توظيف الإعلام في محاربة الإسلام

منذ الحرب العالمية الثانية والمسلمون يتعرضون لحملة تضليل هائلة، تريد أن تقضي على البقية الباقية مما يحمله المسلمون من أفكار وأحكام نابعة من إسلامهم...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

منذ الحرب العالمية الثانية والمسلمون يتعرضون لحملة تضليل هائلة، تريد أن تقضي على البقية الباقية مما يحمله المسلمون من أفكار وأحكام نابعة من إسلامهم؛ لتبقى الدول الكافرة هي المسيطرة على بلاد المسلمين، ولتحويلهم وسلخهم عن دينهم وتاريخهم، وليتم ربطهم بالدول الكافرة، ربط عبد بسيد، لتتحكم بهم وتنهب خيراتهم، بدل أن يكونوا منافسين لها في الساحة الدولية أو أقله أن يكونوا حجر عثرة في طريقها لتنفيذ ما تريده من أهداف وغايات في العالم.

وهذه حالة حرب حضارية بيننا وبين الغرب، وهو أمر ظاهر للعيان، ولكن هذه الحرب لها أشكال متعددة، فهناك حرب عسكرية، وهناك حرب فكرية ثقافية، وهناك حرب اقتصادية، وهناك أيضاً حرب إعلامية أدواتها وسائل الإعلام. فكيف يسير الغرب معنا في حربه الإعلامية؟ وما هي أساليبه وخططه في حربه الإعلامية ضد المسلمين؟ وما هي الأهداف التي يسعى من خلال حربه الإعلامية هذه لتحقيقها؟

 

من المعلوم أن وسائل الإعلام تنشر برامج إخبارية وأخرى ثقافية، وفي الحالتين كان الهدف هو السيطرة على عقول وتفكير أبناء المسلمين، وبيان ذلك كما يلي:

من الثابت أن المعلومة تعتبر ركناً أساسياً في العملية الفكرية للإنسان، وأن الأفكار هي التي تحدد حاضر الأمة وتحدد مستقبلها، فإن كانت الأفكار مبنية على معلومات صحيحة كانت أفكاراً صحيحة منطبقةً على الواقع، وكانت الأعمال التي تُؤسَّس عليها أعمالاً صحيحة تحقق غايتها وهدفها، وبالتالي يحصل الارتقاء عند الأمة.

أما إن كانت المعلومات خاطئةً، فإن التفكير على أساسها يكون خاطئاً، ويكون العمل المترتب عليه خاطئاً ولا يحقق الأهداف والغايات.

هذا الأمر أدركه الغرب لذلك سعى إلى أن يسيطر على تفكيرنا، فيقوم من خلال هذه السيطرة على تفكير المسلمين ببرمجة عقولهم بالطريقة التي تخدم أهدافه، وبالتالي لا يستطيع المسلمون أن يكونوا حجر عثرة أو منافساً له فيما يريد أن يحققه من أهداف في العالم؛ ولذلك اعتمد الغرب بوسائله الإعلامية عدة أساليب للسيطرة على تفكير المسلمين:

أولاً: احتكار المعلومة.

ثانياً: فبركة المعلومة أو تصنيعها.

ثالثاً: ربط الوسائل الإعلامية بأجهزته الاستخباراتية، وعدم الإبقاء على ما يمكن أن يسمى إعلام غير منحاز، أو إعلام موضوعي.

أما احتكار المعلومة، فللتدليل على ذلك نذكر ببعض الحقائق من أرض الواقع، فهناك أكثر من مائة معهد معلوماتي منتشرة في دول الغرب تقوم برصد كل ظواهر وبواطن نفسيات وعقليات المسلمين، وكلها تبحث بأسرار وإمكانيات وثروات وتوجهات ونقاط ضعف ونقاط قوة الإنسان المسلم، مثل مؤسسة روكفلر للدراسات الاستراتيجية، فور فاونديشن للمعلومات، ومركز نيكسون للدراسات، ومؤسسة التراث الأميركية (هيريتاج) وغيرها. وهذه المؤسسات المعلوماتية توظف عدداً هائلاً من الباحثين عن الحقائق المعلوماتية المتعلقة بنا، وهي التي توجه سياسات الغرب المتوجهة ضد المسلمين، ليس السياسات العسكرية والاقتصادية فحسب، بل وحتى السياسات الإعلامية، وهذه السياسات هي التي كانت تدفع باتجاه احتكار المعلومة من قبل الغرب.

والدول المهيمنة في العالم أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا تحتكر أكثر من 90% من وسائل الإعلام العالمية، وهي رقمياً تمتلك أكثر من 70.000 محطة إذاعية، بالإضافة إلى 50.000 محطة تلفزيونية مقابل ما لا يزيد عن 3000 محطة في كل العالم الثالث، فالهوة الهائلة واضحة في وسائل الإعلام.

أما فيما يتعلق بالأخبار والصحافة ووكالات الأنباء فأكثر من 90% من الأخبار تصدر عن 5 وكالات أنباء هي: أسوشيتدبرس الأميركية، رويتر البريطانية، اليونايتدبرس الأميركية، ووكالة الصحافة الفرنسية، ووكالة الأنباء الألمانية، وهي بمجموعها تسيطر على أكثر من 90% من أخبار العالم، وتسيطر أميركا على أكثر من نصفها، وتوزع يومياً أكثر من 40 مليون كلمة على صحف العالم، أما العالم الثالث فلا يوزع إلا 30.000 كلمة أي لا يبث أكثر من 1% من مجمل ما تبثه وكالات المهيمنين على العالم، و99% من الأنباء والأخبار تصدر عن وكالات غربية، فهذه الوكالات الخمس الإعلامية الإخبارية تحتكر الإعلام السياسي في العالم.

وهناك زاوية أخرى، إذا كانت هذه الوكالات تحتكر المعلومات، ما الذي يمنعها أن تصوغ الخبر بالطريقة التي تريد، وبالطريقة التي تخدم الدول التي تتبع لها هذه الوكالات، وهو ما يسمى عملية صناعة الخبر، فالأصل أن يقوم الصحفي بنقل الخبر بصدق وأمانة وموضوعية، ولكن الذي يجري في وسائل الإعلام غير ذلك، إذ يحصل تصرف من قبل وسائل الإعلام في الخبر، حتى يمكن أن توصف العملية بأنها غسيل للأخبار وتبييض للمعلومات في صورة مشابهة لما تفعل المافيا في عالم المال.

فمثلاً حدث واحد مثل هجوم الأميركيين على مدينة كالرمادي، هو خبر واحد، إذا سمعته من مصادر مختلفة ستخرج بآثار مختلفة في الذهن، وإذا سمعته من خمس محطات فضائية، فستخرج بخمس انطباعات مختلفة، فالجزيرة الفضائية تستخدم وصف المعارضة المسلحة العراقية، والعربية الفضائية تقول عنهم أتباع الزرقاوي، أما الـ(سي إن إن) فتسميهم فلول النظام السابق أو الإرهابيين، فأثر اللفظ في الذهن يختلف، فرق بين أن تسمع كلمة مقاوم وبين كلمة إرهابي، هذه المتابعة لبعض المحطات الفضائية توضح كيف أن كل وسائل الإعلام تصوغ الخبر والمعلومة بالطريقة التي تريدها هي حتى يحقق لها مصالحها، فهناك عملية فبركة للحدث، أو صناعة للخبر. وقد اتبعوا لذلك عدة أساليب ملتوية لإعداد مصادر نشر للأخبار منها:

1- إعطاء بعض الصحفيين ودور النشر جوائز مما قد يجعلهم مصدر معلومات معتمد. فمثلاً قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية كذبة، لكن استطاعت وسائل الإعلام الأميركية إيهام الرأي العام بخطرها، واستخدمت لذلك الكاتبة جوديت ميلر بعد أن تم إبراز هذه الصحفية وإعطائها مصداقية وهمية بمنحها جائزة على مستوى الصحافة الأميركية.

2- مهاجمة بعض الصحفيين المحايدين وتهميشهم، أو قتلهم أحياناً.

3- إعطاء بعض الإعلاميين بعض الأخبار الصحيحة والخاطئة بسبق صحفي لخلط السم بالدسم.

أما مسألة عدم وجود إعلام نزيه أو حر فأمر ثابت، فمثلاً حينما نسمع عن الـ(بي بي سي) يقفز مباشرة إلى الذهن معنى الرصانة والنـزاهة والموضوعية والحرفية في نقل الخبر، لكن في سنة 1970م أرسلت الحكومة البريطانية إلى الـ(بي بي سي) أنها لم تعد راضية عن الكيفية التي تغطي بها الصراع مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، وطلبت منها أن تتبنى وجهة نظر الحكومة البريطانية؛ فتصف عناصر الجيش الجمهوري الإيرلندي بأنهم إرهابيون.

ومن أمثلة ذلك الضغوط “العلنية” التي مارستها الحكومة الأميركية على قناة الجزيرة لإخراج الأخبار بالصيغة التي لا تؤثر على مصالح الإدارة الأميركية، ومن ذلك أيضاً ما نقلته صحيفة الواشنطن بوست أن رئيس الـ(سي إن إن) ولتر جاكسون طلب من مراسلي مؤسسته أن يُذَكِّروا جمهورهم بالأميركيين الذين قتلوا في أحداث الحادي عشر من أيلول كما تكلموا عن الإصابات المدنية في أفغانستان، وقال لهم ما نصه «إنه من الحماقة أن نركز كثيراً على إصابات الأفغانيين وظروفهم الصعبة» وسبب ذلك أنه لا يريد أن يحدث أثراً لدى المستمع الأميركي مما يحدث أثراً عكسياً على تأييد شعبه للحكومة الأميركية في خطواتها. وهذا ما يقر به دهاقنة السياسة الغربية، فمثلاً في مقابلة صحفية مع بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي المخضرم الأسبق نيكسون، أجرتها معه قناة (سي إن إن) قبيل حرب الخليج الأولى حيث قال: «أنا آخذ فقط 20% من الأخبار السياسية المنشورة في الجرائد والتلفاز أما الثمانون بالمائة الباقية فإنها ببساطة كذب وتضليل».

هذا من جهة الإعلام الإخباري، أما الإعلام الثقافي فلننظر إلى واقعه نظرة بسيطة في هذه الأيام، وتحديداً إلى الإعلام العربي، فماذا سنجد؟

هل بُنيت هذه الوسائل والأدوات فيما تنشر وتذيع على العقيدة الإسلامية؟

هل يتوخى الصحفي فيما يكتب وينشر قول الحق والالتزام به لا يغريه مال، ولا يرهبه تهديد؟

هل تلتزم الصحف ووسائل الإعلام -في العالم الإسلامي- بفضائل الإسلام حين تخاطب الناس وتنشر الأفكار الآراء التي تربى عليها الأجيال؟

إن نظرة سريعة -ولا أقول نظرة متخصصة- لصفحات المجلات والجرائد ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة تُري كم هي بعيدة عن روح الإسلام وبديهيات الإسلام، بل تُري مدى عدائها للإسلام، ومن الأمور البارزة فيها ما يلي:

1- تكريس مفاهيم تناقض العقيدة الإسلامية، كالدعوة لأفكار الديمقراطية والتغني بصفاتها، والدعوة إلى القومية، والدعوة إلى العلمانية التي تخرب المجتمعات والأفراد كالسوس ينخر في الخشب! الهجوم على المفاهيم الإسلامية التي تدعو إلى تطبيق الشريعة، بل ويتم غمز الشريعة الغراء من حين لآخر بدعوى عدم مناسبتها للعصر، وأن تطبيق الحدود “همجية”، وبعضهم يهاجم السنة والصحابة الذين نقلوها إلينا حتى يفرغوا الدين من محتواه، ويدعون صراحة لدولة يفصل فيها الدين عن الحياة، بل وصل الأمر للاستهزاء من الثوابت الدينية بشكل واضح وصريح كما حدث على لسان كاتبة مصرية وصفت شعائر الحج بأنها شعائر وثنية، ومع ذلك مازال يتم استضافتها في برامج عديدة وعلى صفحات جرائد كثيرة ويقدمونها باسم الكاتبة المستنيرة التي تكافح التطرف!

2- الترويج لمفاهيم الإباحية والاختلاط بين الجنسين تحت دعاوى “الفن والتطور”، وانتشار الترفيه الساقط والخلاعة بشكل يتنافى مع أبسط الأسس الثقافية للمجتمع الإسلامي، وهو الأمر الذي من استفحاله أثار استهجان الكثيرين حتى من غير المتدينين، ويكفي أن نذكر أن هناك أكثر من 20 محطة فيديو كليب “تبث برامجها حسب توقيت مكة المكرمة”.

