كثرة الزلازل من أشراط الساعة: الآيات والعبر
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهُوَ القَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ»
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهُوَ القَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ» [1].
فأشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الى أن كثرة الزلازل من أشراط الساعة.
ولعلكم سمعتم ورأيتم في وسائل الإعلام المختلفة الزلزال المدمِّر الذي ضرب تركيا وسوريا وامتدت آثاره إلى البلدان المجاورة، وأسفر عن آلاف الوفيات وآلاف الجرحى والمعطوبين، فضلًا عن الدمار الهائل الذي أصاب المباني والبنية التحتية، وتشريد الكثير من الناس فضلوا في العراء في ظروفٍ جوية صعبة حيث الثلوج والأمطار[2].
وسنقف في هذه الخطبة إخواني مع هذا الحَدث الجَلل في وقفتين اثنتين:
الوقفةُ الأولى: الزلازل آية من آياتِ الله الدالَّة على عظمته لتخويف العباد:
قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59].
وآيات الله كثيرة منها: البراكين والتسونامي والأعاصير والجفاف وغيرها، ومن السَّذاجة أن نعتبر الزلازل ظواهر طبيعية فقط؛ كما عند دعاة التفكير المادي، لكن نحن المؤمنون بالله نؤمن على أنَّه وإن كانت في ظاهرها ظواهر، لكنها عذابات وتخويف وتذكير وإيقاظ للغافل لأجل الرجوع إلى الله، ومن أراد أن يتأكد من صحة ما نقول:
أولًا: يستقرئ كتاب الله وما فيه من أسباب حلول العذاب بالأقوام الذين كذبوا رُسلهم، ففي قوم نوح مثلًا؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت:14].
فبيَّن الله عز وجل سبب الطوفان وهو ظاهرة طبيعية بكونهم ظالمين، وقال تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:11-15].
فبيَّن السبب وهو كفرهم، وأمرنا بالاعتبار، وفي عاد قوم هود قال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:18-20]، والريح ظاهرة طبيعية سببها التكذيب بهود عليه السلام.
وفي ثمود قوم صالح قال تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:78].
وقوم شعيب قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [العنكبوت:37]. والرجفة التي أصابت قوم صالح وشعيب عليهما السلام هي الزلزال، والسبب التكذيب والإفساد في الأرض، وفي قوم لوط قال تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:74-75]، والزلزال قد يقلب المدينة بأكملها والسبب ممارسة اللواط، وهكذا.
ثانيًا:خسفت الشمس في عهده صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم خَطَبَ فيهم، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا» [3].
فلم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم خُسوف القمر أو كسُوف الشمسِ ظواهر طبيعية وحسب، بل اعتبر ذلك آية من آيات الله، وأمرَ بما يدلُّ على الإنابةِ إلى الله والرجوع إليه.
الوقفة الثانية: الدروسُ والعبر من آية الزلازل:
الدرس الأول: وجوب الرضا والصبر في حالة الضراء والبلاء: ما حيلة إخواننا وقد أتاهم ما أتاهم، هل لهم الخِيرَة من أمرهم؟ كلا؛ ماذا يجب عليهم؟ الصبر على البلاء وعدم القول إلا ما يرضي الرحمن، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، فهذا قضاؤه لا رادَّ له.
الدرس الثاني: المِحن والابتلاءات تذكيرٌ وإيقاظٌ من الغفلة: وأكتفي لكم بأثرين:
الأول: عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أنَّه دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَرَجُلٌ مَعَهُ، فَقَالَ لَهَا الرَّجُلُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثِينَا عَنِ الزَّلْزَلَةِ، فَقَالَتْ: إِذَا اسْتَبَاحُوا الزِّنَا، وَشَرِبُوا الْخَمْرَ، وَضَرَبُوا بِالْمَغَانِي، وَغَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سَمَائِهِ فَقَالَ لِلْأَرْضِ: تَزَلْزَلِي بِهِمْ. فَإِنْ تَابُوا وَنَزَعُوا، وَإِلَّا هَدَمَهَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَعَذَابٌ لَهُمْ؟ قَالَتْ: بَلْ مَوْعِظَةٌ وَرَحْمَةٌ وَبَرَكَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَنَكَالٌ وَعَذَابٌ وَسَخَطٌ عَلَى الْكَافِرِينَ[4].
فأنتم ترون أنه موعظة للمؤمنين وتذكير لهم، ونكال وعذاب للكافرين، فهل من معتبر؟!
الثاني: أنه زلزلت الأرض في زمن عُمر رضي الله عنه، فقال لهم: ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيءٍ أحدثتموه، والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكتكم فيها أبدًا.
الدرس الثالث: تمسك بالدين رغم المحنة: الحمد لله في مِحنة هذا الزلزال سَمعنا من يَجهر بالتكبير، ومن يلتجئ إلى المساجد، فهي مصدر الأمن والأمان، وامرأة وجدوها تحت الأنقاض، فأرادوا إخراجها فامتنعت حتى يمدوا لها حجابها لتتستر به! هذا وهي بين الحياة والموت، ويُصدر منها هذا التصرف الكبير والرائع في وقت الشدة، فماذا تقول لربها التي تتعرى في وقت الرخاء، قال صلى الله عليه وسلم: «تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» [5].
الدرس الرابع: الإغاثة واجب ديني وإنساني: في هذا الزلزال رأينا صورًا للتضامن والتعاون والتراحم؛ الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون عند وقوع مثل هكذا كوارث، بل التضامن الإنساني بين الدول والهيئات والمنظمات الإغاثية - وإن اختلف الدين - فمن دِيننا نتعلم الأخوة من قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وهذه الأخوة ينبغي أن تظهر بقوة في زمن المحن والشدائد؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [6]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه» [7].
والحمد لله نجِد من يسارع للتبرع بالدم، وفتاوى بإخراج الزكاة قبل الوقت لإغاثة المَنكوبين، وفتاوى للقيام بدعاء القنوت للنوازل، ومن يتطوع للإغاثة، ومن يرسل مساعدات، وغيرها من أنواع القربات والتضامن في مثل هذه الأوقات.
الدرس الخامس: الاستعداد للموت في كل وقت وحين: الزلزال الذي وقع جاء بالليل والناس نِيام، في الرابعة فجرًا تقريبًا، هل درى أحدُهم حين نام أنه لن يُصبح؟ وهناك من جاء من مكان آخر ليموت هناك، عائلة فلسطينية ذهبت إلى تركيا منذ أشهر واشترت شقة لتكون على موعد مع الموت هناك، قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]، وهناك من يخطط أنه إذا أصبح سيفعل ويفعل، ولكن هيهات، كانوا على موعد مع أمرِ الله.
فالعبرة من هذا أنه بين غمضةِ عينٍ وانتباهتِها قد نغادر هذه الحياة، دون سابقِ إنذارٍ أو إعدادٍ، فالفَطِن من عَرف هذا وأعد للموت عُدَّته، واستعد للزلزال الأكبر، فالذي وقع جزء فقط أما زلزال القيامة فإنه يزلزل الأرض كلها، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:1-8].
فلنحرص إخواني أن نلقَى الله بصحِيفة بيضَاء خاليةٍ من ظٌلم الناس ومظالمهم، وأن يقبضَنا على توبة نصوحٍ وعملٍ صالحٍ.
[1] رواه البخاري برقم،1036.
[2] وقع بتاريخ: 15 رجب 1444هـ/ 6 فبراير 2023م. الساعة: الثالثة والربع فجرًا.
[3] رواه البخاري برقم،1044.
[4] العقوبات، لابن أبي الدنيا، ص29.
[5] رواه الحاكم في المستدرك: برقم:6303، وقال: إلا أن الشيخين رضي الله عنهما لم يخرجا شهاب بن خراش، ولا القداح في الصحيحين، وقد روي الحديث بأسانيد عن ابن عباس غير هذا. انظر:3 /623.
[6] رواه مسلم برقم:2586.
[7] رواه مسلم برقم:2699.
___________________________________________________________
الكاتب: عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت