هيا فلنحسن صلاتنا قبل مماتنا

هيَّا بنا؛ لنُحْسِنَ صلاتَنا قبل مماتِنا، ولنحافظ على صلاتنا؛ بشروطها وأركانها، وواجباتها وسُنَنها، وأدائها في أوقاتها على قدر طاقتنا واستطاعتنا..

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
هيا فلنحسن صلاتنا قبل مماتنا

قال سبحانه وتعالى مبينًا زمنًا لهذه الأمَّة؛ أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم، وهي على خير في كل أوقاتها؛ لكن الخير يتفاوت، فقسمهم قسمين، القسم الأول: هم أتباع الأنبياء، والقسم الثاني: منهم مَن تَبِع الأنبياءَ، ومنهم مَن اتَّبَع الشهوات، وأضاع الصلوات، فقال في حقِّ الصلاة التي نُصلِّيها خمس مرات في اليوم والليلة، قال سبحانه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].

 

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، كُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ الصَلَاةُ»، (حم) (22160)، (حب) (6715)، صَحِيح الْجَامِع: (5075)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (572).

 

وعُرَى الْإِسْلَامِ: هي مَا شَدَّ الْمُسْلِمُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ حُدُودِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، هذه عُرى الإسلام تنقضُّ عُرْوةً عُرْوةً، ويتشبث الناس كلما انتقضت عروة بالتي تليها وتمسكوا بها، والتشبُّث: التعلُّق بالشيء والتمسُّك به.

 

فنحن في زمن أضاع فيه المسلمون الصلاة إلَّا مَنْ رَحِم الله، وبعضهم لا يُصلِّي مطلقًا، وبعضهم يُصلِّي لكنه يُضيِّع صلاته، يُضيِّعها ولا يُحافِظ عليها، يُضيِّع أركانها أو خشوعها أو شروطها أو نحو ذلك.

 

واعلموا عباد الله! أنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله الصلاة، فعن عَبْدِاللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»،... (م) 139- (85)، فالصلاة أحبُّ إلى الله من الحج، أحبُّ إلى الله من الصيام، أحبُّ إلى الله من الزكاة، أحبُّ الأعمال إلى الله الصلاة، فلا تُصلِّ يا عبدالله صلاةً غيرَ مقبولة، ولا تصلِّ صلاةً يُضرب بها وجهك، أحْسِن صلاتك قبل مماتك.

 

فهيَّا بنا؛ لنُحْسِنَ صلاتَنا قبل مماتِنا، ولنحافظ على صلاتنا؛ بشروطها وأركانها، وواجباتها وسُنَنها، وأدائها في أوقاتها على قدر طاقتنا واستطاعتنا، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92]، نحافظ عليها؛ لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34]، فلنحافظ عليها كما قال الله سبحانه وتعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].

 

وعند أدائنا الصلاة فـلتخشعْ قلوبُنا وجوارحُنا عند أدائها؛ لأن في هذا الخشوع في الصلاة الفلاحَ والفوزَ والنجاةَ، قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2].

 

ولنداومْ على فعلها وأدائها في أوقاتها، فقد قال سبحانه: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23].

 

ولنُقِم صلاتَنا كما أمرَ ربُّنا، وعلى سُنَّةِ نبينا؛ إقامة صحيحة، قال سبحانه: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [البقرة: 3].

 

وعند وقوعنا في الهموم والمصائب، واجتياحات اليهود، والاعتداءات على المقدَّسات، وقضم الأراضي، وتوسُّعٍ في المستوطنات، إذا أردنا تحرير الأقصى وسائر بلادنا من عدوِّنا، فلنستعِنْ بـالصبر والصلاة، فقد قال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

 

ولتكن صلاتنا التي نُصلِّيها بخشوع خالصةً لوجهه الكريم سبحانه وتعالى لا شريك له، قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].

 

فإحساننا أن نحسن صلاتَنا بالإخلاص فيها لربِّنا سبحانه، قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

 

ولنحذر عباد الله من تضييع الصلاةِ وتأخيرها عن وقتها، فنكون من الذين قال الله فيهم سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].

 

ولنتجنَّب حضورَ الصلاةِ، ولنتجنب الدخول فيها ونحنُ في غفلة، أو شتاتِ ذهن، أو غلبةِ نوم، أو غلبةِ جوع عند حضور طعام، أو عند الشعور بإلحاحٍ شديدٍ لقضاءِ حاجة؛ من بول أو غائط؛ لأنَّ هذه تشغلُنا عن الصلاة، فلا نعلم ما نقول في الصلاة؛ لأن تفكيرنا يكون خارج الصلاة، قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43].

