متى تنتهي حرب أوكرانيا؟
لماذا غزا بوتين أوكرانيا؟ ولماذا يدافع الغرب بقيادة الولايات المتحدة عن أوكرانيا ويمنحها المال والسلاح؟ وهل لهذه الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا نهاية قريبة؟
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
"نهاية الصراع في أوكرانيا تبدو بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى"
هذا ما عنونت به مراسلة صحيفة الإندبندنت البريطانية بيل ترو تقريرًا لها نشر في الصحيفة الأسبوع الماضي.
واستدلت الكاتبة على هذا العنوان، بالقرار الروسي بتعليق مشاركة موسكو في اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، حيث اتهمت كييف بشن هجوم ضخم بطائرات من دون طيار على أسطولها بميناء في شبه جزيرة القرم، التي ضمها الرئيس فلاديمير بوتين بشكل غير قانوني في عام 2014.
وقالت الكاتبة: إن قرار الكرملين قد يكون مدمراً في الوقت الذي يكافح فيه العالم مع ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الغذاء، والذي أثاره جزئيا غزو بوتين لأوكرانيا في فبراير الماضي.
وتنقل المراسلة رد فعل المسؤولين الأوكرانيين الذين قالوا إن ذلك يثبت أيضًا أن أي شكل من أشكال المحادثات مع روسيا مضيعة للوقت.
فهل ما استنتجته مراسلة الإندبندنت صحيحًا؟
هل نهاية الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا يبدو غير قريب؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نرجع لأسباب الحرب، ودوافع روسيا لغزو أوكرانيا وهل استطاعت تحقيق أهدافها بالفعل من هذه الحرب، وعلى فرضية أن الروس قد حققوا أهدافهم من هذه الحرب، هل الطرف المُعتَدى عليه والدول الداعمة له قد سلمت بهذه النتيجة؟
يرى بوتين أن توسع الناتو يمثل تهديدًا وجوديًا، واحتمال انضمام أوكرانيا إلى التحالف العسكري الغربي هو عمل عدائي، وهو رأي تذرع به في خطاب متلفز، قبل الغزو بأيام قليلة
الدوافع الروسية لغزو أوكرانيا:
في أواخر فبراير الماضي وبعد أشهر من التكهنات حول نوايا موسكو مع القوات التي حشدتها على الحدود الأوكرانية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء ما أطلق عليها عملية عسكرية خاصة وحذر من إراقة الدماء ما لم تسلم القوات الأوكرانية أسلحتها، وحاصر أكثر من 150 ألف جندي روسي أوكرانيا من 3 جهات، وفقًا لتقديرات مسؤولي الاستخبارات الأمريكية والأوكرانية.
وكان السؤال الذي تردد وقتها لماذا غزا بوتين أوكرانيا؟
السبب الأول كان استراتيجيًا، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، رأت أمريكا أنها أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم، وأنها في سبيل المحافظة على تفردها عليها التوغل شرقًا لاحتواء روسيا وريثة إمبراطورية الاتحاد السوفيتي السابقة، حتى إذا استيقظت يوما فإنها ستجد نفسها في حالة حصار.
وعلى مدار عقود ووفق هذه الاستراتيجية الأمريكية انضم إلى حلف الناتو (ذراع أمريكا العسكري في أوروبا) معظم دول أوروبا الشرقية التي كانت في المدار الشيوعي، ففي عام 2004، أضاف الناتو جمهوريات البلطيق السوفيتية السابقة إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وبعد 4 سنوات، أعلن الحلف عن نيته عرض عضويته على أوكرانيا في يوم من الأيام في المستقبل البعيد، متجاوزًا الخط الأحمر بالنسبة لروسيا كما أعلن قادتها سابقا.
ولذلك يرى بوتين أن توسع الناتو يمثل تهديدًا وجوديًا، واحتمال انضمام أوكرانيا إلى التحالف العسكري الغربي هو عمل عدائي، وهو رأي تذرع به في خطاب متلفز، قبل الغزو بأيام قليلة، قائلاً: إن تطلع أوكرانيا للانضمام إلى الحلف العسكري يمثل تهديدًا خطيرًا لروسيا.
هذا الأمر لا يقتصر في روسيا على وجهة نظر شخصية للرئيس الروسي بوتين، فنظرة المحللين الاستراتيجيين الروس الى أوكرانيا تسير في نفس الاتجاه، فالمحلل الروسي ألكسندر باونوف، في مركز كارنيغي بموسكو كتب: إن روسيا تحتاج إلى حماية أمنية متأصلة بعد الغزوات المتتالية من أوروبا على مدى القرون الماضية، والجهود التي يبذلها الخصوم ومن بينهم حلف شمال الأطلسي لبيع الأسلحة أو تشكيل تحالفات دبلوماسية وعسكرية في المجال المتصور لروسيا على أنها تعدّ على الأملاك.
لذلك يرغب بوتين من ضغطه على أوكرانيا، دفع الناتو إلى سحب الوجود العسكري للقوات الأجنبية في أوروبا الشرقية، الذي يتضمن سلسلة من التدريبات الدورية في دول سوفييتية سابقة، على غرار ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا.
وأظهر استطلاع للرأي أجري في نوفمبر من العام الماضي، أن 62% من الأوكرانيين يريدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأن 58% يريدون العضوية في الناتو.
