هَمَسات .. في كلمات ... (17)
سالم محمد
قد وصلنا بفضل الله ومنته إلى الحلقة السابعة عشر في رحلة الهمسات، نسأل الله أن يجعلها من الباقيات الصالحات لكاتبها وقارئها وكل منتفع به
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ها قد وصلنا بفضل الله ومنته إلى الحلقة السابعة عشر في رحلة الهمسات، نسأل الله أن يجعلها من الباقيات الصالحات لكاتبها وقارئها وكل منتفع بها:
✹ من جوانب العظمة في الإسلام أنه لم يأت بالمساواة المطلقة، بل بالعدل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} وبين العدل والمساواة بُعْدَ المشرقين، وفي زمننا هذا ارتفع سُعار المساواة، بهدف منه تمكين المرأة من حقوقها كما يزعمون، والحقيقة أنهم جردوا المرأة من معظم ملابسها وأهم حقوقها، وعجزوا عن مساواتها مع الرجل في كل شيء، والمساواة التي ينادون بها إنما هي على مزاجهم، فالرجل يعمل خارج البيت، فأخرجوا المرأة من مملكتها الصغيرة لتشقى خارج البيت مع أتعابها في داخله، بينما في اللباس لا وجود للمساواة، بل توجد حرب عليها، فلِباس المرأة يتناقص اصبع اصبع حتى أصبح بضع سنتمترات تغطي السوءتين، وأصبح التجرد الكامل من الملابس مشاهد في الشواطئ، وطريقة من طرق الاحتجاج، فوجدت نساء في شوارع بعض المدن يتظاهرن كالحيوانات حيث أن ِلباسهن جلودهن، في المقابل الرجل يتستتر لا ترى إلا رأسه وكفيه، حتى أرجله مستورة، وبالفضفاض والغليظ من الثياب؛ فأين المساواة المزعومة، فالرجل شبة مغطى، والمرأة شبه عارية، وتحيا المساواة!!! فقضية هؤلاء ليست مساواة ولا حقوق وإنما كما قال الله { (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)} ولذا حذرنا الله من اتباع أهواءهم بقوله {(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)}
---------------
✹ سؤال يطرح كثيرا على الأطفال خصوصاً من المدرسين وربما الوالدين، هذا السؤال ماذا تريد أن تكون في المستقبل، ويقصدون بالمستقبل العمل بعد التخرج أي بعد بضعة عشر سنة، وهذا السؤال ليس بغريب فالأسرة والمنهج المدرسي والنظام التعليمي بل والتوجه العام للدولة في الغالب يركز فقط على النجاح المادي المتمثل في العمل والوظيفة وجمع المال، ويهمل الجانب الأخلاقي والعقيدة والحياة الأخرى، والإسلام يتميز عن غيره بالشمول فقد جاء بجميع الأخلاق الحسنة وحذر من كل مساوئ الأخلاق، وضمن لك السعادة والنجاة والنجاح في الآخرة والأولى، ومن أهم الجوانب الأخلاقية العناية بالمستقبل الحقيقي لنا عندما يكون (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وللأسف هذا لا يأبه له واضعوا المناهج، بل قد يحاربون أخلاق الإسلام، ويجردون المناهج من كل شيء له علاقة بالإسلام خصوصًا في الحكم، فالواجب علينا أن نعلِّق أطفالنا بخالقهم والفوز والنجاة في الآخرة ونجعل كسب المال والتفوق في العلوم التجريبية وسيلة للفوز الكبير يوم الحسرة، لا أن يكون هو القضية المركزية الكبرى، فنضيع مستقبلهم الأخروي لسراب دنيوي، فالتوازن التوازن {(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)} .
