حماية المجتمع من الشواذ أو التشبه بهم

إن العالم اليوم يعيش في أزمة وفوضى، وضياع في القِيَم والأخلاق، بالرغم من التقدُّم الهائل في مجالات الطاقة والصناعة والاقتصاد، ويريد الغرب إخراج البشرية من فطرتها التي فطر الله الناس عليها، ويدعو إلى نَشْر الرذيلة والشذوذ والمثليَّة في المجتمعات

  • التصنيفات: الواقع المعاصر - مجتمع وإصلاح -

لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وخلق له ما يليق به من أعضاء وأعمال، وسخَّر له ما في السموات والأرض، ليقوم بعمارة الأرض بطاعته، والقيام بشكره، والتعاون في الخير والمعروف، وخلق للذكر أعمالًا وتشريعات تليق به وتناسبه وتلائمه، وللأنثى كذلك أعمالًا وتشريعات تصون عرضها، وتحميها من الابتذال والابتزاز، وكرَّمها أعظم تكريم، وجعل لها المكانة الرفيعة في المجتمع، وخلَّد اسمها في القرآن الكريم، وجعلها مع الرجل سواء في المسؤولية لبناء الأسرة، والقيام بمهام الحياة على أكمل وجه وأتَمّه من أجل أن تدوم تلك الحياة وتستمر، ويُكتَب لها الديمومة والسعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

 

أيها المسلمون؛ إن العالم اليوم يعيش في أزمة وفوضى، وضياع في القِيَم والأخلاق، بالرغم من التقدُّم الهائل في مجالات الطاقة والصناعة والاقتصاد، وبناء ناطحات السحاب، وتوفير كل ما مِنْ شأنه أن يُريح الإنسان، ويجعله يعيش في رفاهية وعيش رغيد؛ ولكنه في الوقت نفسه يهبط في مجال القيم والفضائل، وينحرف عن الجادة في مجال العلاقات الإنسانية والأسريَّة والمجتمعية إلى أدنى مستوى يشهده التاريخ، ويريد الغرب إخراج البشرية من فطرتها التي فطر الله الناس عليها، ويدعو إلى نَشْر الرذيلة والشذوذ والمثليَّة في المجتمعات، وإباحة استمتاع الرجل بمثله، والمرأة بمثلها بما تشمئزُّ منه العقول، وتنفر من هوله الفطر السليمة، ويندى له جبين الإنسانية، وبما يُسمَّى اليوم بزواج المثليين؛ بل وأصبحوا يُسنُّون ويشرعون لحماية الشذوذ القوانينَ والأنظمةَ التي تجعله قانونًا وتشريعًا وضعيًّا؛ بل وتسعى إلى تجريم مَنْ يُنكِره أو ينبذه ويمقته، وتحت الكراهية العنصرية والتمييز، وبحجة أن المثليين مظلومون يحتاجون إلى نيل حقوقهم، وأن تأخذنا الرأفة والرحمة بهم، حتى تسلَّطَت بقبيح فعلهم وعظيم جرمهم شياطين الجن والإنس عليهم، وكثر الخبث وانتشر، وساد بينهم فعل الفواحش المنكرة العظيمة، وسقطوا في وَحْل الرذيلة، فانطمست البصائر، وتبلَّدَت المشاعر، وانمحت في خضمِّ ذلك من قاموس الإنسانية كل القيم والفضائل، وحَلَّ محلها الظلام والقتل والإنانية، وحب الذات وكراهية الإحسان، والشح والانتقام، وغابت كل معاني الفضيلة وحب الآخرين ومساعدتهم، حتى ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ووقع الكثير منهم في ظلمات الفساد والدمار والكفر والنفاق، وصدق ربُّ العِزَّة إذ يقول: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27].

 

عباد الله؛ نحن المسلمين علينا أن نشكر الله دومًا وأبدًا على نعمة الإسلام، والأواصر الاجتماعية والأسريَّة المتينة، فبلادنا الإسلامية والعربية لا زالت من تعاليم الإسلام على خير عظيم، حيث شرع الله لنا الأحكام التي تحفظنا من مزالق الشهوات، وحرَّم علينا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأخرجنا الله بها من الظلمات والكُفْر والنِّفاق إلى نور العلم والحكمة والهدى، وهو ممَّا يدلُّ بلا ريبٍ ويقينًا على أن هذا الدين الذي بعث الله به محمدًا إلى الناس كافة هو الدين الحق الذي ارتضاه وأحبَّه، وأمرنا باتِّباعه والاهتداء بأنواره، وأنه الدين الذي يصلح لكل زمان ومكان؛ لأنه يدعو إلى التمسُّك بالفضائل، ويدعو إلى محاسن الأمور، ويكره مساوئ الأمور وسفاسفها؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

 

