الوزير المِعْوَل
أحمد بن محمد الحمزاوي
أَنَّى اتجهتَ إلى الإسلام في بلد * تجده كالطير مقصوصًا جناحاه.
قبل أيام قليلة ظهر مسؤولان من بلدين من أعظم بلدان المسلمين تاريخا، وحضارة، وعلما، وجهادا في سبيل نشر الإسلام، ونصرة الدين، ظهرا متفرقين يتحدثان في وسائل الإعلام، وكأن كل واحد منهما وزير في بلد لا يمت أهله إلى الإسلام بصلة، وكأن دستور بلديهما لا ينص على أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي لتلك الدولة:
أحدهما: مسؤول مصري، والآخر مغربي
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أَنَّى اتجهتَ إلى الإسلام في بلد * تجده كالطير مقصوصًا جناحاه.
قبل أيام قليلة ظهر مسؤولان من بلدين من أعظم بلدان المسلمين تاريخا، وحضارة، وعلما، وجهادا في سبيل نشر الإسلام، ونصرة الدين، ظهرا متفرقين يتحدثان في وسائل الإعلام، وكأن كل واحد منهما وزير في بلد لا يمت أهله إلى الإسلام بصلة، وكأن دستور بلديهما لا ينص على أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي لتلك الدولة:
أحدهما: مسؤول مصري، والآخر مغربي:
أما الوزير المصري فقد تبرم من الأذان الذي هو شعار الدولة المسلمة، واشتكى من ارتفاعه فوق المآذن؛ لأن ذلك مما يزعج السائحين - وأغلبهم من غير المسلمين، كما هو معروف - ويقلق راحتهم؛ لأنهم إنما أنفقوا من أموالهم من أجل راحتهم، ومتعتهم، ومجونهم، ليساهموا في اقتصاد البلاد، فالواجب على الدولة المسلمة أن توفر لهم كل ما يحتاجون إليه، ولو كان من كبائر المحرمات، وعظائم الموبقات، وأن تمنع كل ما يؤذي مشاعرهم الرقيقة، وتأباه مسامعهم الأنيقة، ولو كان الأذان، وقراءة القرآن، وقد يصل الأمر إلى المطالبة بإزالة ما لا ترضاه أعينهم من المساجد والجوامع، واللباس الشرعي، وغير ذلك، خشية عزوفهم عن القدوم، أو أن يقل عددهم، فتنخفض مداخيل السياحة، ويتأثر الاقتصاد، وتحل الفاقة، وينزل الفقر!
وكفى بموقف هذا الوزير دليلا على ما وصلت إليه الأمة من الذلة والهوان: أن يستوزر فيها مثله ممن يبيع بالرخص ما بذل الأجداد المجاهدون في تحصيله والمحافظة عليه، أنفسَهم، ودماءَهم، وأموالهم، وقديما قالوا: (تَمُوتُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا).
لكن أَلَا يجرح مشاعر هؤلاء السياح - يا معالي الوزير - ويؤذي أعينهم، حالة البنية التحية، ورؤية الطرق المحفرة، ووسائل النقل المهترئة، ومناظر ازدحام الركاب فيها، وركوب بعضهم بعضا، ومظاهر الفقر المدقع، وكثرة الفقراء، والمحتاجين والمعوزين، وانتشار المتسولين، وغلاء الأسعار، وانخفاض العملة، كما هو في البلدان الإسلامية، ألا يؤذيهم ذلك، فيحثكم على إصلاحه، ويدعوكم إلى إزالة ذلك أو التقليل منه، أم أن ذلك مما يروق السائحين، ويسر ناظرهم، فيكون من وسائل جلبهم، وتكثير أعدادهم؟!
وأما المسؤول المغربي: فإن من أعظم أهداف معاليه، وجليل أعماله: ضمان حرية المواطن في أن يتخذ ما يحلو له من الخليلات، ويتخذ ما يروق له من الأخدان، مثنى، وثلاث، ورباع، فإن لم يستطع فواحدة، وأن يمارسوا ما يشاؤون من أنواع الفواحش، ويرتكبوا ما يقدرون عليه من القاذورات، مع وجوب توفير الحماية لهم بحيث لا يحق لأحد أن يعترض سبيلهم، أو يقلق راحتهم، وهذا يشمل الآباء، والإخوان، والأعمام، والأخوال، فلا يحق لأب أن يعترض سبيل ابنته، ولا الأخ أن يسأل أخته، إلى أين أنت ذاهبة؟، ولا أين باتت؟، ولا مَن هذا الذي ترافقينه؟، ولا مِن أين أتيت؟.
