بـ"الديمقراطية غير الليبرالية"، فضلاً عن موقفه الميال نسبياً لصف الرئيس الروسي فلادمير بوتين.
ولكن لا شك أن الاقتصاد والجغرافيا ستكبحان جماح الحكومات اليمنية فارتباط دول الاتحاد الاوروبي بعضها ببعض في الجغرافيا الاقتصادية ستحكم أي ميول شوفيني يدفع للانعزال عن الاتحاد الأوروبي بشكل أو بآخر، فالفوائد الاقتصادية للجوار الأوروبي أهم من كل الشعارات القومية، كما أن المعونات والقروض الأوروبية ستفعلان الفعل نفسه، أما التحديات الجيواستراتيجية والتي باتت تتهدد أوروبا لا سيما من قبل روسيا والهجرة غير الشرعية فكلها ستكبح أي توجهات قد تلوح للتخفف من عبء التفاعل مع الناتو تحت مظلة أي شعارات شعبوية لا تغني ولا تثمن تجاه المخاطر الجيوسياسية المحدقة بالقارة الأوروبية.
وفي ظل ذلك كله هل ينجح اليمين المتطرف في حل مشكلات بلدانهم؟ أو هل اليمين المتطرف هو الحل في أوروبا؟
وبغض النظر عن ذلك كله فإن مشكلات الغرب الاقتصادية ليس مرجعها لا للقومية ولا للشعارات الوطنية ولا للإسلام وإنما مرجعها وسببها الرئيس هو البنبة الأساسية للمذهب الرأسمالي خاصة الربا و الانتهازية والطمع وهي أهم خصائص الاقتصاد الرأسمالي وسياساته المالية والنقدية، ولن يتمكن لا اليمين ولا اليسار من حل مشكلات أوروبا أو أمريكا بشكل جذري وأساسي سوى بإدراك هذا و التعامل معه تعاملاً سليمًا وهذا غير موجود غير في تعاليم الإسلام الاقتصادية، وهذا الحل هو ما يجهله اليمين المتطرف-وغيره- ولذلك لن ينجحوا إلا بنفس القدر الذي نجح به سابقوهم من ساسة الغرب.