إلى كل مبتلى: برقية عاجلة
لو علِم المبتلَى حقيقةَ قدر ربه الذي ابتلاه، وعرف جميل صفاته؛ لقبِلَ ابتلاءه مسلِّمًا وراضيًا..
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
لو علِم المبتلَى حقيقةَ قدر ربه الذي ابتلاه، وعرف جميل صفاته؛ لقبِلَ ابتلاءه مسلِّمًا وراضيًا، ولاستحيا أن يتضجر من ابتلائه، أو أن يشكو خالقه لمخلوق مثله، أو أن يظهر من حاله ظاهرًا أو باطنًا ما لا يليق بمقام عبوديته لربه، أو أن يعميه بلاؤه عن تبصر مواضع الإنعام، ومواطن الإكرام، التي اختصه بها مولاه، وما أكثرها!
لكن الخلق يتفاوتون في مراتب العلم واليقين بربهم، فمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر، ولله الحكمة البالغة.
وجهلُ بعضهم وتدني مراتبهم في مدارج العرفان والسلوك قد يدفعهم إلى سوء الظن بخالقهم.
وتبعًا لهذا؛ فهم كذلك متفاوتون في صبرهم على البلاء؛ فهم بين محروم من الصبر بالكلية، وما أخسره! وآخر متصبر على مضضٍ، يكدِّره تسخط، ويَغشاه شكٌّ، وتكاد تخلعه ريح خبيثة، وثالث ورابع وقوم آخرون وُفِّقوا لحالات أفضل، صابروا وصبروا ورابطوا، اجتباهم ربهم ووفقهم، فتنافسوا إلى عالي المنازل بين سابق ولاحق، وواصل وسائر، ومن ذاق عَرَفَ.
ومقامات الأبرار الذين عرفوا لربهم عظيم قدره، فهو الحكيم العليم، اللطيف الخبير، الرحمن الرحيم، الصبور الحليم، السميع المجيب، كريم جواد.
فذاقت قلوبهم حلاوة التسليم وبرد الرضا، فتبصروا - كلٌّ على درجته - المنحَ في المحن، والهدايا في الرزايا، والعطاء في المنع، والغِنى في الحرمان؛ فاستوت عندهم في مرضاة حبيبهم وطبيبهم الأحوال، لن تجهلهم، وستعرفهم بحُدائهم في سيرهم: «إذا لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي».
وليت الذي بيني وبينكم عامر ** وبيني وبين العالمين خراب
ورحمتك أوسع بي، ولا غِنى لي عن جودك.
سبحانك يا من له جميل المحامد كلها، واحد أحد، فرد صمد، تنزَّه عن النِّدِّ والنظير، مستغنٍ بذاته، والكل محتاج إليه ولو جحدوا، يتودد إلى خلقه بالنعم، يدعو حتى مسرفَهم إليه؛ قائلًا: لا تقنطوا من رحمتي؛ فلقد وسعت كل شيء، يعصيه خلقه بالنهار، ويكلؤهم ويحفظهم على فُرُشهم نائمين، كأنهم لم يعصوه نهارهم، ولا يهلك على ربٍّ هذه صفاتُ جوده وحِلْمِه وإمهاله إلا هالكٌ مسرف، أصم وأعرض؛ فخاب وخسر، نعوذ بالله من الخسران، ونسأله التوفيق لما يحب؛ آمين.
____________________________________________________
الكاتب: هشام محمد سعيد قربان