لكن على الشباب أن يحتاطوا في ارتكابهم الرذيلة، وممارستهم الفاحشة (الزنى)، وأن يتخذوا من الإجراءات ما يلزم للوقاية من الحمل، فليس من المقبول، ولا من العدل والإنصاف أن يستمتع الشاب، ويقضي الليالي الملاح (يقصر)، ولا يتحمل مسؤولية ما قد ينتج عن تلك العلاقة من أطفال، يجب عليه أن يتحمل المسؤولية.
ولأن ما يقض مضجع معاليه، ويشغل أوقاته الثمينة، هو التفكير في أولئك الأطفال؛ لأنهم مغاربة - يا للهول - ينبغي الاهتمام بهم، ولأن لهم حقوقا تجب المحافظة عليها، ومراعاتها، فإن معاليه يحث، ويحض الشباب على أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع (الولادة)، وإلا فإن وزارته قد أعدت عقوبات شديدة لمن لم يحتط، تتمثل في أن ينفق على الطفل الذي يثبت أنه منه حتى يبلغ واحدا وعشرين عاما.
لكن تبقى مشكلة إثبات النسب، وهي مشكلة لا يستطيع، لزهده وورعه – زاده الله تقوى وقوة إيمان - البتَّ فيها؛ لأنها مسألة دينية، تحتاج إلى فتوى من الفقهاء، قال: لأنه لا يحلل ولا يحرم ...الخ.
ولم يبق إلا أن تذرف عيناه الدمع خشوعا، وخشية، لكن فات معاليه أن يطلع المغاربة على الفتوى الفقهية التي أباح بها كل الوسائل والمقدمات والذرائع التي أدت وأفضت إلى مشكلة وجود أطفال غير شرعيين، بدءا من التبرج والاختلاط، وضمان حرية اتخاذ الخليلات والأخدان، وحماية ذلك، والسماح بالعلاقة غير الشرعية مع اتخاذ الاحتياطات، وإيجاب النفقة على من لم يتخذ تلك الاحتياطات؛ لأن هذه كلها مسائل شرعية، وقضايا دينية، إلا أن يكون لمعاليه اجتهاد خاص به يقضي أن تلك المسائل ليست من الدين، أو أنها من المعلوم ضرورة جوازها، فلا تحتاج إلى فتوى فقهية.
وهذا المسؤول يتحدث في هذه الأمور العظيمة، والقضايا الجسيمة التي تتعلق بأهم ما يُكَوِّنُ شخصية المواطن المغربي المسلم، وإنسانيته، وهي: دينه، وعرضه، وشرفه، وهي المبادئ التي عليها يحيى، وعليها يموت، يتحدث عنها المسؤول بأسلوب مهرج فاشل في مسرح كوميدي، أو في ساحة جامع الفنا؛ أسلوب لا يليق أبدا بأي حال من الأحوال برجل في إدارة من الإدارات، فضلا عن أن يكون رجل دولة وسياسية، كل ذلك من أجل إضحاك الحاضرين، وانتزاع تصفيقهم، فالرجل أظهر نفسه في صورة الجاهل جهلا مركبا عن خطورة ما يتحدث عنه، أو أنه لم يكن في كامل قواه العقلية، مما يجعله رقعة سوداء في حكومة تمثل دولة الأشراف، والعلماء، والصلحاء، وحفظة القرآن الكريم.