أيُّها المؤمنون؛ إن الأمم إذا خرجت عن نظام الفطرة، واستحلَّت محارم الله، وغيَّرت وبدَّلت وانتكست، فإن الله ينزل عليها العقوبات المدمِّرة الماحقة، المزلزلة الماحية، ويَجعلها عبرةً لغيرها لكي لا يسلكوا سبيلَها، ولا ينهجوا نهجها، وهذا من رحمة الله بنا؛ ذلك لأن الله يغار أن تنتهك حرماته، ويغضب إذا حاد الإنسان عن طريقه وفطرته، ومن أجل ذلك قصَّ علينا أخبار الأوَّلين من الأمم السابقة التي حادت عن شرعه وأمره، وماذا حلَّ بها، وتأمَّل ماذا فعل الله بقوم لوط، ومَن تبعهم حين أفسدوا وعاثوا في بلادهم من المنكر الشنيع، والقول الفظيع، ولمَّا لم يستجيبوا لنداء الفطرة، ولم يسمعوا لنداء الحق، حلَّ عليهم الويل، ونزل بهم الدمار والثبور، وقلب عاليها سافلها، قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}  [الأعراف: 80 - 84] حتى امرأة لوط عُدَّت من أهل المعصية وإن لم تفعل مثل فعلهم؛ لكونها روَّجت ودعت ودلَّت، فأصابها مثل ما أصابهم، وهذا حكم الله وسنته في خلقه، لكل من أفسد وأخذته العِزَّة بالإثم، وما هي من الظالمين ببعيد.

 

أيها المسلمون؛ تمسَّكوا بدينكم، وهدي رسولكم، وعضوا عليه بالنواجذ، فإن أيامنا هذه أيام بلاء وفتنة واختبار، وأن القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر، فإن كل ما حول المسلم اليوم من وسائل الاتصال والإعلام والبرامج يدعو إلى الانحلال والتحلُّل من الأخلاق تحت شعارات برَّاقة، وعناوين مختلفة، تارة باسم الحرية والتمدُّن، وتارة بنبذ التخلُّف والرجوع إلى الوراء، وهي في الحقيقة تدعو إلى الإفساد والضلال بغيًا وحسدًا، وعدوانًا، تمسَّكُوا بدينكم وتعاليم دينكم، وشعائر دينكم الحنيف فمهما ابتغينا العِزَّة في غيره أذلَّنا الله.

 

واحذروا من توجُّهات الكُفَّار التي تدعو إلى الانسلاخ من الفطرة، وتدعو إلى الفواحش والإقرار بحقوق المثليين- زعموا- وهو من أعظم الكبائر وأشدِّها تحريمًا وظُلْمًا، وأنه طريق يؤدي إلى سحق كل معاني الرجولة والكرامة والفضيلة، والاستجابة لغرائز ماحقة، وشهوات مُدمِّرة، دون قيد أو ضابط، وفيه عذاب الدنيا من ضيق الصدق والقلق والكآبة، وجميع الأمراض النفسية والعصبية، وترغب صاحبها وفاعلها وتدعوه إلى الانتحار، كما هو مشاهد ومعلوم، أو التخلُّص من الدنيا بأي وسيلة؛ لأنه لا يجد ما يطمئن إليه، ويستأنس به من الطاعات والعبادات؛ كالصلاة والدعاء والتوجُّه إلى الله، أما في الآخرة فالعذاب والله شديد، والقعر في جهنم بعيد، والويل مديد: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56].

 

أيها المسلمون؛ إنها دعوة مخلص مُشْفِق عليكم، حصِّنوا أولادكم وأنفسكم وبناتكم بالعقيدة السليمة، ومعاني الإيمان بالله واليوم الآخر، وعوِّدوهم منذ الصغر على الفضيلة والحياء والعِفَّة، والصدق، ومعالي الأمر، وحب الجهاد، والرغبة في والعلم وطلبه، وحفظ القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشْرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ...»، راقبوهم على مواقع الاتصال الاجتماعي، وحذروهم من مواقع الفحش والشذوذ والجنس، وحبِّبُوا إليهم قِصَص الأنبياء والصالحين والعلماء والمفكِّرين والمبدعين، جنِّبوهم المواقع المشبوهة الداعية إلى الفحشاء والشذوذ، فإنها مُدمِّرة للأخلاق، ماحية للفضائل داعية إلى الخنوثة والميوعة، ووسيلة إلى الكسل والبطر، وكراهية الجد والعمل، وسبب في الظلمة والقلق وسوء المآل والحال، حذِّروهم من التشبُّه بالكُفَّار وعاداتهم، وعقائدهم، وتقاليدهم؛ لأنها تجلب الشرَّ والبلاء، واغرسوا في نفوسهم المعاني الجميلة والأخلاق الفاضلة، اشغلوا أوقاتهم بما ينفعهم من تحصيل العلوم النَّافعة، والأنشطة الرياضيَّة المُختلفة حتى يكونوا أداة صالحة لخدمة الدين والمجتمع والأوطان.

 

اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق وأفضلها، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وجنِّبْنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واحفظنا وأولادنا من مزالق الفتنة والشهوات، يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك، وصلى الله على نبينا ورسولنا الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه أجمعين.

_________________________________________________________________

الكاتب: مرشد الحيالي