والقرآن حجة لك أو عليك

محمد سيد حسين عبد الواحد

الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ، أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

  • التصنيفات: التقوى وحب الله -

أيها الإخوة الكرام:  ورد في صحيح مسلم وعند أصحاب السنن وغيرهم من حديث أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضى الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «" الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ، أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا "» .

هذا الحديث الشريف: من الأحاديث الجامعة التي أكرمنا الله بها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم..

تكلم الحديث أول ما تكلم عن طهارة المؤمن، وعن بركة ذكر المؤمن لربه سبحانه وتعالى، وعن ثمرة تحميده وتسبيحه لله رب العالمين.. «(الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ، أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) »

 ثم تكلم رسول الله في الحديث عن أثر الصلاة،  والصدقة، والصبر على المكاره فقال «(وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ)»  

ثم أتى الحديث الشريف بالحديث عن كتاب الله عز وجل فقال عليه الصلاة والسلام «(وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ)» وعن هذه الفقرة تحديدا نتحدث.. «(وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ)» . 

القرآن الكريم أيها الإخوة الكرام:
 هو كلام الحكيم الحميد سبحانه وتعالى، المتعبد بتلاوته، المعجز بأقصر سورة منه، نزل به الروح الأمين على قلب خاتم النبيين ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين... 

جعل الله تعالى القرآن الكريم بما حوى من سور وآيات وحكم..  جعل الله منه حجة للإنسان يوم القيامة أو حجة عليه.. 

قال النبي عليه الصلاة والسلام «(وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ)» هذا خطاب لكل مسلم على حده،  وكأن رسول الله لا يكلم أحد إلا أنت ( وكأنك المقصود بها) يقول لك   «(وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ)»  

هذه الكلمة تأخذ بيد المؤمن فتقف به في ساحة الحساب بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة فالقرآن حجة للإنسان يوم القيامة، أو حجة على الإنسان أيضا يوم القيامة.. 

القرآن الكريم:  يكون حجة لمن رتل آياته آناء الليل وأطراف النهار.. 
القرآن الكريم:  يكون حجة لمن تفكر وتدبر في السور والآيات.. 
القرآن الكريم:  يكون حجة لمن عمل به، ولمن تأدب بآدبه،  ولمن تخلق بأخلاقه، ولمن أحل حلاله، وحرم حرامه،  وتحاكم إليه ورضى بحكمه .. 
القرآن الكريم:  يكون حجة لمن ربط معاملاته بالقرآن، و ربط سلوكياته بالقرآن،  وربط نيته،  وهمته، بالقرآن الكريم.. 
القرآن الكريم:  يكون حجة لمن زاده القرآن الكريم هداية على هدايته وإيمانا على إيمانه.. 
{﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ }

القرآن يدعو إلى عمارة الأرض يدعو إلى صلاح ذات البين يدعو إلى كف الأذى عن الناس يدعو إلى العدل يدعو إلى الإنصاف يدعو إلى فعل الصالحات والبعد عن السيئات يدعو إلى بر الوالدين وإلى صلة الرحم وإلى حسن الجوار.. 
فمن قبل هذا وعمل بهذا كان القرآن حجة له يوم القيامة.. 

وفي المقابل:  القرآن حذر من الإفساد في الأرض ونهى عن الخصومة بين المسلم وبين أخيه المسلم ونهي عن ظلم الناس ونهى عن العقوق وعن قطيعة الرحم ونهى عن الوقوع في الفواحش.. 
فمن ضرب بأوامر القرآن عرض الحائط ولم يستجب له و( اتبع نفسه هواها) كان القرآن حجة عليه يوم القيامة.. 

يوم القيامة: يقف القرآن الكريم مظللا لصاحبه من حر الشمس التي تدنو من الرؤوس قدر ميل.. 
يوم القيامة: يقف القرآن الكريم مدافعا عن صاحبه بين يدي الله سبحانه وتعالى.. 
ومن المعلوم المشهور أن من الشفعاء المقبولة شفاعتهم في الناس يوم القيامة ( القرآن الكريم) يشفع لأصحابه يوم القيامة.. 

فعن بُرَيْدَةَ الأسلمي رضى الله عنه قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : " « تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» ". 