ولا يخفى على عاقل - بله عالم فاضل - أن ما قاله هذا الرجل مصادم للعقل، مناقض للدين والشرع:
أما مصادمته للعقل، فإن من البدهي، المسلم به، أن كل فعل أوعمل يؤدي إلى جريمة من الجرائم، فإنه يجب تجريمه، وحظره، ومنعه؛ سدا للطرق المؤدية إلى تلك الجريمة، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، ولا يتنازع فيه عاقلان، وكل القوانين في جميع الدنيا تعمل بهذا المنطلق العقلي، فإن أكثر المحظورات والممنوعات في القوانين الدولية لم تُمنَع ولم تُحظَر، إلا لكونها وسيلةً، وذريعة إلى الجرائم المقصودِ حمايةُ البلاد والعباد منها، حتى جُعل كثيرٌ من تلك الوسائل جريمةً في ذاته؛ لتحقق إفضائه إلى الجريمة الأصلية، فانظر إلى تحريم المخدرات، والمسكرات، واقتناء الأسلحة الخطيرة، والسرعة المفرطة في قانون السير، وغير ذلك، تجده مبنيا على هذه القاعدة، ومؤسسا على هذا الأصل.
أما عَدُّ فعل من الأفعال جريمةً يعاقب عليها القانون، مع فتح كل الأبواب، وإتاحة كل السبل والذرائع والأسباب المؤدية إليه بيقين، لا بغلبة الظن، بل والتشجيع عليها، وحماية سالكيها، فإن هذا مناف للعقل، مصادم للفطرة، ولا يفعله أبدا من يريد الإصلاح، ومعالجة المشكلات، ويبعد جدا أن يغيب عن مسؤول كبير له مستشارون وأعوان ومساعدون مثلُ هذا، فلا يبقى إلا الشك في جديته في محاربة تلك الجريمة، وحماية المجتمع من شرورها، وأن المقصود بالأصالة - والمعاصرة - هو رفع القيود عن مقدمات تلك الجريمة وأسبابها مما يفضي بالضرورة إلى شيوعها، وانتشارها، لا إلى درئها والتقليل منها.
ومن ذلك قضية وجود أطفال غير شرعيين، فإن الوسيلة الوحيدة المفضية إليها بيقين، هي العلاقة غير الشرعية (الزنى)، لا شك في ذلك، ولا مرية، وإذ ذاك كذلك، فإن العقل يوجب تجريم الزنى، وإعطاءه نفس حكم الجريمة، وسد كل الأسباب والذرائع المفضية إليه، ومعاقبة من يسلكها، والتضييق على مرتاديها، منعا لوقوع الجريمة، ووقايةً من حدوثها؛ فإن درهم وقاية خير من قنطار علاج.
أما تجريم التسبب بوجود أطفال غير شرعيين، وإيجاد عقوبات عليه، مع فتح كل الأبواب المؤدية إليه، وعدم تجريم السبب الوحيد المؤدي إليه، وهو العلاقة غير الشرعية، فإن ذلك أقرب إلى العبث منه إلى الجد، بل إنه يبعث على الشك في أن المقصود بالذات هو إزالة الحرج عن ممارسة الرذيلة، ومقدماتها، والتشجيع على ذلك، وأن مسألة الأطفال غير الشرعيين هي مسألة لذر الرماد في العيون؛ لأن من المسلم به في بداهة العقول أنه بذلك تتعاظم تلكم مشكلة، ويتضاعف أعداد الأطفال غير الشرعيين، وتنتشر أجساد الأجنة في صناديق القمامة، وعلى أعتاب المساجد والجوامع، فإذا كانت هذه المشكلة موجودة من ذي قبل مع تجريم العلاقة غير الشرعية، ومحاسبة القانون عليها ظاهرا، فكيف ستكون إذا فتحت كل الأبواب المؤدية إليها، وفي مقدمتها العلاقة غير الشرعية، وتَيَسَّر أمر الزنى، وتَحصَّن الزناة والمفسدون بالقانون من المتابعة والملاحقة، مع انتشار الجهل بعواقب الجريمة، وعدم المعرفة بأسباب الوقاية، وتفشي الفقر في كثير من النساء والفتيات، مما يسهل على عديمي الدين والشرف والمروءة افتراسهن؟ فبأي عقول تفكرون؟، ما لكم كيف تحكمون؟.
