ليلة النصف من شعبان الواجب والممنوع

قال صلى الله عليه وسلم: «يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن»

  • التصنيفات: ملفات شهر شعبان -

بسم الله الرحمن الرحيم


عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» (رواه ابن ماجة، والطبراني وابن حبان في صحيحه). قال الألباني – رحمه الله - : حسن صحيح : صحيح الترغيب والترهيب (1/ 248).

وفي الحديث من المسائل ما يلي:

الأولى: بيان حق الله وحق العباد الواجب على العبد أداءهما:
فأما الأول: فحق الله جل وعلا؛ والمتمثل بعبادته وحده لا شريك له، وعدم صرف شيء منها لما سواه؛ ولو بالقسم او الحلف بغيره سبحانه وتعالى، جادا كان الحالف او هازلا. في الحديث الصحيح:
«حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» رواه الترمذي وحسنه، قال الألباني: صحيح: صحيح الترغيب والترهيب (3/ 76).


وأما الثاني: فحق العباد؛ والمتمثل في عدم مخاصمتهم او مقاطعتهم في غير وجه حق.
أما ان كان ذلك في الله ونصرة لدينه؛ كمقاطعة العاصي او الفاسق الذي يُرجى بهجره ومقاطعته صلاح أمره واستقامته، فلا حرج منه، لهجره صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن غزوة تبوك، واما ما دون ذلك من الخصام والمقاطعة فلا يصح؛ كأن يهجر المسلم أخاه لمصلحة دنيوية فاتته بسببه، او لشيء تنازعا عليه من متاع الدنيا، فهذا كله مما حرمه الإسلام، ورتب عليه حرمان العبد من مغفرته وعفوه كما في هذا الحديث. اذ الواجب على العبد ان يجعل حبه وبغضه لله وفي الله لا لدنيا او شيء من متاعها الفاني، في الحديث:

«أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله عزوجل» صحيح : انظر حديث رقم : 2539 في صحيح الجامع.


فعلى العبد ان يتجنب كل سبب يجره الى ما فيه شيء من هذه الأدران، فلا يتعلق قلبه الا بربه، ولا يخضع او يذل الا لخالقه، وليحذر كل الحذر من أذية اخوانه او منازعتهم، بأي أمر يوقعه في القطيعة والبغضاء، صغر هذا الأمر ام كبر، حتى لا تتسلل الشحناء الى صدره فيحرم نفحات ربه في هذه الليلة العظيمة.


وكما يجب على العبد الحذر من الشرك والشحناء في هذه الليلة، فإن الواجب أن يحذر منهما في جميع اوقاته وساعاته، في الحديث الصحيح: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين و يوم الخميس فيغفر فيها لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه و بين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا».
صحيح: انظر حديث رقم: (2970 ) في صحيح الجامع.

الثانية: ومن مسائل هذا الحديث؛ كرم الله وواسع فضله على عباده في مغفرة ذنوبهم والتجاوز عنها.
واللافت للإنتباه في هذا الحديث؛ ان الله يغفر في هذه الليلة لعباده ذنوبهم وان لم يصيبوا عملا صالحا فيها، وكفاهم منها سلامة صدورهم من الشرك، والضغينة او معاداة إخوانهم، فمتى ما سلم قلب المسلم من هذه الأدران في هذه الليلة، وطهر منها؛ استحق المغفرة وصار أهلا لها عند الله.

الثالثة: ان المعيار الإلهي في تمايز الخلق عند خالقهم؛ سلامة صدورهم، وطهارتها، من دنس الوثنية، ورجس المعاداة والغل على الخلق.
فانشغال العبد بما سوى ذلك؛ ضياع لعمره، وهدر لجهده وطاقته فيما لا طائل منه او فائدة، وفي الحديث الصحيح:
«إِنَّ اللَّهَ لَا ينظر إِلَى صوركُمْ وَلَا أموالِكم وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

الرابعة: ان الإنشغال في هذه الليلة بشيء من العبادة وتخصيصها به؛ نوع من فساد العبادة لله، وصرفها لغيره، وان تقرب العبد بها اليه؛ لعدم مشروعية شيء من ذلك فيها، ومن عبد الله بغير ما شرع فقد عبد غيره وان تقرب بعبادته لربه، في الحديث الصحيح: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». (متفق عليه).


وقد نص المحققون من أهل العلم – رحمهم الله – على انه لم يصح في فضل ليلة النصف من شعبان شيء غير هذا الحديث، فلا يصح تخصيص ليلها باجتماع او ذكر او صلاة، ولا يخص نهارها بصيام او صدقة او بر، اللهم الا ان يصوم العبد هذا اليوم بقصد يفارق به تخصيصها؛ كصيام أيام البيض او النافلة المطلقة لله، او في واجب عليه، ونحو ذلك.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (2/ 236): (ذهب جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الى كَرَاهَةِ الاِجْتِمَاعِ لإِحْيَاءِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الاِجْتِمَاعَ عَلَيْهَا بِدْعَةٌ وَعَلَى الأْئِمَّةِ الْمَنْعُ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْل عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَذَهَبَ الأْوْزَاعِيُّ إِلَى كَرَاهَةِ الاِجْتِمَاعِ لَهَا فِي الْمَسَاجِدِ لِلصَّلاَةِ؛ لأِنَّ الاِجْتِمَاعَ عَلَى إِحْيَاءِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ لَمْ يُنْقَل عَنِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ) انتهى.

الخامسة: وجوب مراقبة العبد ربه، ويقينه باطلاعه عليه، فان اعتقد المسلم ذلك واستشعر اطلاع الله على أمره ما ظهر منه وما بطن، أحسن في تصرفه وسلوكه مع ربه ومع إخوانه.
قال الله:
{أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77]، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]، وقال:
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة: 255]، وقال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3]، وقال: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7].

والحمد لله رب العالمين.

_____________________________________________________

الكاتب: رضوان بن أحمد العواضي