نتفليكس فطرة منتكسة ولذة مهلكة (شاهد كل ما تريده مقابل سعر زهيد)
شاهد كل ما تريده ولو كان: تافهًا - حرامًا - وشاذًّا، شاهد كل ما تريده مما حرمك منه دينك أو عائلتك، شاهد مقابل سعر زهيد؛ فالثمن الذي نريده ليس مالك فقط، فهو بالنسبة لنا سعر زهيد، بل نريد عقلك وفطرتك وفؤادك، نريدك آلة شوهاء شلاء، لا جمال فيها ولا حراك.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - قضايا إسلامية معاصرة -
هذا هو شعار نتفليكس الجذاب في زمن صارت اللذة فيه هي المعيار، ولو على حساب الفطرة، فصرت ترى أفلامًا تقرر اشتهاء الأطفال (البيدوفيليا)، وأفلامًا تجعل اللواط والزنا حتى زنا المحارم حقًّا مشروعًا.
شاهد كل ما تريده ولو كان تافهًا، ولو كان حرامًا، ولو كان شاذًّا، شاهد كل ما تريده مما حرمك منه دينك أو عائلتك، شاهد مقابل سعر زهيد؛ فالثمن الذي نريده ليس مالك فقط، فهو بالنسبة لنا سعر زهيد، بل نريد عقلك وفطرتك وفؤادك، نريدك آلة شوهاء شلاء، لا جمال فيها ولا حراك.
ربما تعجب من وقاحة وصراحة هذه الأفلام، لكن سيزول عجبك حينما تعرف أنه إذا انتكست الفطرة، صار كل شيء مباحًا، فصار الحق باطلًا والباطل حقًّا، وصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»؛ (رواه مسلم: 144).
قال صاحب "التحرير": "معنى الحديث أن الرجل إذا تبع هواه وارتكب المعاصي، دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا صار كذلك افتتن وزال عنه نور الإسلام والقلب مثل الكوز، فإذا انكب، انصب ما فيه، ولم يدخله شيء بعد ذلك"؛ (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج).
لما زال نور الإسلام من قلوب شبابنا، وحلت مكانه الحداثة، وما بعدها صار ما صار من انتكاس الفطر، وارتكاس الألباب، وإدمان اللذات المهلكات.
نتفليكس بشعارها الأحمر تحقق خطة من خطط الشيطان، وهي إيجاد طريقة للسيطرة على عقول الناس؛ من أجل طمس فطرهم، وإزهاق إيمانهم، قد يقول قائل: هم يفعلون ما يثير الجدل من أجل الربح، ليس أكثر نقول: بل يربحون في إطار ما يصب في مصلحة الليبرالية، فقد كان مدير الشبكة واضحًا وصريحًا، حينما رفض ما يتعلق بنقد الشذوذ والمثلية، حينما قال: إن ذلك يؤثر في نمط الحياة للعالم كله.
مستفاد من نتفليكس، وخطة الشيطان على قناة السبيل لأحمد دعدوش.
وقد أبدع عبدالرحمن حبش، حينما صدر مقالة بقوله: "في واقع طغت وتغلغلت فيه الأفكار المادية والمتع اللحظية، وحلَّت فيه النسبية المطلقة محل المسلمات والثوابت، في عالم ما بعد حداثي صرف؛ حيث اللاحقيقة واللامركزية، فلتصنع مركزيتك الخاصة، ولتعش بها، ولتؤمن بها، ولكن لا سلطان لها على غيرك، كان من الطبيعي في ظل هذه الأجواء والظروف خروج نماذج ومذاهب مشوهة، من حيث نظرتهم للعالم، ومن حيث المفاهيم المركزية التي يتبنونها في هذه الحياة، كمن جعلوا اللذة المادية والجسدية مركزيتهم ومبتغاهم في هذه الدنيا، أو كمن جعلوا اللامركزية مركزيتهم، فقاموا بجهد ساعين لهدم كل مركزية، ومحاربين لكل من يتبنى مركزية محكمة - كالأديان والمذاهب الفلسفية المتماسكة - بكل ما أوتوا من وسائل نزيهة كانت، أو غير نزيهة، ممهدين بذلك؛ أعني: منتهجي اللذة واللامركزية لنشوء ما يسمى بـ[Netflix]، وهي شركة الإنتاج التليفزيونية التي ما تكل ولا تمل منذ نشأتها في السعي لترسيخ الفساد الأخلاقي والقيمي، وتمييع الثوابت والبث بأيديولوجيات فاسدة، حتى وإن كان ذلك عن طريق التدليس والتزييف - وهذا هو النقد الذي سنناقشه في الأسطر القادمة بحول الله جل وعلا - ألا وهو كونهم -علاوة على نشرهم وتسويغهم لقضايا الفساد الأخلاقي وغيرها - يستخدمون التزييف والكذب إلى صال تلك القضايا.