وأما مضادته للدين، فإن من المعلوم من الدين بالضرورة أن الله - عز وجل - حرم الزنى لذاته، وحرم الوسائل المؤدية إليه، فقال - تعالى -: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
فقوله – تعالى -: {ولا تقربوا الزنى}، أبلغ من أن يقول: (ولا تزنوا)؛ فَإِنَّ معناه: لا تدنوا من الزنى، قاله القرطبي، وقال أبو جعفر الغرناطي في ملاك التأويل (1/ 62): (إن النهي عن مقاربة الشيء عنوان على تأكيد التحريم وتغليظه). وقد اشتمل النهيُ عن قربه، والمنعُ من دنوه، على النهي عن الوسائل المفضية إليه، والزجر عن مباديه، قال البيضاوي: ({لا تَقْرَبُوا الزِّنى} بالعزم والإِتيان بالمقدمات، فضلاً عن أن تباشروه. {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً} فعلة ظاهرة القبح زائدته. {وَساءَ سَبِيلًا}، وبئس طريقاً طريقه، وهو الغصب على الأبضاع المؤدي إلى قطع الأنساب، وهيج الفتن)، وقال النسفي: (وهو نهي عن دواعي الزنا كالمس والقبلة ونحوهما، ولو أريد النهي عن نفس الزنا لقال: ولا تزنوا)، وقال أبو السعود: ({ولا تقربوا الزنى} بمباشرة مباديه القريبةِ أو البعيدة، فضلاً عن مباشرته، وإنما نهى عن قُربانه على خلاف ما سبق ولحِق من القتل؛ للمبالغةِ في النَّهيِ عن نفسه؛ ولأن قربانه داعٍ إلى مباشرته. وتوسيط النهي عنه بين النهي عن قتل الأولادِ والنهي عن قتل النفسِ المحرمة على الإطلاق باعتبار أنه قتلٌ للأولاد لما أنه تضييعٌ للأنساب؛ فإن من لم يثبُتْ نسبُه ميِّتٌ حكماً).
فتبين مما تقدم أن ما يسعى إليه هذا المسؤول لا يمت إلى العقل والدين، ولا إلى الحس القانوني بصلة، بل هو إفسادٌ للدين، وهدمٌ للمنظومة الأخلاقية، وتدميرٌ للقيم والمبادئ الاجتماعية، وإشاعةٌ للفاحشة في المغاربة، وتهديدٌ للسلم والأمن الوطنيين، مما يوجب على كل مؤسسات الدولة أن تقف في وجهه، حفاظا على هذا الوطن الغالي، وحماية لأمنه واستقراره.
وليس الأمر مقصورا - كما قد يتبادر إلى الذهن - على المؤسسات الدينية، كوزارة الأوقاف، والمجالس العلمية، والأئمة والخطباء، والكتاب والمفكرين، والمحامين، والإعلاميين الأحرار؛ فإن عواقب ما يسعى إليه هذا الوزير تطال كل مكونات الدولة؛ فالرجل لا يرى في العلاقة غير الشرعية (الزنى) من حرج ولا ضرر، إذا اجتنبت الولادة، وقد علم الخاصة والعامة أن هذا الفعل الشنيع تترتب عليه أضرار جسام، ومخاطر عظام؛ فقد وَصَفَ الله الزِّنَا في الآية السابقة (بِصِفَاتٍ ثَلَاثٍ: كَوْنِهِ فَاحِشَةً، وَمَقْتًا فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَساءَ سَبِيلًا:
أَمَّا كَوْنُهُ فَاحِشَةً فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى اشْتِمَالِهِ عَلَى فَسَادِ الْأَنْسَابِ الْمُوجِبَةِ لِخَرَابِ الْعَالَمِ، وَإِلَى اشْتِمَالِهِ عَلَى التَّقَاتُلِ وَالتَّوَاثُبِ عَلَى الْفُرُوجِ، وَهُوَ - أَيْضًا - يُوجِبُ خَرَابَ الْعَالَمِ.
وَأَمَّا الْمَقْتُ: فَإن نَّ الزَّانِيَةَ تَصِيرُ مَمْقُوتَةً مَكْرُوهَةً، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ حُصُولِ السَّكَنِ وَالِازْدِوَاجِ، وَأَنْ لَا يَعْتَمِدَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ مُهِمَّاتِهِ وَمَصَالِحِهِ.
