من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الغزو الفكري)
تسلَّطت على المسلمين تيارات متعددة الأشكال والأساليب والوسائل، يأتي في مقدمتها الاحتلال العسكري لمعظم بلاد المسلمين.
- التصنيفات: الغزو الفكري -
في فترة من فترات انحطاط المسلمين وفي فترة من فترات الابتعاد التي أعقبت الحروب الصليبية بزمن، تسلَّطت على المسلمين تيارات متعددة الأشكال والأساليب والوسائل، يأتي في مقدمتها الاحتلال العسكري لمعظم بلاد المسلمين.
مهَّد هذا الاحتلال لبقية التيارات الأخرى التي يمكن أن تحصر في أربعة تيارات عدا الاحتلال، وهي: التنصير والاستشراق والتغريب والصهيونية، وداخل كل تيار من هذه التيارات الخمسة تيارات فرعية تكون موجَّهة إلى مفهوم من المفهومات الإسلامية، أو إلى فئة من الفئات المسلمة، أو أرض من أراضي المسلمين،وقد سبق التعرض لهذه التيارات على أنها من محددات العلاقة بين الشرق والغرب.
قد يضيف البعض تيارًا سادسًا يدعونه بالغزو الفكري[1]، ولكن هذا التيار لا يعدو أن يكون داخلًا في التيارات الأربعة سالفة الذكر، مع أن هناك بيننا من يقول: إنه ليس هناك ما يسمى بالغزو الفكري، فالفكر مبسوط للعالم، لك أن تأخذه أو تأخذ منه، ولك أن تتركه أو تترك منه، ويبدو أن هذا المنطلق لا يعدو أن يكون تأثرًا من قائله بالأفكار الغربية عن المجتمع المسلم، جاء بها من منطلق ما يتردد من حرية الفكر وحرية الكلمة وحرية الرأي دونما ضابط دقيق لهذه الإطلاقات أو هذه المصطلحات.
هذا التحدي الذي يواجهه المسلمون اليوم من هذه التيارات لم يكن جديدًا على المسلمين؛ فالصراع بين الحق والباطل والصراع بين الخير والشر مستمرٌّ وقائم، وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يستمر هذا الصراع.
يجتمع معظم دعاة هذه التيارات من منصِّرين ومحتلين ومستشرقين ومتغربين، بل وصهيونيين، في أنهم إذا عرفوا الحق اتبعوه، ومنهم المعاندون المصرون على عنادهم، والمكابرون المصرون على مكابرتهم، ولكن منهم من هداهم الله تعالى إلى الحق، فتركوا الدعوة إلى الباطل وانتصروا للحق، وصاروا حربًا على التيارات التي كانوا يقودونها في زمن الجهل والضلال، وقد تقابل أكثر من حال كان أصحابها دعاةً للباطل، فأصبحوا - بفضل من هداية الله تعالى - دعاةً للحق، منصرفين إليه بقوة؛ لأن حالهم تقول: إنهم يرغبون في التكفير عما قاموا به من ضلالة وإضلال.
من هنا ينبغي الوضوح في العلاقة مع أفراد هذه التيارات، ولا شك أن التعاون معهم مرفوض، من منطلق النصوص الشرعية: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وليس التعامل معهم بالضرورة تعاونًا على العدوان، إذا ما أريد له أن يكون محاولات جادة لإظهار الحق لهم؛ رغبة في هدايتهم، أو على أقل التقدير رغبة في اتقاء شرهم.
هناك نقاشٌ حول مسألة الحوار مع أرباب هذه التيارات، وهناك آراء حول جواز هذا الحوار أو عدم جوازه، وليس الباحث من مصاف المشرعين من علماء الأمة، ولا يخضع الأمر لوجهات النظر الفردية؛ فالدِّين لا يؤخذ بوجهات النظر، ولكنه يعتمد على النصوص، وعلى مصادر التشريع الإسلامي الأخرى، ومنها القياس،والحذر الآن من الحوار قد يكون مرده عدم القدرة على الإمساك بزمام الحوار، وترك المجال للطرف الآخر ليسيطر عليه، لا سيما أنه الآن ينظر من علو، وأنه هو الغالب فينتظر اتباع المغلوب له.
تلك مشكلة إدراكية رانت على أذهان بعض من أبناء الأمة وبناتها، فرفضوا الحوار خوفًا منه، وخوفًا على أنفسهم من الآخر، وكأنهم لا يملِكون أقوى مقوم للحوار تبناه أسلافهم، فخاضوا غمار الحوار، وانتصر الحق في النهاية.
[1] انظر: أحمد عبدالرحيم السايح - في الغزو الفكري - مرجع سابق - ص 157، وانظر أيضًا: نذير حمدان،في الغزو الفكري: المفهوم - الوسائل - المحاولات - الطائف: مكتبة الصديق، د.ت - ص 375، وانظر كذلك: علي عبدالحليم محمود، الغزو الفكري وأثره على المجتمع المسلم - ط 3 - القاهرة: دار المنار الحديثة، 1410هـ/ 1989م - ص 208، وانظر كذلك: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام - الرياض: الجامعة، 1414هـ/ 1984م - ص 523.
____________________________________________________
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة