سبيل الأنبياء (2)
إيمان الخولي
إن الداعية هو أحوج الناس للتسلح بالعلم الشرعى والثقافة الإسلامية وتنمية المواهب التى تجعله يقف على أرض ثابتة فى دعوته وأن يطلع على قضايا الأمة وما يدور فى العالم أجمع
- التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -
إن الله عزوجل اصطفى الأنبياء من بين أقوامهم وكلفهم أن يبلغوا رسالته فعملوا ليل نهار يحملون مشاعل النور لمجتمعاتهم
قال تعالى :" {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)}
ليعلم أصحاب الرسالات أنه اصطفاء من الله لهم لعلمه بما فى قلوبهم وليعلم صاحب الرسالة أن الرسل قد رسموا الطريق لمن تبعهم وسار على نهجهم فى خدمة دين الله ولنستكمل المرتكزات التى قامت عليها دعوة الأنبياء والمرسلين من قبل لعلنا نجد فيها الهداية والرشاد والتى منها الصبر على طول الطريق
الصبر :
قال تعالى :" {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24} " [سورة السجدة]
إن طريق الدعوة ليس طريق ممهداً مكللاً بالورود ولكنه طريق الصعاب والمشاق طريق الجهاد فإن لم يؤمن الداعية برسالته ويعتاد تحمل الصعاب ويتسلح بالثبات والصبر ستعصف به المحن ينهزم من أول جولة وقد ربطت الآيات بين خلق الصبر والدعوة إلى الله فى نصيحة لقمان لابنه إذ يقول تعالى :" {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17} " [سورة لقمان] وكأن من تبعات الدعوة الإيذاء فى الله وأن يمكر بك أعداء الإسلام فعليك بالصبر وليس أشق على الداعية من أن يدعو بملء فيه فلا يجد إلا أذاناً صماً وقلوباً غلفا فتراه يستعن بالله ويصبر على إعراضهم والتواء نفوسهم
ولنا فى رسول الله أسوة حسنة كم أوذى صلى الله عليه وسلم على طريق الدعوة قالوا عنه ساحر ومجنون وشاعر تراه يصلى عند الكعبة فيعمد أحدهم إلى سلى جزور فيضعها على ظهره فتأتى ابنته لتزيل الأذى عنه كما أدموا قدمه وشجوا رباعيته فإذا به يشكو إلى الله ضعف قوته وقلة حيلته وهوانه على الناس
فينزل ملك الجبال بأمر من الله يقول له إن شئت أطبقت عليهم الأخشبيين فيقول له بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا " ترى ما الذى حمله على مواصلة الطريق إلا الصبر ولأنه يعلم يقينا أنه صاحب حق وصاحب الحق يظل يدافع عن حقه إلى أن يأذن الله لهذه الدعوة أن تظهر وللإسلام أن يسود
وما كان له إلا أن يمتثل إلى أمر الله تعالى بالصبر يقول تعالى :" {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186} " [آل عمران] وقال أيضا :" {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} " [ المزّمِّل:10] . ويقول أيضا :" {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127 } " فلم يقل له بعد هذه المعاناة الطويلة مع قومه أنه سيوقع بهم العذاب حالا وينتقم من كل من أذاوه وهو قادر على ذلك ولكن أمره بالصبر على لأواء الطريق وما يجده منهم من كبر وعناد ولأن الداعية فى الأصل لا يعمل لنفسه إنما يعمل لله
كما بينت الآيات أن التربص بأصحاب الرسالات والمكر لهم سنة لن تتغير ولن تتبدل إذ يقول تعالى :" {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } " الأنعام فعليه أن يسلم لأمر الله وليعلم أن ما يصيبه من أذى أو ضر على الطريق إلا بإذن الله وعلمه وأنهم لن ينقصوا شيئا من عمره ولا يمنعوا شيئا من قوته وكيف يخاف وهو جند من جند الله يصنعه على عينه يختبره ويصطفيه .
ونجد من الآيات ما فيه تسلية للنبى وعزاء له بما حدث للأنبياء من قبله إذ يقول تعالى :" وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ وَلَقَدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِىْ ٱلْمُرْسَلِينَ "الأنعام
وكأنها سنة الله فى إرسال الرسل فلنتأمل كيف كتب الله النجاه لنوح عليه السلام والذين آمنوا معه وأهلك الظالمين بعد هذه السنوات الطوال وهذا ما حدث مع كل نبى صبر على دعوته فآمن من آمن وكفر من كفر وكانت النجاة لأصحاب العزائم القوية والقلوب المؤمنة بقضيتها والمحتسبة الأجر من الله فليصبر أصحاب الرسالات حتى يتوج الله جهودهم ينتقم من اعداء الدين ويكون لهم الغلبة فى النهاية
وليتدبر الداعية فى اسم الله الصبور تراه يرزقهم ويعافيهم ويزوجهم ويغنيهم وهم يعبدون الحجر والشجر والفئران بل هناك أشخاص لا تؤمن بشىء أصلا ملحدين ولم يمنع عنهم الرزق سنوات طويلة لعلهم يهتدون فليستمد الداعية من اسم الله الصبور الطاقة والقوة لمواصلة الطريق مع المعاندين
وقد يكون الصبر على طول الطريق وقلة الثمرات أشد من الصبر على الإيذاء فى الله لأن النصر لا يتحقق بين عشية وضحاها لا يتحقق إلا بعد أن تبلغ القلوب الحناجر ويظن الرسل أنهم قد كذبوا فالإيمان كلمة لا تقال وقت الدعة والراحة حتى إذا تعرض لمحنة أو فتنة انقلب على وجهه إذ يقول تعالى :" {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10} " فكم من داعية تراجع عن دعوته وتركها عندما أشتد عليه الإيذاء أو لأنه لم يجد الثمرة المرجوة ولم يرى انتصار الإسلام بعينه وكم من داعية سقط أمام إغراءات الحياة وافتتن بالدنيا فتراه نشطا أيام شبابه فعندما يتزوج أو ينجب تراه ينشغل ويبرر انشاغله أنه يعمل فى أهله ويصلح فيهم نعم أنه واجب عليه لا يقوم به غيره لكن عليه أن يعالج هذه الشبهة داخل قلبه فتنة الدنيا ما كانت الدعوة يوما عائقا دون استمرار الحياة الطبيعية بل كانت بركة على أهلها وزكت نفوسهم وحفظتهم هم وأبناءهم من ابتلاءات وفتن كثيره يقع فيها غيرهم ممن ليسوا على الطريق وعليه أن يعلم أن للإيمان ثمناً يدفع وأمانة ثقيلة لا يصل إليها إلا بالصبرعلى مشاق الطريق والثقة فى نصر الله مهما طال الوقت والاستعلاء على الشهوات فعليه أن يلجأ إلى الله ليعصمه من الفتن ما ظهر منها وما بطن وليعلم أنه عندما يتولى عن الطريق سيجند الله لدينه من يدعو إليه فلم تنقص الدعوة بغيابه إنما هو الذى فقد أشياء كثيرة ببعده عن الطريق إذ يقول تعالى :" {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ( " 38} " [سورة محمد]
لا يخاف إلا الله :
قال تعالى :" { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا} ﴾ [ سورة الأحزاب: 39]
هذه سنة فى أصحاب الرسالات أنهم لا يخشون من قول الحق ولا يخشون من قوة ولا سلطان فيتحررون من هذه القيود نظرهم يكون لله وليس للخلق وقد آمن الله خوفهم كما قال لموسى :" يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ " النمل فإن الرسل موصولون بالله وكيف يخاف من اتصل بربه وهو الذى اصطفاهم له وامتحنهم بسلاسل الإبتلاء فأبلوا بلاءً حسناً وصبروا على ما كذبوا { {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} } وهذا هو موسى عليه السلام فى بداية الأمر يُلقى عصاه فإذا بها تتحول إلى ثعبان ف يفر هارباً ولكنه بعد سنوات من التربية الربانية نجده يقف أمام فرعون ويواجه الظلم بلاخوف ولا رهبة ولما لا وأن الله معه فى كل وقت إذ يقول تعالى " {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ (46)} " [سورة طه] كلمات طمأن بها نفس الرسول انه يرى ويسمع كل شىء فيقذف فى قلبه اليقين فإذا به يقول لقومه فى اللحظات الفارقة فى حياة بنى اسرائيل لحظة نجاتهم من فرعون "كلا إن معى ربى سيهدين" يقف بثبات وقوة استمدها من ربه فإن صاحب الحق تحركه العزة التى تهزم أى مخاوف انظر كيف وقف سحرة فرعون أمامه بعد ما رأوا الآيات و اشربت قلوبهم الإيمان ليقولوا كلمات خلدت ذكراهم فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة وضربوا أروع المثل فى الثبات أمام الظلم و" {فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} " [طه]