3- تركيز الهجوم على أحكام شرعية معينة كالحجاب والاستهزاء به في برامج عديدة ومناقشة موضوع انتشار الحجاب بين الفتيات على أنه ظاهرة دخيلة على المجتمع، وأن السبب الحقيقي وراء انتشاره هو ظروف اقتصادية وليس عقيدة دينية، حيث وصل الأمر أن زوجة حاكم الأردن ورئيسة تحرير مجلة مصرية حكومية وصفتا الحجاب -في حديثين منفصلين- بأنه ليس من الإسلام، وأنه عادة في بعض المجتمعات استمدت من العادات الجاهلية. والأدهى والأمر أنه ظهر ممن يسمون مفكرين إسلاميين من يصدر فتاوى تحرِّف الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة والحجاب، مثل هرطقات الترابي في السماح للمرأة المسلمة بالزواج من الكافر الكتابي، وقوله بأن خمار المرأة (هو شرعاً غطاء الرأس) هو لغطاء الصدر فقط، وغير ذلك من الضلالات. ومع ذلك تكثر الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام من نقل ندواته التي يشرح فيها هرطقاته ويُسوِّق ضلالاته.

4- مهاجمة المخلصين في التيار الإسلامي، وخاصة الجماعات التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، وتخويف الناس منهم بدعوى أنهم “إرهابيون” وأنهم إذا وصلوا إلى الحكم فسيضيقون على الناس في كل شيء وسيحرّمون كل الأمور.

5- ومن أخطر ما نجد في وسائل الإعلام المغالطات في عرض الحقائق بحيث تطمس الحقائق الكبيرة بحقائق صغيرة، ومن ذلك إهمال أخبار العداء الصهيوني ضد الفلسطينيين خاصة والتغطية والتستر على أن عداء اليهود هو للأمة الإسلامية جميعاً. وكذلك تجنب نشر أخبار متعلقة بسياسات خطيرة في محاربة المخلصين العاملين للخلافة، ففي الوقت الذي تهتم وسائل الإعلام بالتغطية الإعلامية لورشة عمل خاصة بقضية محلية لبلد ما، تجدها لم تذكر خبراً أو تحليلاً عن أعمال مؤتمر عقد في تركيا على مدار يومين أوائل شهر سبتمبر 2004م برعاية مركز نيكسون للدراسات تحت عنوان: «تحديات حزب التحرير – فهم ومحاربة الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة» رغم خطورة القضية التي يتناولها، ورغم أنه مؤتمر يصح أن يوصف بالدولي لمشاركة ممثلين عن حكومات وأجهزة استخبارات لدول شرق أوسطية وغربية فيه، ولأنه تناول قضية تتعلق بحزب عالمي.

ومن ذلك إهمال الحديث عن التصريحات الخطيرة والكثيرة للسياسيين الغربيين التي تثير في الأمة أحاسيس النهضة، مثل تصريحات هنري كيسنجر ورامسفيلد وبوش وبوتن وغيرهم التي تهاجم فكرة الخلافة بشكل صريح، مع أنهم عادة ينقلون ويحللون كل ما هبَّ ودبَّ من أقوالهم وتصريحاتهم. ومن هذه التصريحات التي لم تأخذ نصيباً من الاهتمام والتحليل رغم خطورتها:

– مقولة هنري كيسنجر التي نقلتها عنه مجلة نيوزويك في عددها الثامن من شهر تشرين الثاني 2005م: «إن العدو الرئيسي هو الشريحة الأصولية الناشطة في الإسلام، التي تريد في آن واحد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة، وكل المجتمعات الأخرى التي تعتبرها عائقاً أمام إقامة الخلافة».

– تصريح رامسفيلد أمام مجلس العلاقات الخارجية في 4/10/2005م: «يجب أن نتذكر أنه حيثما وجد المتطرفون.. فإن هدفهم هو قلب الحكومات في تلك المنطقة من العالم وإقامة الخلافة من جديد».

– ما ورد في خطاب بوش الذي ألقاه في 6/10/2005م وحذر فيه من الذين يعملون لإسقاط -ما سماه- الحكومات المعتدلة في المنطقة وإقامة إمبراطورية إسلامية راديكالية متطرفة تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا.

– خطاب وزير الداخلية البريطاني تشارلز كلارك الذي ألقاه في 5/10/2005م في مؤسسة التراث (Heritage Foundation) وهي مركز فكر محافظ في واشنطن دي سي، حيث كشف فيه وبوضوح أجندة الحكومة البريطانية في محاربة الإسلام ودولة الخلافة القادمة، وأن الحرب على الإرهاب ما هي إلا حرب على الإسلام، وعلى تطلعات ملايين المسلمين في العالم.

– تصريح الجنرال ريتشارد مايرز -رئيس هيئة الأركان العامة في أميركا- أثناء زيارته لتركيا بعد جولة له في العراق وأفغانستان، ونشرته بعض الصحف التركية (تركمان وحريات ومليات) في 30/8/2005م وأفصح فيه عن العداوة الحقيقية لحكام بلاده ضد الخلافة والعاملين لها، وقد جاء فيه: «في حال انسحاب القوات الأميركية فستعم الفوضى العارمة في المنطقة، وسيتمكن الإسلاميون المتطرفون من الوصول إلى الحكم في كثير من الدول والتي من بينها تركيا، وسيقيمون نظام الخلافة من جديد».

فلماذا تهمل وسائل الإعلام كل ما سبق، فضلاً عن غضها النظر عن ما أدلى به بوتين وكثير غيره من رؤساء العالم مراراً وتكراراً وفي مناسبات مختلفة، حيث اعتبروا أن التهديد الحقيقي للعالم سيأتي من تلك القوى التي تعمد إلى إقامة دولة إسلامية أصولية في آسيا الوسطى أو في الشرق الأوسط أو في تركيا.

إنها ولا شك حرب على الإسلام بشكل عام، وحرب على فكرة الخلافة بشكل خاص، وعلى اعتبار أنها التجسيد العملي للإسلام في واقع حياة الأمة، وإعادته فاعلاً في الساحة الدولية. وهي حرب يُتَعَمَّدُ فيها إغفال وستر كل ما يوجه الأمة إلى تحقيق خلاصها. ولكن على الرغم من هذا وذاك فإن ما تقدم يشير إلى حقيقة قطعية وهي أن الإسلام والخلافة قد فرض نفسه عنواناً وحيداً لدورة التاريخ القادمة، إن شاء الله تعالى، وستعلن الخلافة عن نفسها بأنها تاج الفروض، ووعد الله الناجز إن شاء الله، فقد قال سبحانه وتعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة 32].

لقد أصبحت الحكومات الغربية في حالة يأس، حيث ملايين المسلمين – من تركيا إلى إندونيسا- ينادون بإعادة الشريعة والخلافة لتحل محل الحكام المتسلطين الفاسدين، والملكيات والسلطنات التي تخدم الغرب بإخلاص منذ أن أسقطوا الخلافة عام 1924م، بعد أن فشلوا في مواجهة العاملين لإعادة الخلافة فكرياً وسياسياً، وأدركوا حتمية عودة الخلافة إلى المسرح الدولي. حتى إن خطر الخلافة القادم قد أرغم سادة الكفر والإعلام العالمي على النطق بذلك، وهذا التحول لم يكن بقرار طوعي من دوائر القرار ومؤسسات الإعلام، بل إن هذا ما أملاه طغيان فكرة الخلافة عالمياً حتى اقتحم على الإعلام معاقله.

كما أن الإعلام اليوم لم يقوَ على وقف الارتقاء المتزايد لمكانة الخلافة والعاملين لها، ولم يفلح في الحد من تأثيرها المتعاظم على جماهير الأمة، حتى تضاعف إقبال الأمة على العاملين للخلافة.

لقد كسرت فكرة الخلافة بعظيم تأثيرها وعزم العاملين لها حاجز الصمت، وظلمة التعتيم، وأطواق الحصار الإعلامي، وستكسر بإذن الله حال قيامها الحواجز التي تعيق وصول دعوة الإسلام إلى بقية العالم، حيث تعلو راية الجهاد لاستئناف الفتوح، ولم يبقَ سوى أن يكسر المترددون حاجز الخوف من تبعات وتكاليف النهوض والتغيير، لنقيم خلافتنا ونفوز في الدارين، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء 51].

أبو مأمون – الخليل