أما السبب الثاني للغزو فهو سبب ديموغرافي، ففي المقابلات والخطابات التي ألقاها، شدد بوتين على وجهة نظره بأن أوكرانيا جزء من روسيا ثقافيًا ولغويًا وسياسيًا. وبينما يشعر بعض السكان الناطقين بالروسية شرقي أوكرانيا بالشيء نفسه، فإن السكان القوميين الناطقين بالأوكرانية دعموا تاريخيًا اندماجا أكبر مع أوروبا، وفي مقال مطول كتبه في يوليو 2021، أشار بوتين إلى الروس والأوكرانيين على أنهم شعب واحد، وأشار إلى أن الغرب أفسد أوكرانيا وأخرجها من فلك روسيا من خلال تغيير قسري للهوية.
ويشير الرئيس الروسي في خطاب له مؤخرًا إلى السلالة المشتركة بين روسيا وأوكرانيا وبيلاروس، خلال وجود دولة (كييف روس) في العصور الوسطى، ويدعي أن الغرب قسم هؤلاء الإخوة، وتصور موسكو المتحدثين بالروسية في أوكرانيا على أنهم بحاجة إلى حمايتها، حيث أصدرت جوازات سفر لأكثر من 500 ألف منهم في منطقتين انفصاليتين (لوغانسك ودونيتسك) في شرق أوكرانيا، تشكلان جزءا من إقليم دونباس. وفي سبتمبر، نقل الآلاف منهم إلى روسيا عبر حافلات للتصويت في الانتخابات البرلمانية، وأخيرًا تم الإعلان عن استفتاء في هذه المناطق أعقبها ضمها رسميًا الى روسيا.
أوكرانيا والأهداف الروسية:
يرفض غالبية الشعب الأوكراني الاعتراف بتلك الأهداف الروسية، على اعتبار أن بلدهم دولة مستقلة عن روسيا لها رؤية لنفسها تختلف عن رؤية الروس لها، وأنها لا تقبل بالتبعية لروسيا.
وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن غالبية الأوكرانيين يفضلون الآن عضوية حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة.
وأظهر استطلاع للرأي أجري في نوفمبر من العام الماضي، أن 62% من الأوكرانيين يريدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأن 58% يريدون العضوية في الناتو.
وقبل الغزو الروسي بأسابيع، أعربت وزارة الخارجية الأوكرانية في بيان لها، أنه لا يمكن لروسيا أن تمنع أوكرانيا من التقارب مع الناتو وليس لها الحق في أن يكون لها رأي في المناقشات ذات الصلة.
هل حقق الروس أهدافهم؟
حتى هذه اللحظة يبدو أن الأهداف التي حددها الرئيس الروسي في بداية الغزو الروسي قد تم تقليصها أثناء الحرب التي افترض أنها ستنتهي بانتصار سريع، فلم تعد روسيا تسعى للإطاحة بالحكومة الأوكرانية، وتهدف بدلاً من ذلك إلى أن تصبح أوكرانيا محايدة، حتى أن بوتين نفسه لم يستطع حتى الاعتراف بأن ما قام به كان غزوًا أو حربًا، مفضلاً عبارة عملية عسكرية خاصة.
وبعد انتصارات الجيش الأوكراني الأخيرة ارتفعت مطالب الجانب الأوكراني: فبدلاً من التراجع الذي أبداه الرئيس الأوكراني في أوائل الحرب حين صرح إن الأوكرانيين يفهمون الآن أن الناتو لن يقبلهم كدولة عضو وإنها حقيقة ويجب الاعتراف بها.
أصبح الآن يطالب بمطالب واضحة، تتمحور ليس فقط حول وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية، ولكن أيضًا ضمانات أمنية ملزمة قانونًا من شأنها أن تمنح أوكرانيا الحماية من مجموعة من الدول الحليفة التي من شأنها أن تمنع الهجمات وتلعب دورًا نشطًا إلى جانب أوكرانيا في الصراع.
ويبدو أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة تريد هذه الطلبات، فكتب مارك ويلر، وهو أستاذ القانون الدولي وخبير وساطة سابق للأمم المتحدة يقول: إن تأمين الانسحاب العسكري الروسي إلى مواقع ما قبل الحرب لن يكون مطلبًا أوكرانيًا فحسب، بل سيكون أيضًا خطًا أحمر بالنسبة للغرب الذي سيرفض قبول ما أطلق عليه صراعات روسية مجمدة أخرى.
ولكن هل سيقبل بوتين بتلك الطلبات ويتخلى عن دور روسيا العالمي كقوة دولية لها رؤيتها في تشكيل النظام الدولي؟
في خطابه للأمة يوم 24 فبراير الماضي، وهو الخطاب الذي ألقاه بعد إصدار الأمر بغزو أوكرانيا، يقول بوتين: أولئك الذين يحاولون الوقوف في طريقنا أو يخلقون تهديدات لبلدنا وشعبنا، يجب أن يكونوا على دراية بما يلي: سيتلقون الجواب الفوري من روسيا، وسيكون لهذا الرد عواقب غير مسبوقة عبر التاريخ، وقد تم تفسير جملة عواقب غير مسبوقة عبر التاريخ على نطاق واسع على أنها تلويح بالسلاح النووي.
لذلك معظم المؤشرات تقول إنه لا يبدو هناك نهاية وشيكة لتلك الحرب، لإصرار طرفي النزاع على تحقيق أهدافه كامل، لأنها تتعلق من وجهة نظر كل طرف بأسباب وجود من عدمه.