(مقال نتفليكس فساد في الغاية وفساد في الوسيلة):
تلكم إذًا الحقيقة (اللذة والفوضى) شعار ما بعد الحداثة يتجسد في منتجات نتفليكس؛ لتنهش عقول وأجساد شبابنا، ولتعزلهم عن دينهم وواقعهم، وما يريده منهم ربهم، حتى ترى بعينيك، وتسمع بأذنيك شابًّا أو فتاة تجلس يومًا كاملًا، تشاهد حلقات مسلسل كامل دون فتور أو انقطاع، ليخرج لنا شباب غير مبالٍ تافه، لا يهمه واقع أمته، بل قد يكون أقصى همه وظيفة يرجوها، أو أكلة سال لعابه لها، أو فتاة يلتقيها؛ يصدق في أمثال هؤلاء قول الشاعر:
قد هيئوك لأمر لو فطنت لــــه ** فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمـــــلِ
وأنت في غفلة عما خلقت لــه ** وأنت في ثقة من وثبة الأجــــــــلِ
فزكِّ نفسك مما قد يدنسهــــــا ** واختر لها ما ترى من خالص العمـلِ
أأنت في سكرة أم أنت منتبهًـا ** أم غرك الأمن أم ألهيت بالأمـــــــلِ
أما آن الأوان رحمني الله وإياك أن تربأ بنفسك عن مثل هذا الدون، أما آن الأوان أن تزكي نفسك، أما آن الأوان أن ترجع إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق، وهذا حقيقة الفطرة؛ (تفسير السعدي).
أما آن الأوان أن تخشع القلوب لذكر الله، وتترك ذكر الشيطان الذي يبثه في العالم بقنواته الإبليسية؛ قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].
قال ابن كثير: "فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ، تَعَالَى، يُلِينُ الْقُلُوبَ بَعْدَ قَسْوَتِهَا، ويَهدي الحَيَارى بَعْدَ ضَلتها، ويفرِّج الْكُرُوبَ بَعْدَ شِدَّتِهَا، فَكَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيِّتَةَ الْمُجْدِبَةَ الْهَامِدَةَ بِالْغَيْثِ الهتَّان [الْوَابِلِ] كَذَلِكَ يَهْدِي الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ بِبَرَاهِينِ الْقُرْآنِ وَالدَّلَائِلِ، وَيُولِجُ إِلَيْهَا النُّورَ بَعْدَ مَا كَانَتْ مُقْفَلَةً لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الْوَاصِلُ، فَسُبْحَانَ الْهَادِي لِمَنْ يَشَاءُ بَعْدَ الْإِضْلَالِ، وَالْمُضِلِّ لِمَنْ أَرَادَ بَعْدَ الْكَمَالِ، الَّذِي هُوَ لِمَا يَشَاءُ فَعَّالٌ، وَهُوَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ الْفِعَالِ، اللَّطِيفُ الخبير الكبير المتعال".
ربنا اهْدِ قلوبنا، ولا تزغها بعد إذ هديتها، يا أرحم الراحمين.