ولنا فى إبراهيم عليه السلام الأسوة الحسنة إذ تراه يجادل قومه ويقيم عليهم الحجة إذ يقول تعالى على لسان ابراهيم : :" {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81} " فكيف يخاف من عرف الله واتصل به وشعر بلذة قربه كيف يخاف ألهةعاجزة وهذه الألهة مقهورة ضعيفة أمام قدرة الله عزوجل فأصحاب الرسالة يدركون ذلك وأنهم يستمدون القوة من الله وحده لمواجهه الباطل فمن يخدم عند الله ويعمل لدينه لا يخاف إلا الله ولا يشعر بالأمن إلا بجواره وهو على يقين بأن كل قوة غير قوة الله ضعيفة وكل ملك غير ملكه زائل فينبغى أن يكون شعار الداعية الذى يحيا حياته لله "وكيف اخاف "فالأولى بالخوف هم أهل الباطل لأنهم وإن تمكنوا من كل شىء فلن يتمكنوا من الإيمان الذى يملأ قلب الداعية المخلص
بث روح الأمل والتفاؤل :
التفاؤل هو القوة النفسية التى يتحلى بها الداعية ليبث الأمل فى مجتمعه فبعد الناس عن ربهم وضعف إيمانهم يجعلهم عرضة لليأس والقنوط ويصبحوا أرضاً خصبة للشيطان الذى لا يترك صاحبه حتى يخرجه من الملة فإن لم يكن الداعية على ثقة تامة فى نصر الله ويقين أن المستقبل للإسلام كيف يبثه فى المدعوين ؟!
صحيح أن الأمة الآن مغلوبة وأن أهل الباطل فى استعلاء والتآمر على الإسلام بلغ الحد الأقصى وتنفق أموالاً طائلة من أجل تشويه صورة الإسلام مما يلقى بالمسئولية على الداعية أن يتمسك بالأمل الذى يجده فى آيات الله المسطورة فى القرآن إذ يقول تعالى :" {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} " [غافر] وقال أيضا " {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} " [ المجادلة: 21 ] ليثق فى موعود الله أنه الحق ويأخذ العبرة والعظة من حياة النبى وسيرته العطرة ما يدعو للتفاؤل فنجده يبشر سراقة بن مالك بسوارى كسرى وهو فى أشد لحظات المحنة فى رحلة الهجرة إلى المدينة وهو الذى خرج فى طلب النبى صلى الله عليه وسلم مقابل حفنة من المال
وفى غزوة الأحزاب ترى النبى صلى الله عليه وسلم يعمل مع الجيش فى حفر الخندق فينزل بمعوله على الصخرة فتتحطم ويقول الله أكبر فُتحت فارس كل هذا وأعداء الإسلام متحزبون ومجتمعون عليه دفعة واحدة فتشبث الجيش بالأمل الذى بثه فيهم القائد وفتح الله له بابا فى الغيب فرأى المستقبل لدين الله وعاشوا بهذا الامل حتى فتحت فارس والروم فى ظل خلافة راشدة فعلى الداعية أن يقوى صلته بالله ليمتلىء القلب يقينا بأن النصر للإسلام مهما طال الوقت ويسير على خطى رسول الله فى تبشر الأمة بالخير فقد ترك لنا ميراثاً من الأحاديث التى تبشر بالتمكين لدين الله حتى تقوم الساعة فعن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" {لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة} " [صحيح مسلم]
وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " {لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا اليَهُودَ، حتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وراءَهُ اليَهُودِيُّ: يا مُسْلِمُ، هذا يَهُودِيٌّ وَرائي فاقْتُلْهُ} " [البخارى]
هذه مبشرات أن هلاك أعداء الله سيكون على يد المؤمنين الصادقين الراكعين الساجدين كما بينت الآيات صفات من باعوا أنفسهم لله :" {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112 } " هؤلاء الذين استحقوا البشرى فى نهاية الآية .
وعليه فإنه مهما اشتد الظلام على الأمة وكثرت الابتلاءات فليس للداعية أن يحدثهم بقرب هلاكهم بل يحثهم على التوبة مهما عظمت الذنوب وليتأمل حديث النبى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" «إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم » ": [رواه مسلم] .
فقد توالت على الأمة نكبات تاريخية من غزو المغول لبلاد الشرق الأوسط إلى احتلال الصليبيين بيت المقدس من كان يتخيل أنهم سيرحلون بعد أن أمضوا أعوام من السلب والنهب وانتهاك الحرمات هزمتهم القوة الايمانية للشعوب المسلمة بعد أن قويت شوكتهم وأصبحوا يد واحدة فى مواجه أعداءهم ظهر منهم من يعيد للإسلام عزته كأمثال الظاهر بيبرس وصلاح الدين الأيوبى ومحمد الفاتح هؤلاء القادة تربوا على أيدى دعاه حق بثوا فيهم روح الأمل كأمثال العز بن عبد السلام وآق شمس الدين شيخ محمد الفاتح فصدقوهم وعملوا لهذا اليوم وقد يؤخر الله النصر لأن الأمة لم تستعد بعد له ولم تتجرد لله فإن النصر لم يكن يوما بعدة وعتاد إنما بمدى اتصال القلوب بالله عزوجل واستفراغها كل الأسباب
عليه فإننا نحتاج إلى دعاة أمل فى الأمة يأخذوا بأيدهم إلى نور اليقين والثقة بالله رغم ما يعصف بها من محن وابتلاءات
القدوة
إن الحاجة إلى القدوة هو أمر يشبع غريزة المحاكاة والتقليد لدى البشر فالأنسان بطبعه يندفع لمحاكاة من يعجب به ويتخذ منه قدوة له وبما أن الإسلام دين يخاطب الفطرة فنجده اتخذ من القدوة الحسنة وسيلة للتأثير فى الناس إذ يقول تعالى :" {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} ...." [الأحزاب] وقال تعالى " {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } " [الأنعام ] فالأنبياء ضربوا أروع المثل لمجتمعاتهم وأصحاب الرسالات من بعدهم أولى بأن يكونوا قدوة حسنة فى مجتمعاتهم فإن القدوة لها تأثير السحر فى المدعوين فإن حال رجل فى ألف رجل خير من كلمة ألف رجل لرجل ولنتذكر أن الدين انتشر بأخلاق المسلمين وأمانتهم وعفة نفوسهم عن الحرام على غير ما نجده اليوم من المنتسبين إلى المتدينبن يسيؤن إلى الإسلام بأفعالهم ولا يدرون أن عامة الناس تنظر إلى الإسلام من خلالهم ولا تفصل بين الدين والمتدينين فإن الداعية مهما عمل على توضيح منهج الإسلام للناس فلن يحقق نفس النتائج التى يحققها عندما يكون قدوة حسنة ونموذج صادق لتطبيق الإسلام وأن يوافق قوله عمله ونرى كيف فقه الانبياء ذلك فهذا هو نبى الله شعيب يقول لقومه :" {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ } " هود وقد يتسأل البعض فى تعجب لماذا نرى القدوة السيئة منتشرة فى الأرض ويفتح لها الأبواب؟ بينما القدوة الحسنة مضيق عليها ومغلق فى وجهها الأبواب ليكون هذا فتنة واختبار للناس ليعلم صدق إيمانهم هل سيتمسكون بالحق ويدافعون عن أهله؟ أم أن الحياة الدنيا ستفتنهم بزينتها ومظاهرها الخادعة و يصبحون عبيد للقدوة السيئة يقلدون افعالهم بدون تفكير فلينتبه كل صاحب دين غيور على دينه
وليحذر الداعية أن يكون ممن قال الله فيهم:" {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204 } " [البقرة ] يحسن القول بلسانه ويظهر التقوى والخشية والله مطلع على ما فى قلبه فليس فيه مكان للإيمان وهذا التناقض حتما سيظهر للناس لأن كل إناء ينضح بما هو فيه فلن يستمر الخداع فترة طويلة
فمن السهل أن تكون خطيبا مفوها تلقى محاضرة هنا وهناك أو تؤلف كتابا فى الدفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم ولكن كل ذلك يتحول إلى هباءا منثورا إذا لم يترجم إلى واقع ملموس يراه الناس باخلاقكك وتصرفاتك معهم ولنتامل هذه الاية :" { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33} "فلم يقل يدعو الى الله وفقط يدعو إلى الله وينسى نفسه إنما اثنى على من يدعو إلى الله ويعمل بما يدعو إليه ثم لا يتعالى على الناس ويستكبر عليهم فلا يقول لهم أنا خير منكم ولكن يدعو الله أن يكون من المسلمين المستسلمين لأمر الله عزوجل فتكون الدعوة حينها خالصة لوجه الله وليس للداعية حظ فيها
وتخيل معى هذا لمشهد المخيف يوم القيامة لكل صاحب دعوة لم يتطابق قوله عمله يؤتى به يوم القيامة ويكون هذا حاله كما جاء بالحديث :" يجاءُ بالرجُلِ يَوْمَ القيامَةِ فيُلْقَى في النارِ ، فتَنْذَلِقُ أقتابُهُ ، فيدورُ بها في النارِ ، كما يدورُ الحمارُ برحاهُ ، فيُطِيفُ بِهِ أهلُ النارِ ، فيقولونَ : يا فلانُ ! ما أصابَكَ ؟ ألم تكنْ تأمرُنا بالمعروفِ وتنهانا عنِ المنكَرِ ؟ فيقولُ : بلَى ، قَدْ كنتُ آمرُكُم بالمعروفِ ولَا آتِيهِ ، وأنهاكُم عَنِ المنكَرِ وآتِيهِ" فإذا كان فعل المعاصى وترك الطاعات يوجب العقاب عند الله فما بالك بمن يأمر بشىء ويعمل عكسه فيكون عقابه أشد عقاب على أعين الناس لأنه لم يعمل على تزكية نفسه قبل أن يخرج للناس ليزكيهم وقلبه مفتون بالدنيا مال ونساء ومنصب وجاه وفى النهاية على الداعية أن يسعى فى إصلاح نفسه أولا ولا يكن كالشمعة التى تحترق لتضىء طريق للآخرين
العلم :
إن الداعية هو أحوج الناس للتسلح بالعلم الشرعى والثقافة الإسلامية وتنمية المواهب التى تجعله يقف على أرض ثابتة فى دعوته وأن يطلع على قضايا الأمة وما يدور فى العالم أجمع ويربطه بالسنن الإلهية و أن يحفظ القرآن الكريم يستحب أن يختمه حتى يستطيع أن يستشهد به فى كل مناسبة وأن يعرف أسباب نزول الآيات ويبتعد عن الإسرائليات والتأويل المذموم لنصوص القرآن ويعرض عن الخلافات الفقهية ويحدث الناس بما يفهمون فلا داعي لعرض المذاهب الفقهية ورأى كل عالم مع الناس عامة حتى لا يتسبب ذلك فى فتنتهم فكم من داعية تحدث فأضل الناس لأنه على غير علم بما يقول أو ليس عنده علم بفقة الدعوة وأساليب التعامل مع النفوس البشرية
وعليه بدارسة السيرة النبوية وليستشهد بمواقف منها ما يؤيد به كلامه ودراسه الشبهات التى يطرحها المستشرقين حول آيات القرآن والسنة حتى يستطيع الرد عليها والدفاع عن الدين لأن كثير ممن يثيرون الشبهات ينطلقون من منطلق عدم علم الناس بأمور دينهم فيستغلوا هذه الجهل فى نشر الأباطيل
وأن يتجنب الأحاديث الموضوعة التى يستحيل أن تصدر عن رسول الله و تأتى بما يخالف العقل فتعطى ثواب كبير على كلمات بسيطة فينخدع الناس فى الدين ويظن أنه دين أقوال وليس أفعال .
وأن يكون مُلم بالتاريخ الإسلامى وأحوال الأمم السابقة ويربطه بالواقع وأن يأخذ العبرة من مواقف الرجال وتاريخ الأبطال كما يدرس جانب من العلوم الإنسانية ليعرف كيفية التعامل مع النفس الإنسانية وأنواعها واحتياجتها
وأن يكون على علم بوسائل التكنولوجيا الحديثة وكيفية التعامل معها حتى يفتح لنفسه أبواب دعوة مواكبة للعصر يستطيع أن يوصل علمه ودعوته إلى الناس فى بيوتهم فإن الفئة التى تأتى إلى المسجد هى التى قد فتح الله قلبها للهداية و تتلقى كلام الله بالسمع والطاعة فيسهل عليه دعوتهم أما باقى الناس فيحتاجون من يصل إليهم فى مواقعهم وبيوتهم ولا يكون ذلك إلا بمواقع التواصل الحديثة أو الذهاب إلى أماكنهم من نوادى ومقاهى وأسواق تجارية
وعليه أن يحرص على القراءة والإطلاع بصفة عامة وبحضور الدورات التى تصقله وإلا كيف يعطى الناس ويأخذ بأيديهم إلى الجنة وهو خالى الوفاض وليتذكر أن الله عندما اصطفى طالوت ملكا على قومه لم يصطفيه لكثرة مال وجاه إنما لمتانة علمه ولقوة بدنه فمن أراد أن يقود الناس إلى الحق فعليه أن يتسلح بالعلم النافع