مشاكل البيوت: أخطار ومعالجات

إن الناظر في حال بيوتنا اليوم يجد أنها تعاني من مشاكل كثيرة وهموم مستعصية وتعتريها عدد من الأزمات والمنازعات والخصومات..

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -

إن الناظر في حال بيوتنا اليوم يجد أنها تعاني من مشاكل كثيرة وهموم مستعصية وتعتريها عدد من الأزمات والمنازعات والخصومات، مشاكل تعصف بالكيان الأسري وتهدد التماسك الاجتماعي، ظواهر ومظاهر سيئة حولت كثيراً من البيوت إلى جحيم وهموم أبناء يعقون آباءهم وآباءٌ يتساهلون مع أبنائهم وبناتهم وعنف عائلي ومشكلات زوجية وارتفاعٌ لنسب الطلاق.

 

فكم من زوج يشتكي من زوجته وعصيانها له أو خروجها من دون إذنه أو كثرة جحودها لما يقدمه لها أو خلقِها للمشاكل مع أمه وأخواته أو حبها للشكليات والتقليد والمظاهر وكم من زوجة تشتكي من زوجها لأنه لا يصلي أو لأنه يتعاطى المسكرات والمخدرات أو لأنه يسرق من ذهبها الخاص أو يأخذ من مالها الخاص أو لأنه ينقل كلامها لأهله إلى غير ذلك.

 

إن البيوت إذا امتلأت بالمخاصمات والمشاكل وكثر فيها الانفصام والانفصال فإنها بيوت ملغومة مفككة متآكلة من الداخل يوشك أن تنفجر يوما من الأيام وهذه المشاكل ستعكس بانعكاسات خطيرة على الناشئة والأطفال وستوجد جيلاً خاملاً فاشلاً محطم مبتور العواطف شاذ السلوك عدواني التصرف ناقماً على من حرمه من الدفء والحنان لأنه لم يتربى على المودة والرحمة وإنما تربى على السباب والمشاكل والتسلط والكراهية فكم من طفل أو شاب فقد الأمان في البيت فأخذ يبحث عن الراحة والتخلص من المشكلات خارج البيت فيتعلق بأصحابه ومن هم خارج البيت أكثر من تعلقه بأهله وبيته لأنه يأتي إلى البيت فيجد أباه يعيش في دوامة ومشاكل مع أمه ويجد أمه تعاني من مشكلات مع النساء الأخريات في البيت ويجد إخوانه يتشاتمون ويتضاربون ويعيشون حياة القسوة والجفاء والكره فيحرم الطفل من هذه النعمة العظيمة نعمة البيت يقول الله سبحانه وتعالى  {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80] فالله سبحانه وتعالى جعل لنا البيوت سكناً يأوي إليها أهلها وتطمئن فيها نفوسهم وتأمن فيها حرماتهم ويتربى في كنفها أولادهم يريدها أن تكون سكناً وقلاعاً للمحبة والوئام وحصوناً للخير والأمان ودياراً للتربية والإحسان لا أن تكون محلاً للنزاعات والمنازعات والمشاكل والأحزان.

 

إن المشاكل التي تحدث في البيوت هي أم الأوجاع والبلايا فبسببها يقع الطلاق ويتقلص دور الأسرة وبسببها تضعف أواصر التقارب وتتقطع سبل التواصل وبسببها تظهر مظاهر العنف والجريمة والانحراف بل ربما يصل الأمر إلى الانتحار وبسببها تشيع الأنانية والأحادية بدلاً من قيم الإيثار والجماعية مما ينذر باشتعال فتيل الأزمات الاجتماعية فيجب علينا جميعاً أن نبادر إلى إطفاء هذه المشاكل التي تقع في بيوتنا وأن نسارع إلى القضاء عليها قبل اشتعالها وقبل تشتت الأسر ووقوع الندم وذلك أولاً بتعمير البيوت بذكر الله وتنويرها بالطاعات والصلاة وإحيائها بالإيمان والعبادة لأن البيوت إذا لم تعمر بالخير والذكر وقراءة القرآن فإنها ستكون مرتعاً للشيطان يملؤها بالفساد والمشاكل لأنها بيوت ميتة اجتالتها الشياطين وعششت فيها وفرخت فأعمت قلوب ساكنيها وضيقت صدورهم وأوحشتها فضاقت نفوسهم وتهيأت لابتعاث المشاكل.

