بعض فضائل مصر
محمد سيد حسين عبد الواحد
جبال مصر مذكورة في القرآن الكريم ، وديان مصر مذكورة في القرآن، بساتين مصر مذكورة، عيون مصر وأرضها وأنهارها مذكورة
- التصنيفات: التاريخ والقصص -
ماذا قدمت مصر للبشرية ؟؟؟
أيها الإخوة الكرام: جرت سنة الله عز وجل أن يفضل بعض خلقه على بعض، فبعض الأنبياء أفضل، وبعض الملائكة أفضل، وبعض المؤمنين أفضل...
{﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍ ۚ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ ۗ ﴾ } ومن الشهور ما هو أفضل، ومن الأيام والليالي والساعات والأوقات ما هو أفضل..
فعَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «" إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ "» .
ومن مواضع الأرض ما هو أفضل..
أم القرى مكة.. حرم إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام وهى من غيرها أفضل..
المدينة المنورة.. حرم النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وهى من غيرها أفضل..
بلاد الشام: حيث الفئة المنصورة الذين لا يضرهم من عاداهم ولا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة وهى من غيرهم أفضل..
تبقى أم البلاد وغوث العباد بلدنا مصر.. كنانة الله في أرضه وهى من غيرها أفضل..
وإن كنا من أهل مصر فلا نؤاخذ بمحبتها، والحديث عنها، وعن عظمتها وبركتها..
جبال مصر مذكورة في القرآن الكريم ، وديان مصر مذكورة في القرآن، بساتين مصر مذكورة، عيون مصر وأرضها وأنهارها مذكورة، وفي القرآن مذكور أمن مصر وأمانها، تكلم الخالق العظيم سبحانه وتعالى عن مصر صراحة وكناية وتوصيفا وتكريما في قرآن يتلى إلى قيام الساعة في أكثر من ثلاثين موضعا..
منها هذه الآية: { ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُوا۟ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ ﴾ }
ومنها هذه الآيات: {﴿ وَهَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ ﴾ } ﴿ { إِذْ رَءَا نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوٓا۟ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى} ﴾﴿ {فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِىَ يَٰمُوسَىٰٓ } ﴾﴿ {إِنِّىٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } ﴾ ﴿ {وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰٓ} ﴾﴿ { إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ } ﴾
في فريدة من الفرائد، وفي سابقة لم تحصل، ولن تحصل، لبلد من بلاد الدنيا إلا لمصر تجلى الخالق العظيم سبحانه وتعالى بوجهه الكريم على بقعة من الأرض بحضرة نبي كريم من أولي العزم من الرسل..
أما النبي: فهو سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام..
أما الجبل فهو: جبل الطور بسيناء مصر قال الله تعالى ﴿ {وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ} ﴾
تجلى رب العالمين سبحانه وتعالى بوجهه الكريم ( بلا حجاب) على جبل الطور بأرض سيناء، (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ)
وفي ربوع مصر نزل جبريل عليه السلام بوحي السماء على إدريس عليه السلام، على إبراهيم عليه السلام، على يعقوب عليه السلام، على يوسف عليه السلام، على موسى، على هارون، على عيسى بن مريم عليهم جميعا وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام..
﴿ { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَٱجْعَلُوا۟ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ﴾
وإذا كنا اليوم نتسائل عما قدمه أهل مصر للعالم..
فلن نتكلم عن أن أول من خط بالقلم كان مصريا.. وهو سيدنا إدريس عليه السلام..
ولن نتكلم عن القرآن الكريم الذي نزل في مكة وتم تفسيره ووتأسست علومه على أرض مصر..
ولن نتحدث عن مصر التي استقبلت ورحبت آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ولن نتكلم عن المصري القديم الذي قسم شهور السنة إلى أربع شهور زراعية ووجعل للزراعة مواسم وللري مواسم وللجفاف مواسم وعلم العالم تخزين الحب من عام إلى عام..
ولن نتحدث عن فن العمارة الذي أبهر المصريون به العالم إلى هذه الساعة..
ولن نتحدث عن الطب ولا عن الهندسة ولا عن الصيدلة التي تعلمها العالم من المصري القديم.. لن نتحدث عن شيئ من ذلك وحسبنا أن نقف مع رجل من أهل مصر يقال له ( ذو القرنين) الذي ورد ذكره في سورة الكهف..
وكيف خدم العالم وكيف كان سببا في هداية الناس وكيف كان سببا في أن يعلم الناس ما لم يكونوا يعلمون..
اختلف في ( ذي القرنين) فقيل كان نبيا، وقيل كان ملكا من ( الملائكة) وقيل كان رجلا مؤمنا موحدا صالحا ملك الدنيا مشارقها ومغاربها..
قيل كان ( ذو القرنين) من ملوك اليمن، وقيل كان ذو القرنين مصريا مؤمنا موحدا صالحا واسمه ( مرزبان بن مردبة) يرجع نسبه إلى ( يافث بن نوح عليه السلام) وقد مكن الله له في الأرض وأعطاه أسباب القوة من العلم والصحة والعلم والمال..
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : ( سخر الله له السحاب ، ومد له الأسباب ، وبسط له في النور ، فكان الليل والنهار عليه سواء ) فسخر ذو القرنين هذه القوى في خدمة البشر..