---------------
✹ أهل الباطل يحاربون تطبيق حكم الله في مجتمعات المسلمين بكل ما أوتوا من قوة، وبالسلاح والمال والشبهات والإعلام، وهم في ذلك مفلسون من الحجة والبرهان، ولذا لا تناقش من لا يريد تطبيق الشريعة الإسلامية حتى تسأله: هل هناك أفضل أو مماثل لحكم الله؟ فإن قال نعم طالبناه بالبديل مع الدليل، ولن يجد إلى ذلك سبيلا، لأنه لا يستوي الحق والباطل ولا الظلمات والنور، ومع العلم أن كل ما ينتقدونه في الشريعة موجود أضعافه عندهم، ومن ذلك قولهم أن تطبيق الشريعة رأي بعض الشعب وليس كلهم، ولو سلمنا جدلا بهذا الادعاء فإن تعطيل بعض أحكام الشريعة والتحول إلى ما يسمى بالدول المدنية أو الديمقراطية لا يوافق عليه كل الشعب وعلى هذا فقس من تعطيل الحدود وظلم المرأة باستبدال أحكام الشرع بقذرات بعض العقول التافهة، فالهم عندهم تنحية شرع الله عموما، والحكم بالشريعة لا سيما فيما يتعلق بالحدود والمرأة خصوصًا، ثم إذا وقعوا في تناقض لا يهمهم ما دام أن فرضوا على الناس باطلهم ظلما وعدوانا {(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)} .
---------------
✹ ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن قصة آدم مع إبليس، وتكررت عدة مرات، هذه قصة حصلت في غابر الأزمان، ولكن عِبرها وفوائدها مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بل إن القصة تكرر كل لحظة ولكن بين بني آدم وإبليس وذريته، فالحلال الذي جعله الله لنا كثير، والحرام دائرة ضيقة، ولكن إبليس يوسوس ويزين لبني آدم في الوقوع في الحرام، وهو كما أخرج أبانا من الجنة ، يريد أن يحرمنا دخول الجنة أيضًا، فكل واحد منا يتعامل معه إبليس كما تعامل مع أبيه، وعلينا أن نحذر من الشيطان وتزيينه للباطل، كما أن علينا أن نتوب إذا ما زلت أقدامنا اقتداء بأبينا عليه السلام، وقد أشار الله في القرآن إلى الاستفادة من مما حصل بين أبينا عليه السلام وعدونا إبليس بقوله: {(يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)}
---------------
✹ كثيرا ما يوصف المتقاعد في مجتمعاتنا بقولهم (مُتْ قاعد) لأن كثير منهم يسيطر عليه الممل والاكتئاب والشعور بالوحدة القاتلة، خصوصا إذا تقاعد مِن مركز مرموق حيث كان يأمر وينهى، وهناك مجموعة من البشر تحت سيطرته ورهن إشارته، ثم بين عشية وضحاها يجرد من جميع صلاحياته، ويتحول إلى عاطل براتب، ومأمور لا آمر، بل يترك كرسيه ويعود لبيته، لكن في رأيي صنف من المتقاعدين لا يصل إلى هذا المستوى من الإحباط، أَلَا وهم محبُّوا القراءة، فالتقاعد فرصة ذهبية يحلم بها الموظف القارئ، لأنه كان يحلم بقراءة الكثير من الكتب ولا يملك الوقت، لأن الوظيفة تستنزفه يوميا، وتلتهم جل وقته وطاقته، فإذا تقاعد فلسان حاله (مُشْتاقةً زُفَّتْ إلى مُشتاقِ) وبذلك يشبع نهمته من الكتب، وأيضا فإنه يجد وقت كثير للكتابة، فلا يكون مستهلك للكتب بل ومنتج أيضًا، فيمكنه كتابة ما ينفعه وينفع الناس ففي الحديث (إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو له) أما الصنف من الناس الأشد فرحًا بالتقاعد، ويحلم به ويعد الليالي والأيام لبلوغه، والوصول إليه، فهم الدعاة إلى الله تعالى، هؤلاء في عمل دائب، والتقاعد فرصة ثمينة لتوسعة المشاريع الدعوية، سواء كانت كتابة أو غيرها، فهو تقاعد من الوظيفة، ليأخذ وقت وظيفته لدعوته، يتفرغ لمهمة الأنبياء والعظماء وقد قال الله: {(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)}
وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن مالك الأرض والسموات.