 

فالبيوت إذا خلت من قراءة سورة البقرة وخلت من النوافل وخلت من التحصينات والأذكار ابتعدت عنها الملائكة وصارت مأوى للجن والشياطين وانقلبت قبوراً موحشة وأطلالاً خربة ولو كانت قصوراً مشيدة أهلها موتى القلوب وإن كانوا أحياء الأجساد يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء» (رواه مسلم).

 

فكم مرة يا عباد الله ندخل البيوت ولا نأتي بدعاء دخول البيت «اللهم إنا نسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا» وكم مرة نأكل ولا نأتي بدعاء الأكل «بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار» ثم بعد ذلك نشتكي من كثرة المشاكل في بيوتنا.

 

كم منا من يدخل البيت وهو يغني أو يدخل وهو يسب ويشتم فيستفز الشياطين {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء: 64].

 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان»، وفي رواية أخرى صحيحة قال النبي: «وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ خرج من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» ويقول صلى الله عليه وسلم «مَثَل البيتِ الذي يُذكَر الله فيه والبيتِ الذي لا يُذكر الله فيه مثلُ الحيِّ والميِّت» (أخرجه مسلم).

 

فلابد من إزالة الغفلة والشهوات ومزامير الشيطان ووسائل الفساد وأصوات المطربين من البيوت فما أقبح البيوت إذا خلت من ذكر الله وحلت فيها الشياطين لأن الشياطين هم أساس كل شر ومشكلة وكثرة ذكر الله سبحانه وتعالى أساس لعلاج لكل هم ومشكلة لأن الإنسان إذا ضاقت عليه الدنيا جيرانه يؤذونه أو إخوانه يحسدونه أو يحقدون عليه أو زوجته تشتكي منه فالعلاج الأول هو ذكر الله والإكثار منه {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

 

كما أن على المسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره فيستقبل النعم بالشكر ويستقبل المصائب والمشاكل بالصبر «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».

 

فلا يتصور الإنسان أنه سيعيش في هذه الحياة بلا هموم ومشاكل ولذلك عليه أن لا يتبرم ولا يتصخب من كل مشكلة ولو كانت صغيرة تافهة يقول الله سبحانه وتعالى:  {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155، 156] ويقول سبحانه {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20].

 

من الأمور المهمة لعلاج المشاكل التي تحدث في بيوتنا وأسرنا أن يكون لكل بيت أو في كل بيت مسئول أو أمير يجعلونه مسئولاً عليهم ويكون له الفصل والبت في جميع القضايا المتعلقة بالبيت وعلى الجميع في النهاية أن يسمع له ويطيع ويرضى بقراره حتى ولو كان يرى أن قراره غير صائب.

 

بهذه الطريقة ستسير الأمور على خير وستنتهي الكثير والكثير من المشاكل لأن مشكلتنا اليوم في البيوت هي أن الكل مسئول والكل يريد أن تكون الكلمة له والرأي هو رأيه والقرار النهائي قراره فتزداد المشاكل وتتعقد وتتخبط وهذا طبيعي جداً فلم نسمع أن هناك شركة لها مديران أو إدارة لها مسئولان لهما نفس الصلاحيات والمسئوليات ولم نسمع في العالم كله دولة مستقرة يديرها ملكين أو رئيسين فوجود أكثر من مسئول في مكان واحد سيؤدي في النهاية إلى المشاكل بلا شك.

 

وعلى المسئول أن يدرك أنه مسئول فلا يستبد ولا يجامل وإنما عليه أن يشاور ويتقبل النصح ويطلب الرأي وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس إذا كانوا في سفر أن يولوا عليهم أميراً مع أن سفرهم مؤقت فوجود الأمير أو المسئول في البيت أولى وأهم.

 

وإذا حدثت هناك مشكلة فلابد من حصرها وتضييقها فإذا كانت المشكلة بين زوج وزوجته فلا داعي أن يعرف الآخرون في البيت هذه المشكلة أو تنشر بينهم وإذا كانت بين أخ وأخيه أو بين إمرأة وامرأة في البيت فلاينبغي أيضاً أن يعلم بها الجميع ويتحدث عنها الكل لأن كثيراً من المشاكل تتأجج وتتشعب بسبب انتشارها ووصولها إلى آخر الحافة أو الحارة.

 

وكم من مشكلة صغيرة صارت كبيرة ومعقدة لأنها خرجت وانتشرت ولو ضيقت وحوصرت لحلت وانتهت وهنا يأتي دور المسئول في البيت في الإسراع في حل المشكلة حين حدوثها وقبل وصولها إلى متناول الجميع فالزوج والزوجة إذا كانا قادرين على مشكلتهما فما الداعي لإيصال الكلام إلى أهله أو أهلها لأن الأهل وللأسف الشديد ربما يزيدون الطين بلة ويزيدون المشكلة تعقيداً.

 

هناك كثير من المشاكل تكثر في البيوت وتتكرر وتكون بين الأم والزوجة وهذه مشكلة تحتاج في التعامل معها إلى مهارة واعتدال فعلى الزوج أن يحسن التعامل مع أمه ويقوم برعايتها والاهتمام بها وأن لا يظهر الاهتمام بزوجته أمامها أو تقديمها عليها فإذا رأت الأم منه ذلك فإنها ستحبه وستحرص على إسعاد حياته الزوجية لأن الأم تشعر في داخلها أن هذه الفتاة أو الزوجة قد أخذت ولدها منها وعليه أن يشعر زوجته بما ينبغي لها أن تراعيه مع أمه ويقنعها بأن من سعادته وسعادتها أن يكون هناك وئام واتفاق بينها وبين أمه حتى لا تفهم الزوجة أن المستفيد من حسن العلاقة هي الأم وحدها.

 

أما أن يفضل زوجته على أمه ويقدمها عليها فإن هذا عقوق سيجني شؤمه في الدنيا قبل الآخرة ثم هو سبب لزيادة المشاكل وكثرتها.

 

وإذا رأى الزوج أن السبب الأكبر لهذه المشاكل يكون مصدره الأم ويتأكد أن أمه تواجه مشكلة في تقبل الأخريات فعليه أن يحرص أن لا يشارك أمه في السكن ويبحث عن الأشياء التي تقنع أمه بذلك وقد يكون سكنه خارج منزل أمه من البر بها فالعبرة بما يحقق لها الراحة والاستقرار وهذا لا يكون إلا في النهاية بعد أن تستنفذ كل الحلول والمعالجات لأن الزوجة العاقلة يجب عليها في الأصل أن تقدر حالة أمه وتتقبلها وتحاول بتعاملها وخلقها أن تحول بين هذه المشاكل وبين أمه.

 

وكثير من المشاكل الناشئة بين الأم والزوجات أو بين النساء أنفسهن سببها ضعف شخصية الزوج فهو إما أن تسيطر عليه زوجته فتسخره حسب مزاجها وكيفما شاءت فيصطدم بأمه وأخواته وإما أن يضعف أمامهن فيسيطرن عليه ثم يفرضن عليه أذية زوجته أو منعها حقوقها وكل هذا يؤدي في النهاية إلى مشاكل كبيرة وربما استعانت المرأة بأهلها فتقع بين المشكلة بين الأسرتين فعلى الزوج أو المسئول أن يثبت شخصيته بحيث تكون له شخصية قوية يحسب لها حسابها داخل البيت شخصية محبوبة وفي نفس الوقت مرهوبة.

 

والكلام في الحقيقة حول هذا الموضوع يطول ولن توفيه مقال ولا محاضرة نسأل الله أن يصلح أحوالنا ويجنبنا المشاكل والفتن.

_____________________________________________________

الكاتب: د. مراد باخريصة