أنت الجماعة ولو كنت وحدك

نعم أنت الجماعة، أنت يا مَن تَمتلك الحقَّ، يا مَن ينادي في الناس بأنَّ الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبعَ، وتُصِرُّ عليه.

  • التصنيفات: تزكية النفس -

نعم أنت الجماعة، أنت يا مَن تَمتلك الحقَّ، يا مَن ينادي في الناس بأنَّ الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبعَ، وتُصِرُّ عليه.

كثيرٌ هم الذين يَعتقدون أنفسَهم على حقٍّ، ويُحاربون ويُناضلون في سبيل إظهار ما يَرونه حقًّا، رغم بُطلانه البيِّنِ، ولكن أين أنت يا صاحبَ الحقِّ؟ كفاك صمتًا، تكلَّم، ولا تَخشَ في الحقِّ لوْمة لائمٍ، ناضِلْ من أجْل الحقِّ، ستُواجهُ عديدَ المصاعب، وستُحارَبُ ممَّن يُروِّجون لحقٍّ مزعومٍ، وراجَت سِلعتُهم في مجتمع غريبٍ، باتَ مفتونًا بالنِّزاعات الشاذَّة، والخروجِ عن النص، مجتمع ماضيه يُغني عن حاضره المَليءِ بصَخَب الغربِ وأفكاره الملوَّثة؛ من تمييعٍ للحقائق والعقائد، وهزلٍ في الأصول، وزَيْفٍ في العموم، ومفاهيمَ مُتدنِّيَة، تُنقَل بغير وعيٍ أو قياسٍ على واقعِ المجتمع، مجتمع تفتَّتَ وتدنَّى لمستنقع هابطٍ، وذلك حين تخلَّى عن أصولِه الثابتةِ، وعقائدِه الراسخة، وتزيَّنَ بلباسٍ لا يَليق به، فلْتُناضلْ وتُحاربْ في رفْعِ راية الحقِّ.

 

وقد رُوِي عن الحسن البصري أنه قال: "مَن نافسَك في دينك، فنافِسه، ومَن نافسَك في الدنيا، فألْقِها في نَحره"، والفرقٌ كبير بين حقِّ مَن يَطلب الدنيا، وحقِّ مَن يَطلب اللهَ، وإن كان مَن يَطلب حقَّ الدنيا، يتجنَّى كثيرًا على مَن يَطلب حقَّ الله في زمانٍ الشهوةُ تغلب فيه على الحقِّ، كما يقول ابنُ مسعودٍ قبل قرون من الزمان: "أنتم في زمانٍ يقود فيه الحقُّ الهوى، وسيأتي زمانٌ يقودُ فيه الهوى الحقَّ"، وقد صدَق، وها نحن في ذلك الزمان المشوَّهِ، الذي يَخرج علينا فيه مَن يرفع صوته برفْضِه لأيِّ مشروعٍ إسلاميٍّ، وآخر يرى مستقبلاً مُشرقًا مع تجربةٍ عَلْمانيَّة! أليس - بالفعل - هذا هو زمنَ الهوى؟!

 

وقد وصَّى عمرَ أحدُ رعيته قائلاً: "أُوصيك أنْ تخشى اللهَ في الناس، ولا تَخشى النَّاسَ في الله".

 

وهنا تتجلَّى القيمةُ العُظمى، وهي كيفيَّة التعامل مع الحقِّ، ولو كان معارضًا لرأي الناس، والإصرار عليه مع كثرة مُعارضيه، حتى لو صار صاحبُه وحيدًا أمام جموعِ النَّاسِ؛ يقول ابنُ القيِّم - رحمه الله -: "إذا أصبَح العبدُ وأمسى، وليس له همٌّ إلاَّ الله وحْده، تحمَّل اللهُ حوائجَه كلَّها، وحمَل عنه كلَّ ما أهمَّه".

 

فأبْشِر يا صاحبَ الحقِّ، فالدَّعمُ من ربِّ العباد، من القاهرِ فوق عباده.

أليس هذا كافيًا؛ لكي تقفَ في وجه الباطل الذي تفشَّى في مجتمعاتٍ صارَت تَنسلخُ تدريجيًّا من هُويَّتها الإسلاميَّة، وتَركنُ إلى رأيِ المفكِّر فلان، والكاتبِ علان، والتجارب المُستوردة التي لا أصلَ لها في دينِ ربِّ العباد، وتتناسى ما هي عليه من دينٍ، مجتمعات ضجَّ أهلُها من المراوغة والنِّفاقِ، والتخاذُل عن الحقِّ، وإنكار مُؤَيِّديه.

 

ما أقلَّ أهلَ الحقِّ! وما أكثرَ أهلَ الباطل في زمنٍ غلَبت شهوتُه على هُويَّتِه!

____________________________________________________________
الكاتب: محمد الإبياري