وقد سجل القرآن الكريم ذكر ( ذي القرنين) وخلد خدماته على البشرية جمعاء في قرآن يتلى على المنابر والمنائر إلى أن تقوم الساعة..
أما الخدمة الأولى التي قدمها ذو القرنين للبشرية :
فكانت حين سار في الأرض إلى أبعد مكان جهة الغرب فوجد عندها قوما فخدمهم خدمة العمر حين دعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد فمنهم من آمن ومنهم من كفر ففوضه الله فيهم يعذب من يشاء ويعفو عمن يشاء فأرسى قواعد العدل وسنه بين الناس ونشره فيما بينهم
قال الله تعالى ﴿ {وَيَسْـَٔلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُوا۟ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا } ﴾﴿ { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِى ٱلْأَرْضِ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا ﴾ ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا} ﴾﴿ { حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} ﴾ ﴿ { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُۥ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِۦ فَيُعَذِّبُهُۥ عَذَابًا نُّكْرًا ﴾ ﴿ وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا } ﴾
وأما الخدمة الثانية :
فهى أن ذا القرنين طاف الأرض حتى بلغ مطلع الشمس فرأى عندها قوما حفاة عراة لا يسترهم من حر الشمس شيئ ثم إنهم لا يسكنون بيوتا وإنما يسكنون مغارات وكهوف يحتمون بها من حر الشمس نهارا فإذا غابت الشمس خرجوا يرعون ويأكلون العشب كما تأكل الأنعام فليس عندهم بناء ولا زرع..
فأخرجهم ذو القرنين من المغارات فعلمهم صناعة الثياب وزراعة الأرض وبناء البيوت فخدمهم بذلك ونصح لهم..
﴿ { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا } ﴾﴿ {حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا} ﴾ ﴿ {كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا } ﴾
وأما الخدمة الأعظم والأكرم والأبقى والتي استمر نفعها واستدام خيرها إلى يومنا هذا وإلى قرب قيام الساعة فهى الخدمة الثالثة:
وهى بنا السد الذي حال بين الناس وبين فساد يأجوج ومأجوج..
ولولا لطف الله تعالى وهذا السد لأكل يأجوج ومأجوج الأخضر واليابس، ولأفسدوا الدنيا وما عليها..
{﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾} {﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ ٱلسَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ﴾} {﴿ قَالُوا۟ يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰٓ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾} {﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾} { ﴿ ءَاتُونِى زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُوا۟ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارًا قَالَ ءَاتُونِىٓ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾} {﴿ فَمَا ٱسْطَٰعُوٓا۟ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَٰعُوا۟ لَهُۥ نَقْبًا ﴾} {﴿ قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّى ۖ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُۥ دَكَّآءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقًّا ﴾} ..
الشاهد: بيان أن مصر هى أم البلاد وهى غوث العباد، وأن أهل مصر على مر الزمان أهل كرم..
من استطاع منهم أن ينفع الناس نفعهم وما ذو القرنين ( مرزبان بن مردبة) المصري المؤمن الموحد الصالح إلا مثل من الأمثلة..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظنا بحفظه وأن يرحمنا بواسع رحمته إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث أن نقول:
بقيت لنا في ختام الحديث رسالة تقول لكل مسلم ( مت فارغا)
أبذل كل الخير الذي في قلبك، لا تحبس من الخير شيئا..
( مت فارغا) تعبير بليغ قد يكون المراد منه مت فارغاً أي: من هموم الدنيا، وآلامها، أو مت فارغا من المعاصي والآثام..
أو (مت فارغاً) أي: من كل الخير الذي في داخلك، سلّمه للناس قبل أن تخرج من الدنيا..
إذا كنت تملك فكرةً جيدةً عجل بها ونفَّذها، إذا كنت تملك علماً نافعاً لا تكتمه وبلّغه، إذا كنت تحمل في قلبك حباً مشروعاً وزعه، ولا تكتم الخير داخلك، لا تحبس العلم، فتموتَ ممتلأً متخوماً، وتكون لقمةً سائغةً لدود الأرض !.
قلت: وأبلغ من كل هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قامت الساعة وفِي يد أحدكم فسيلةً فليزرعها".
كيف يا رسول الله نزرع النبتة والقيامة قامت !؟
إنما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نموت ونحن فارغين، نعيش كل يوم كأنه آخر يوم، نعطي كل ما نملك، نبذل من الطاقة أقصاها، ومن العمل أفضله، ومن الإبداع أروعه، أن نكون ملهمين، فرحين، متفائلين، نسعى لأن نكون فارغين من كل ما نستطيع تقديمه من خير ونفع للناس، حتى تسمو أرواحنا وتحلّق عالياً.
أعتقد أننا جميعاً نزن آلاف الأطنان من الخير والعطاء، وعندنا من البذل والإبداع، لم نعط منه إلا القليل..
فكم أتمنى أن نُشمّر ونبدأ بالسباق؛ لنعطي ونستخرج كل ذرة خير
من داخلنا فخير الناس أنفعهم للناس كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم .. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها.. آمين.