موعظة في الزهد في الدنيا

سَيَصْحُو السَّكرانُ من سُكْره، حِينَ لا يُمْكِنِهُ تَلافي أَمْرهْ وَسَيْندَمُ المضيع على تَضْييعه، إِذَا قَابلَهُ أَمْر صَنِيعهْ، وَسَيُقْصرُ الأَمَلَ من أمله وقْتَ هجُومِ أجَله، وتعذر الزيادة في عَمَله، والخروج من بين مالهِ وَأَهْلِهْ.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

عباد الله سَيَصْحُو السَّكرانُ من سُكْره، حِينَ لا يُمْكِنِهُ تَلافي أَمْرهْ وَسَيْندَمُ المضيع على تَضْييعه، إِذَا قَابلَهُ أَمْر صَنِيعهْ، وَسَيُقْصرُ الأَمَلَ من أمله وقْتَ هجُومِ أجَله، وتعذر الزيادة في عَمَله، والخروج من بين مالهِ وَأَهْلِهْ.

 

هُنَالِكَ يَستحَيلُ حُلْوُ العيش مُرًا وَيَنْقَلبُ عُرْفُ الأمر نُكْرًا، ويَعْلمِ جَامِعُ الحطام الذِي أَضَاعِ بِهِ أَوْقَاتَهُ أن الباقيات الصالحات أَبْقَى ذِكرَا وأنفعُ ذُخْرَا، ليس في ظل الدنيا مقيل ولا على هَذِهِ الحياةِ تَعويلِ.


كَيْفَ يطمعُ عاقِلٌ في الإقامة بدار الرحيل، كيف يَضحَك من هو مَحْفُوفَ بمُوجبات البُكاء والعَويل، أسْمَعَنا النَّاصِحُ فَتَصَامَمْنَا، وَأيْقَظَتْنَا الغيَرُ فَتَنَاومْنَا، وَرَضِينَا بَالْحَياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخرِة، واشْتَرَيْنَا مَا يَفْنَى بِمَا يَبْقَى فَتِلْكَ إِذًا صفقَةٌ خَاسِرَة.


أَيْنَ الآذَانُ الْواعِية، أيْنَ الأعْيُنُ البَاكِية، قَوْلٌ بلا فِعَال وأمْرٌ بلا امتثال رُسُلُ مَلَكِ الموت في كُل نَفَس تَدْنُوا إلى أنْفُسِنَا وأجْسَادُ أَحِبَّتِنَا تحتَ أطباق الثرى هَامدة.

 

قد أو حَشَتْ منهم دِيَارُهُمْ، وَدَرَسَتَ رُسُومُهَم وآثارُهم، وتقطعت بالبلاء أوَصالُهم، وَمَحَتْ أَيْدِي الحَوادثِ والقُبور مَحَاسِنَ تِلكَ الصُّورَ، وأطْبَقُت عَليهم ظلَماتُ تِلْكَ الحُفَر.

 

فلا شَمس فيها ولا نُور ولا قَمر، ونَحْنُ عَمَّا قَريب إلى مَا صاروا إليه صائرون، وبالكأس الذي شربوا منه شارِبُون ثم مع هذا اليقين إلى دار الغرور راكنون.

 

طُوبَى لِمَنْ فِي مَراضي رَبِّه رَغَبَا   **   وَعَنْ مَصَارِعِ أهلِ اللَّهْو قَدْ هَرَبَــا 

قَدْ وَطَّنَ النفسَ أنَّ اللهَ سَائلُــــهُ   **   فَفَرَّ مِنْهُ إِلَيْهِ مُهِيبًا هَرَبَــــــــــــــا 

وَللتُقَى مَرْكَبٌ يَنْجُو برَاكِبِــــــــهِ   **   فَيَا نَجَاةَ الذي مَعْ أَهْلِهِ رَكَبَــــــــا 

وَلِلْهُدَى رُفْقَةٌ فَاسْعَدْ بِصُحْبَتِهْــمِ   **   فَيَا سَعَادَةَ مَن أَهلَ الهدُى صَحَبَا 

لِلَّهِ دُرُّ عِبَادٍ قُرْبَهُ طَلَبُـــــــــــــــوا   **   لَمْ يَطْلُبُوا فِضَّةً منه ولا ذَهَبَـــــا 

سَارُوا بَعْزِمِ وَتَشْمِير وَمَا اتَّخَذُوا   **   فِي سَيْرِ دُنْيَاهُمُوا لَهْوًا وَلا لَعِبَـــا 

الصِّدْقُ مَرْكَبُهم والحقُ مَطْلَبُهُــمْ   **   لا زُورَ مَازَجَ دَعْواهُم ولا كَذِبَــــا 

 

اللَّهُمَّ علمْنَا مَا يَنْفَعْنَا وانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي عُلومِنَا وَأَعْمَالِنَا وَأَعْمَارِنَا وَأصْلِحْ نَيَّاتِنَا وَذُرَّيَاتِنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.