((تفـنن))

ما دام بمقدورك أن تتفنن فتفنن، وما دام بمقدورك الإبداع فأبدع، وما دمت تستطيع البذل والعطاء فابذل وأعطِ،
وما دام بقدرتك أن تستخرج الدر والياقوت.. فاستخرجها..

  • التصنيفات: تزكية النفس - مجتمع وإصلاح -
((تفـنن))
دخل صاحبُنا الفصل وبدأ في كتابة درسه..
وكان أول ماكتب:  
بسم الله الرحمن الرحيم.. 
يقول:  
وقد حاولت أن أتفنن في الكتابة والخط حتى لو أتعبني ذلك أو أخرني أو أحرجني..  

وبينما هو يكتب إذا بأحد الطلاب يقول:  
يا أستاذ لا تتفنن.. فكله سيمسح بعد قليل..!! 

فوقعت موقعها في نفسه..  

فماذا لو أنه قال: 
أحسنت.. وما دام أنه سيمسح فلم التعب..  
وما دام أن الشرح سيقرأ فلم الكتابة أصلا..  

ولم رفع الصوت وخفضه ومده وقصره!!  
إلا أنه قبل أن يرد على تلميذه أو يتفوه بكلمة.. أخذ يفكر..  
ويتأمل في كلامه.. دون أن يشعر أحد.. 
ثم أكمل كتابة الدرس..  
ولما انتهى من كتابته وتوجه بوجهه إلى طلابه وأراد البدء في الدرس..  

قال:  
قد قلت يا فلان: لا تتفنن!! فسوف يمسح كله!!  

عزيزي ويا قرة عيني وفلذة كبدي وثمرة فؤادي:  
ما دام بمقدورك أن تتفنن فتفنن.. 
وما دام بمقدورك الإبداع فأبدع..  
وما دمت تستطيع البذل والعطاء فابذل وأعطِ.. 

وما دام بقدرتك أن تستخرج الدر والياقوت.. فاستخرجها.. 

لأنك كاتب كاتب لا محالة، فلمَ تكتب الشَّيْن وأنت تقدر على الزَّيْن!! 

تفنن ولا ترضَ بالدُّون..  

ألا ترى لاعب الكرة يجد المرمى فارغًا.. ولا يرسل الكرة إليه..!! 

بل يروح ويجيء ويسحب بهذا.. ويجر ذاك..  
حتى إذا استعرض ما لديه واستفرغ وسعه وطاقته.. أرسلها هدفًا..  

وودّ لو أنه أطال في تفننه واستعراضه أكثر وأكثر.. 

فتجد الفرحة تغمره وتعلوه وتلفه من كل جهة حتى يكاد يطير..  

والشاعر العربي يقول: 

ولم أر في عيوب الناس  عيبا        كنقص القادرين على التمام

وينتقل الكلام الآن من التلميذ إلى معلم التلميذ وأستاذه ومربيه..  
أنت يا صاحب الخلق والأدب..  
قدوتنا.. ومعلمنا..  
قد رأينا منك ما ساءنا وأقلقنا..  

ولا ندري أنصدق أنفسنا أم نصدقك..  
لكن لك الأمر بعد قراءة هذا الكلام أن تحكم أنت علينا وعلى نفسك..  
أي واحد منا قصر في حق الآخر..  

نرى بعض المعلمين يأتي وكأنه مجبر على عمله..!! 

فربما بحث عن عمل ولم يجد فجاء هنا بلا رغبة ولا دافع وكأنه يحس بأنه راحل عنا لا محالة.. 
ويشعر بأن وجوده مؤقت فلا داعي للتعب والإرهاق... 

فلا شرحَ وافيًا ولا أقلامَ ولا حتى ابتسامة معنا ولا توددَ إلينا.. 

حتى مصلحة طلابه لا تهمه.. ودرجاتهم لا تعنيه.. 

أهم ما يهمه متى ينزل الراتب.. 
وأكبر ما يقلقه حضور طابور..  
أو تحضير درس... 
أو إبداع في شرح.. 
أو حتى تعدد الألوان للتوضيح.. 

وأعظم ما يزعجه قولك له: قد قصرت، أو ليتك فعلت كذا وقمت بكذا..  

لأنه كما عرفنا يرى نفسه في قطار سيصل بعد قليل!! 
أو تحت ظل شجرة ستغرب عنها الشمس.. 

ولو فكر قليلا... 
وتذكر التعب والنصب والإعياء والإرهاق الذي يلحقه عقب كل درس وفي نهاية كل يوم لعلم أنه خاسر فيما مضى!! 
مغبون في عمله..!! 
قد ضاع تعبه سدى!!  
وذهب جهده هدرا..!! 

فاستحضِر النيةَ جُعلت فداك، وتذكر أنه كما تدين تدان: 

فكما تبذل لأبناء المسلمين فسيأتي من يبذل لأبنائك.. 
وكما تحمل همهم فسيأتي من يحمل هم أبنائك.. 
وكما مددت يدك البيضاء إليهم رحمة وشفقة وحنانا وحرصا وحبا وتضحية فثق تمام الثقة أن أيادي بيضاء ستمد وفاءً وشكرا إلى أبنائك وليست يدًا واحدة.. 
والله لايضيع أجر المحسنين.. 
فكن منهم وأنت بإذن الله منهم.. 

ثم تذكر لأجل من تعمل؟ 
ولرضى من تبذل؟ 
 

لحظة:
التدريس مهنةُ شرفٍ ولكنها شاقةٌ جدًّا ويعرف ذلك من جربها..  

فلنحتسب هذا التعب عند الله..  
ولنجدد النية.. 
ولنعقد العزم على (( التفنن )) والكمال في كل شيء...

والسلام عليكم...
_____________________________________________________
الكاتب: محمد السبيعي