قال بريدة: ثُمَّ سَكَتَ رسول الله سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ : " «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ ، وَإِنَّهُمَا تُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَايَتَانِ ، أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ»  ..

قال بريدة ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام (وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ 
فَيَقُولُ : مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ : أَنَا صَاحِبُكَ ( الْقُرْآنُ) الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ. فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ : بِمَ كُسِينَا هَذَا ؟ فَيُقَالُ لَهُمَا : بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا. فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا ".

قلت:  هذا الذي يكون القرآن الكريم ( حجة) له.. 
إنسان آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلّم،  وآمن بما أنزل عليه من آيات الله والحكمة، وبعد إيمانه بالآيات ( رتل الآيات) و( تدبر الآيات) وجعلها ( إماما له) وجعلها ( نورا) يهتدي بها 

قال الله تعالى {﴿ قد جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ ﴾ ﴿ يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِۦ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾}

وقال عز من قائل {﴿ إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾}  

وقال {﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ }
  
من اخذ القرآن بهذا المعنى: 
كتاب( هداية، وعبادة، وشفاء، ونور، وعمل) من اخذ القرآن بهذا المعنى كان القرآن له لا عليه كان القرآن ربيع قلبه،  ونور بصره،  وذهاب همه وحزنه،  وفي القبر يأتي القرآن جليسا ومؤنسا لصاحبه،  وإذا قامت القيامة كان القرآن شفيعه وحجيجه بين يدي الله سبحانه وتعالى، وفي الجنة يقال لصاحب القرآن اقرأ ورتل وارتق فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.. 
  
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء صدورنا،  وذهاب همومنا وغمومنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.. 

الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن القرآن الكريم،  وعن بيان أن القرآن الكريم سيكون يوم القيامة حجة للإنسان..  بقي لنا أن نقول إن لم يكن القرآن الكريم حجة لك فقد يكون حجة عليك.. 

من غفل عن حفظ الآيات،  من أهمل تدبر الآيات،  من أعرض وتجاهل العمل بالآيات، من فصل بين القرآن وبين تصرفاته كانت هذه الآيات حجة عليه يوم القيامة.. 

وقد ذم القرآن حال قوم حفظوا الآيات،  ثم أهملوا تدبر الآيات،  ثم تجاهلوا العمل بتلك الآيات فشبههم الله تعالى أعزكم الله ب(الحمير)  تحمل الكتب والصحف ولا تستفيد من حملها بشيء فقال: {﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُوا۟ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾}

هذه الآية نزلت تتحدث عن اليهود: أرسل الله إليهم رسولين كريمين،  أما أحدهما فهو موسى عليه السلام وأما الآخر فهو هارون عليه السلام.. 

رسولين اثنين بعثا إلى قومها في زمان واحد، ومعهما كتاب كريم فيه حكم الله وفيه هدى من الله وفيه نور قال الله تعالى    {﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَىٰةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُوا۟ لِلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلْأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُوا۟ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ ۚ.. ﴾}

اما موسى وهارون:  فلقد آذاهما بنو إسرائيل أشد الأذى، 
اما هارون فلقد استضعفوه وكادوا أن يقتلوه.. 
وأما موسى فبغوا عليه، ووصفوه بمساوئ ليست فيه فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها  ... 
واما التوراة ( كتابهم الذي أنزل على نبيهم) فحفظوها في صدورهم،  وكتبوها في سطورهم،  لكنهم هجروها،  وتجاهلوها، فعطلوها،  وكتموها،  واخفوها،  وغيروها،  وبدلوها، فلم يعملوا بها، ولم يحكموها فيما بينهم  .. 

فانزل الله تعالى فيهم هذه الآية {﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُوا۟ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾}

هذا ما نود أن ننبه إليه أيها المؤمنون:  
قد يكون القرآن حجة لك، وقد يكون حجة عليك يوم القيامة.. 
إذا لم تستجب له، إذا أعرضت عنه،  إذا هجرته تلاوة ، إذا هجرته عملا، إذا لم تتأدب بأدبه،  إذا لم تحل حلاله،  إذا لم تحرم حرامه كان هذا القرآن حجة عليك يوم القيامة،  ولم يكن لك شفيعا ولا نصيرا..