إطارهم يتآكل
البلدان القوية تقع في إشكالات عديدة فمن ذلك أنها تحاول فرض أخلاقها وطرائق تفكيرها على حضارات قديمة راسخة مستقلة، وتفعل ذلك بحجة بلوغ التقدّم والتنوير، وخدمة الحرية والحقوق...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - الغزو الفكري -
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
تحرص الأمم القوية على فرض ثقافتها، ونماذجها ومنتجاتها، وشخصياتها أيًا كانت مجالات بروزهم، في الواقع العالمي بناء على ما تسيطر عليه من قوة سياسية متفرعة عن سطوة عسكرية، وهيمنة مالية، وتشعبات إعلامية، وهذا لا يستغرب منهم؛ لأن القوي إن لم يفرض مراده خسر الفرص، وتأخرت حضارته، وتراجعت مكانته بين الأمم، ولم يكن شريكًا في صنع تاريخ تتسابق إلى صناعته الحضارات كافة.
وتسعى القوى العالمية لتحقيق هذا الأمر بوسائل مباشرة أو غير مباشرة، وبأساليب ناعمة أو خشنة، وتؤدي العمل بنفسها أحيانًا، ولربما أحالته لمنظمة دولية وقفت تلك القوى خلف تأسيسها أو إدارتها وتدبيرها. ولم تترك هذه البلدان أيّ شأن في مأمن من تدخلاتها؛ حتى في شؤون الثقافة والصحة، والنقل والعمل، والتراث والرياضة.
بيد أن البلدان القوية تقع في إشكالات عديدة وهي تتجه صوب هذا المنهج، فمن ذلك أنها تحاول فرض أخلاقها وطرائق تفكيرها على حضارات قديمة راسخة مستقلة، وتفعل ذلك بحجة بلوغ التقدّم والتنوير، وخدمة الحرية والحقوق؛ ولو حاكمها أحد إلى ما تسوقه من حجج لقال: وأيّ حرية في الإجبار والإكراه والإلجاء إلى أضيق حال؟ ومن الذي يجزم بأن تطوراتكم المادية نتيجة حتمية لطريقة عيشكم ولباسكم وحياتكم اليومية؟
ومن إشكالاتها البينة أنها تكيل بمكيالين واضحين لا تخطئهما عين مهما أصاب أهلها من العشى والغبش؛ فلربما استنكرت إجراءات غير مستنكرة في أصلها على بلد أو أهل دين وثقافة؛ بدعاوى ظاهرها حسن وباطنها قبح وغش، مثل الرحمة والمساواة وما يسمونه الإنسانية، بينما تصمت عن قتل وإجلاء وتعذيب ونهب وسجن بظلم وقهر؛ لأنه جرى في بلاد ليس مسكوتًا عنها فقط؛ بل يخضع لها الفيتو في أروقة مجلس أمن هم صنعوه وهم عطلوه وهم تجاوزوه!
كما يتبدى فيها من الإشكالات أنها لم تعالج حال بلدان تنتسب إلى هذه الحضارة وبعضها أشرف على الإفلاس، أو أوشك على الدخول في نفق مظلم من عالم التيه، هذا غير ما تشترك به بلدان تلك المنظومة من ثغرات اجتماعية جعلت العقلاء منهم يتنادون لعلاجها ويصرخون من آثارها، وعلاجها مكلف لأنه سينقض أسسًا من السوء والبهتان قامت عليها بلادهم.
لأجل ذلك أصيب إطار الحياة الغربية الرسمية والشعبية بصدأ ماحق جعل أضلع ذالكم الإطار أكثر عرضة مما سبق للتآكل فالسقوط والانكشاف، وهذا المستوى من الهشاشة يحفزنا على فضح صورتهم اللامع مظهرها الباهت مخبرها، ويؤكد ضرورة تعرية حقيقتهم أمام أجيال المسلمين، والعمل الدؤوب على أن يظلّ المسلم عزيزًا بدينه، مستقلًا بأخلاقه، ساميًا في بواعثه وموانعه.