وَأَمَّا أَنَّهُ سَاءَ سَبِيلًا، فَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ فِي عَدَمِ اخْتِصَاصِ الذُّكْرَانِ بِالْإِنَاثِ، وَأَيْضًا يَبْقَى ذُلُّ هَذَا الْعَمَلِ وَعَيْبُهُ وَعَارُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مَجْبُورًا بِشَيْءٍ مِنَ الْمَنَافِعِ). مفاتيح الغيب للرازي، بتصرف يسير (20/ 332).
فوزارة الصحة، وكذلك الأطباء معنيون بالاعتراض على هذا التوجه الهدام، من جهة النظر في أضراره الصحية، كانتشار الأمراض، والأوبئة، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا) رواه ابن ماجه رقم 4019. فإذا انضاف إلى ذلك انتشار الجهل المركب بوسائل الوقاية منها، والتحرز من نشرها بين المواطنين، وعدم القدرة على التداوي من جهة الفقر والحاجة، فقد اكتملت أسباب انتشار كل أنواع الأمراض الجنسية وغيرها.
ومنظماتُ العمل الاجتماعي معنية بهذه القضية، من جهة ما تفضي إليه من التفكك الأسري، وتفشي المشكلات الاجتماعية، ومن أخطرها: انتشار الخيانة الزوجية؛ وتعاظم حالات الإجهاض، وهذان الأمران لازمان لزوما ضروريا لتصريحات هذا المسؤول الذي يعيث في ثوابت الأمة فسادا:
أما انتشار الخيانة الزوجية فلأنه، إذا كانت المشكلة في (الزنى) عنده هي الولادة، فإن إغواء ذوات الأزواج، وإفسادهن، أسهل وآمن؛ لانتفاء مشكلة الأطفال غير الشرعيين ظاهريا في هذه الحالة، مع ما يصاحب ذلك من عدم تجريم الخيانة الزوجية، وبذلك تكتمل كل أركان الجريمة، وشروطها، وإنما قلت: إن المشكلة منتفية ظاهريا؛ لأنها موجودة حقيقة في أشنع صورها، وأقبح مظاهرها في الخيانة الزوجية؛ مع فيها من اختلاط الأنساب، وما يترتب عليه من عظائم الأمور، مما هو معروف مشهور.
وأما تعاظم حالات الإجهاض، فلأنه الحل الوحيد أمام الزاني والزانية، كما لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل، أو فهم.
بل إن المنظمات النسوية التي ملأت الدنيا صراخا، وعويلا بالمناداة بحقوق المرأة، والمحافظة على كرامتها؛ يجب عليها أن تحارب هذه التوجهات الفاسدة المفسدة، فإنه لا شيء أذهب بكرامة المرأة، ولا أكثر إذلالا لشرفها، ولا أطعن في إنسانيتها، من جعل جسدها الذي كرمه الله – تعالى – سلعة رخيصة في يد شرذمة من الرجال ممن لا دين لهم ولا خلاق، يستمتعون بها استمتاع البهائم، ويتخذونها مراحض يفرغون فيها شهواتهم البهيمية، ويعرضونها لشتى الأمراض والأوبئة، مع ما يلازمها من الذل والعار، وما يصاحبها من الخزي والشنار، حتى إذا حصل حمل من هذه الجريمة النكراء عرضوها للإجهاض، وما يترتب عليه من الأخطار.
ومن أخطر الجوانب التي يزعزعها توجهُ هذا الوزير جانبُ الأمن والاستقرار – كما لا يخفى على عاقل – فإن طبيعة الرجل المغربي المسلم شدة غيرته على محارمه، وحرصه على عرضه وشرفه اللذين يراهما أغلى من روحه وماله، فإذا كان هذا المواطن الذي هذا طبعه، وهذه وسجيته، لا يجد في القوانين ما يحمي شرفه، ويحفظ عرضه وكرامته، بل يجد فيها ما يشجع على هتكها، ويحمي منتهكيها، فلا تسأل بعد ذلك عما يمكن أن يفعله مما لا تحمد عقباه على الأمن والاستقرار.
نسأل الله – تعالى – أن يقي بلادنا، وسائر بلاد المسلمين، شرور الفتن ما ظهر منها، وما بطن، وأن يحفظ لها دينها، وعرضها، وشرفها، وأن يرد كيد من أرادها بسوء في نحره. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.