 

ولنحذرْ أن نستعجلَ في أدائها وأداء أركانها، فنتشبَّه بالحيوانات، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ"، (حم) (8106)، (طل) (2593)، (طس) (5275)، (يع) (2619)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ: (555)، صفة الصلاة (ص90).

 

فنقرة الديك؛ أي: يستعجل في أركانها، ويؤديها يريد أن ينتهي منها، والإقعاء أن يجلس على أليتيه وينصب فخذيه، وهذه القليل من يفعلها في هذا الزمان، أو لا أحد يفعلها والحمد لله، أما الالتفات كالتفات الثعلب، فعند أكثر المصلين من يلتفت في صلاته لأتفه الأسباب، وأقل الحركات، وأقل الأصوات؛ تجده يتلفَّت يمينًا وشمالًا، نحن منهيُّون عن هذا.

 

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم، عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ؟)، فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلَاسٌ» سرقة خلسة «يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ»، (خ) (751)، (ت) (590)، (س) (1196)، (د) (910).

 

فلنؤدِّ صلاتَنا بجدٍّ ونشاطٍ، وإقبالٍ بقلوبنا على الله، الذي يرانا ولا نراه، ولنحذرْ أن نؤدِّيَ الصلاةَ ونقفَ بين يدي الله سبحانه وتعالى ونحن في حالةٍ من الكَسَلِ والتكاسل، فهذه صفة المنافقين، قال سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].

 

ونعوذ بالله أن نكون ممن قال الله جلَّ جلاله فيهم: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54].

 

وقتُ قصيرٌ، سويعةٌ نقضيها في الصلاة، مع الله، خالصةً لله، وبعد قضائها وأدائها نهتمُّ لأمر دنيانا، فقد قال سبحانه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].

 

ولا مانع من تخفيف الصلاة؛ خشيةَ السهو، مع الحفاظِ على أركانها وواجباتها، وسننها والخشوع فيها، فَعَن ابْنِ لَاسٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (دَخَلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَخَفَّهُمَا وَأَتَمَّهُمَا، ثُمَّ جَلَسَ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا عِنْدَهُ)، فَقُلْنَا لَهُ: (لَقَدْ خَفَّفْتَ رَكْعَتَيْكَ هَاتَيْنِ جِدًّا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ!)، فَقَالَ: (إِنِّي بَادَرْتُ بِهِمَا الشَّيْطَانَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ فِيهِمَا)، وفي رواية: (إِنِّي بَادَرْتُ بِهِمَا السَّهْوَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم) يَقُولُ -وانتظر الآن وانظر بكم جزء نخرج من صلاتنا؛ إذا صلينا تأتينا الوساوس، والأفكار الخارجية، فتقللُ من ثواب الصلاة مائة بالمائة إلى أقلِّ من ذلك، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:- «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَلَعَلَّهُ أَلَّا يَكُونَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا عُشْرُهَا»، ((تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا))، الحديث بزوائده: (حم) (18323)، (18879)، (د) (796)، (حب) (1889)، (هق) (3342)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن، (ن) (611)، (هق) (3342)، صحيح أبي داود (761).

 

ولنحذر العبث فيها وخصوصًا قعقعة الأصابع، أو فرقعتها أثناء الصلاة، لا يأتي بعضَنا هذا الفعلُ إلَّا أثناء الصلاة ليفرقع أصابعه، فقد جاء عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: (صَلَّيْت إلَى جَنْبِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما فَفَقَعْت أَصَابِعِي، فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلاة)، قَالَ لِي: (لَا أُمَّ لَك، تُقَعْقِعُ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلاة؟!)) (ش) (7280)، وحسَّنَه الألباني في الإرواء تحت حديث: (378).

 

يعني هذا سؤال إنكاري؛ ينكر على شعبة أن يقعقعَ أصابعه في الصلاة؛ لأن قعقعة الأصابع من أفعال الشياطين، التي لا تجعل صلاتك مائة بالمائة، أو قريبًا من المائة.

 

وَعَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ)، والمخمص؛ اسْم مَوْضِع، مكان بين المدينة ومكة صلَّى فيه العصر (فَقَالَ): «إِنَّ هَذِهِ الصَلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ»، (م) 292- (830)، والشَّاهِدُ: النَّجْمُ؛ يعني: حتى تغرب الشمس لا توجد صلوات بين العصر وبين غروب الشمس.

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فمن ضيَّع صلاته يلقَ يوم القيامة خسرانًا، وأي خسران؛ لكن الله عز وجل لم يغلق البابَ على من أراد أن يرجع إليه، وأراد أن يتوب ويُنِيب، ويخلص لله عز وجل، والصلاة لا يتركها؛ بل يحافظ عليها، ويترك اتباع الشهوات، فقد قال الله عز وجل في الآية التي ذكرناها: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]؛ أي: خسرانًا، والله سبحانه ما قطع الأمل، قال بعدها مباشرة: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ [مريم: 60]، عمل الصالحات؛ أن تصلي، ولا تتبع الشهوات، ولا تضيع الصلوات، {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60] {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} [مريم: 61، 62] الكلام الفارغ لا يوجد، {إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 62، 63] فاللهم اجعلنا من الأتقياء الأنقياء الأصفياء يا رب العالمين.

 

ألا واعلموا يا عباد الله! أن للأعمال الصالحاتِ أبوابًا في الجنة، وهي ثمانية أبواب، فهناك باب عام يدخل منه عموم المؤمنين، وهناك أبواب خاصة لأصحاب الأعمال الذين أكثروا منها، فالصلاة لها باب، والجهاد له باب، وكل عمل صالح له باب، فـعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ ‌دُعِيَ ‌مِنْ ‌بَابِ ‌الصَّلَاةِ»؛ يعني: تسمع منادٍ يُنادي في أهل الموقف: أين الذين كانوا يصلون الفرائض في أوقاتها، بخضوعها وأركانها؟ أين الذين كانوا يقومون الليل؟ أين الذين كانوا يصلون التطوعات وصلاة الضحى؟ أين الذين كانوا يصلون السنن والنوافل؟ باب خاص لهم لا يدخل منه غيرهم.

 

«وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ ‌دُعِيَ ‌مِنْ بَابِ الْجِهَادِ»، أين الذين يجاهدون لرفعة كلمة لا إله إلا الله عالية خفَّاقة؟ أين الذين أنفقوا أموالهم وأنفسهم ودماءهم لله لا لشيء آخر؟ فيدخلون من باب الجهاد.

 

«وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ ‌دُعِيَ ‌مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ»، هذا اسمٌ لباب الصائمين فقط، البقية ليست لها أسماء، وإنما هي أوصاف، الريان، باب الريان، فيقال: أين الصائمون الذين صاموا الفرائض وصاموا النوافل؟ وتطوعوا لله عز وجل؟ فالله سبحانه وتعالى نوَّع الأبواب؛ لأنه يعلم سبحانه من خَلْقِه الذين خلقهم؛ المؤمنين؛ أنهم لا يستطيعون أن يُكثِروا من كلِّ الأعمال الصالحة، فلا يدخلون من كل الأبواب إلا من رحم الله، كما سنعلم من سؤال أبي بكر رضي الله عنه، بعضهم عنده قوة للجهاد وبعضهم عنده قوة على الصيام.

 

«وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ ‌دُعِيَ ‌مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ» وبعضهم أغنياء أثرياء يتصدَّقون في سبيل الله، فَقَالَ أبو بكر رضي الله عنه: (بأبي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ ‌دُعِيَ ‌مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ)، الذي يُدعَى من باب منها ما في ضرورة؛ أي: شيء مهم جدًّا من هذا، لازم الإنسان المسلم يدعَى من باب من هذه الأبواب، وإلا ما في أبواب أخرى يدخلون الجنة منها؛ إلا من هذه الأبواب، (فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟!) يعني دفعة واحدة، إذا نُودي يا أهلَ الصلاة! يقف المصلون، يا أهل الصيام! يقف الصائمون، يا أهل الجهاد! فالمجاهدون أول الواقفين، يا أهل الصدقة، يا أهل الحج، يا أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقوم كل منهم من بقية الأبواب الثمانية، هل هناك أحد يا رسول الله يدخل منها كلِّها، يقوم ويقف عند كل مناداة على كل باب فيدخل منها كلها؟ (فـقَالَ) صلى الله عليه وسلم: «نعم»، في هذه الأمة يوجد؛ لكنهم قِلَّة، قال صلى الله عليه وسلم: «وأرجو أن تكون منهم»؛ (خ) (1897)، (م) 85- (1027).

 

أبو بكر رضي الله عنه منهم رغم أنوف الرافضة، يدخل من جميع الأبواب، ما نادوا من باب إلا ويسلكه، كما كان يفعل في الدنيا؛ ما صلوات تطوعات، وصيام وصدقات؛ إلا ويكون السابقَ لها، فحُقَّ له أن يدخل من جميع الأبواب، ورجاءُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم: «وأرجو»، فرجاءُ محمدٍ محقَّقٌ عند ربِّه سبحانه وتعالى.

 

صلوا على رسول الله فقد صلى الله عليه في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

______________________________________________________

الكاتب: الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد