على طريق المواجهة مع مصر

على ضوء تعاظم التوتر الذي شهدته العلاقات بين القاهرة وتل أبيب عقب حادث الاعتداء الآثم برصاص جيش الاحتلال الصهيوني ضد الجنود المصريين في المنطقة الحدودية بسيناء وما أعقبه من مظاهرات ....

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

على ضوء تعاظم التوتر الذي شهدته العلاقات بين القاهرة وتل أبيب عقب حادث الاعتداء الآثم برصاص جيش الاحتلال الصهيوني ضد الجنود المصريين في المنطقة الحدودية بسيناء وما أعقبه من مظاهرات مصرية عارمة مطالبة بقطع العلاقات وطرد السفير "الإسرائيلي" من القاهرة، تزايدت المخاوف داخل الكيان الصهيوني من الدخول في حرب جديدة مع مصر، خاصة في أعقاب إسقاط النظام السابق برئاسة حسني مبارك الذي كان بمثابة الدرع الأول في حماية الكيان الصهيوني من حدوده الجنوبية... تلك المخاوف عبَّر عنها الخبير العسكري "إيهود عيلام" الباحث بمعهد أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي" التابع لجامعة تل أبيب، والذي وضع تصورًا للأسباب التي قد تؤدي إلى اندلاع حرب وشيكة بين مصر و"إسرائيل"، مستعرضًا - من خلال مقاله الذي نشره بمجلة "إسرائيل ديفنس" العبرية - دور الولايات المتحدة الأمريكية في منع نشوب تلك الحرب.

في مستهل مقاله الذي حمل عنوان "على طريق المواجهة مع مصر" أشار "عيلام" إلى أن نظام الرئيس مبارك خاصة بفضل مكانته كرئيس لمصر يعتبر بمثابة عنصر استقرار بشكل عام. ورغم أن "مبارك" قد شوهد وهو حيٌّ خلف القضبان، لكنه يرقد على سرير في حالة إعياء شديدة منتظرًا الحكم الذي سيصدر ضده. وحاله هذا يذكرنا بحال اتفاقية السلام المصرية – "الإسرائيلية" التي تنتظر هي الأخرى الحكم النهائي بشأنها. فالغموض بات يحيط بمستقبل تلك الاتفاقية. وفي أعقاب إسقاط نظام مبارك وحالة الضبابية التي تسود العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، فمن المحتمل أن تتدهور العلاقات بين البلدين بشكل كبير لتصل إلى حالة العودة للحرب بين البلدين.

وتابع "عيلام" قائلاً: "طوال العقود الثلاثة الماضية صمدت اتفاقية السلام المصرية – "الإسرائيلية" رغم الأزمات المختلفة التي مرت بين البلدين، خاصة على ضوء استمرار النزاع العربي -"الإسرائيلي" عمومًا والنزاع الفلسطيني - "الإسرائيلي" على وجه الخصوص. خلال تلك العقود وصف السلام بين القاهرة وتل أبيب بـ"السلام البارد" بسبب التعاون المحدود نسبيًّا بين البلدين على المستوى الاقتصادي، الأسوأ من ذلك هو أن هذا السلام البارد قد يتحول إلى "حرب باردة" فربما يستمر السلام، لكن بشكل رمزي فقط".

وأضاف الخبير الصهيوني في سياق مقاله: "تكمن المخاوف الكبرى في أن العلاقات من هذا النوع قد تؤدي إلى نشوب أزمة، بل وربما مواجهة بين مصر و"إسرائيل"، وقد تنجذب الأولى لذلك نتيجة لحالة غضب وإحباط لدى الشعب المصري لأسباب قد تتعلق بصعوبات داخلية، سياسيًّا واقتصاديًّا، والتي تزايدت وتفاقمت حدتها عقب سقوط نظام مبارك".

وزعم "إيهود عيلام" أن مصر سعت في ظل حكم مبارك لأن تكون دولةً مهيمنةً وكزعيمة للعالم العربي. وساهم في ذلك ضعف كلٍّ من سوريا والعراق المنافستين الرئيستين لمصر على هذه الزعامة. أما النظام الجديد الذي سينشأ في مصر ورغم تطلعه للتخلص من أية صلة بنظام مبارك لكنه سيسعى بلا شك إلى تعزيز المكانة الدولية لمصر عمومًا وفي العالم العربي على وجه الخصوص. و"إسرائيل" بطبيعة الأمر غير قادرة على منافسة مصر على زعامتها للعالم العربي، لكن مع ذلك تتطلع مصر لتقزيم قوة "إسرائيل"، مؤكدًا على أن البلدين سيواصلان المناورة فيما بينهما لفرض السيطرة على النطاق الإقليمي في إطار الصراع حول المصالح المختلفة، والتي من بينها على سبيل المثال قضية النووي "الإسرائيلي"، حيث تدير مصر صراعًا مريرًا في هذا الصدد بهدف إجبار "إسرائيل" على التخلي عن سلاحها النووي.

وهناك قضية شائكة أخرى محل للصراع بين مصر و"إسرائيل" - حسب ما ذكره عيلام في مقاله - وهي القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن أية مصادمات بين "إسرائيل" والفلسطينيين خاصة مع حركة حماس في قطاع غزة قد تؤدي إلى جر مصر للدخول في مواجهة عسكرية ضد "إسرائيل".

وينوه عيلام إلى أن هناك قضية أخرى أكثر حساسية عالقة في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، وهي شبه جزيرة سيناء، مشددًا على أن أية تنازلات من الطرفين بشأن سيناء ستزيد من حساسيتهما حيال من سيُقدم على انتهاك اتفاق السلام ومن سينتهك السيادة في سيناء. لذا يدرك الطرفان جيدًا أنه بسبب أن سيناء منطقة منزوعة السلاح فالجيشان المصري و"الإسرائيلي" قادران على اختراق عمقها بسرعة. وأوضح أنه توجد عناصر أخرى قد تؤدي لحدوث توتر مستمر أو مفاجئ في العلاقات بين البلدين مثل سباق التسلح المستمر بينهما. مشيرًا إلى أن مصر و"إسرائيل" قد سبق لهما أن دخلتا في نزاعات مسلحة طوال الفترة الممتدة من عام 1948 وحتى عام 1979، وأن المستقبل أيضًا قد يشهد تكرار مثل هذه النزاعات مرة أخرى.

على ضوء كل ذلك شدد خبير معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني على الدور الأمريكي في حل الأزمات التي قد تنشب بين البلدين، مشيرًا إلى أن حدوث تصادم بين دولتين حليفتين لواشنطن، هما من أكبر الدول في منطقة الشرق الأوسط - يعني مصر و"إسرائيل" - سيكون بمثابة الكارثة لها، لذلك من المتوقع أن تبذل واشنطن جهودًا مضنيةً من أجل منع حدوث تصادم بين البلدين، خاصة إذا كان تصادمًا عنيفًا. ويبرز الدور الأمريكي على وجه الخصوص من خلال تأثيرها القوي على مصر و"إسرائيل". وارتباط البلدين بعلاقات عسكرية وطيدة بواشنطن سوف يمنحها فرصة أكبر لمنع حدوث أو على الأقل تقليل حجم الأزمة أو المواجهة التي قد تنشب مستقبلاً بين مصر و"إسرائيل".




الخميس 08 سبتمبر 2011 م

د. سـامح عبـاس

موقع مفكرة الإسلام