لن يبرحوا شوارعهم!

أحمد بن عبد الرحمن الصويان

إن من أعظم ما يحيي الأمم، أن تطرد عنها لباسَي الخوف واليأس، لأنهما كالأغلال لا ينتجان إلا الذلة والمهانة، فإذا توكلت على الله عز وجل حق التوكل..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


إذا كان النظام لا يعرف إلا ثقافة الموت، ولا يتحدث إلا بالحلول الأمنية، ولغة القمع والقتل ومحاصرة المدن وتصفية أبطالها، فإن الشعب السوري لن يتراجع عن طريقه، ولن يفرًّط في حقوقه أو يتنازل عن مطالبه، مهما عظمت التضحيات، وتناثرت الأشلاء، وله في عزيمة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، فقد حكى القرآن العظيم عنه قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60]، فأبطال سوريه لن يبرحوا شوارعهم حتى تتحقق مطالبهم، وإن طال الطريق.

إن من أعظم ما يحيي الأمم، أن تطرد عنها لباسَي الخوف واليأس، لأنهما كالأغلال لا ينتجان إلا الذلة والمهانة، فإذا توكلت على الله عز وجل حق التوكل، وتدثرت بلباسي الشجاعة وصدق الأمل وحسن الظن بالله، حققت عزتها وسؤددها، وهذا هو الطريق الذي اختاره أبطال سورية، وسنة الله لا تتبدل في الأمم والشعوب، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] .


لكن استمرار مسلسل القتل والقمع والملاحقات الأمنية واقتحام المساجد والمنازل الآمنه، هل سينقذ النظام السوري من السقوط؟

نعم! ربما يسهم ذلك في تأخير السقوط أيامًا أخرى، لكن الشعب السوري في خروجه اليومي نحو الشوارع، عازم على الاستمرار في بناء العزة، وتشييد صروح الكرامة، لا تٌرهِبه استفزازات (الشبيحة)، ولا تثنيه وحشية العسكر، وها هو ذا النظام بحماقاته المتكررة وفهمه الثقيل، يرسم آخر فصول روايته البوليسية المملة، وهكذا هم الطواغيت والظلَمة في كل عصر تؤزهم شياطينهم أزًا، فيتورمون كِبْرًا وتيهًا، ويطغى الهوى على عقولهم الخربة، فيهوي بهم في دركات الخزي والانحطاط. {وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].


الجدير بالتأمل أنَّ الهدف واضح تمام الوضوح لثوّار الداخل السوري، ولهذا فالثورة تحقق في الداخل إنجازات كبيرة رغم التضحيات والدماء التي تتناثر هنا وهناك، أما أهداف المعارضة السورية في الخارج فلا زالت ضبابية غير واضحة المعالم عند كثير من الأطراف، ولهذا ترى بعضهم ينظر إلى الثورة بعين، وعينه الأخرى شاخصة تقرأ المكاسب الشخصية والمغانم الحزبية المتوقعة في المستقبل، وهذا ما جعل بعضهم يحسب حساباته القادمة برؤية تشوبها الأهواء، وتقيدها التطلعات ضيقة الأفق، وذلك أخطر ما يواجه الثورة السورية!

وإذا اختزلت مشاريع استنقاذ البلد بالمحاصصة الحزبية أو المكاسب الشخصية، فهذا يعني أننا ندور في حلقة متشابهة تختلف فيها الأسماء والشعارات العامة، وتتقارب فيها الأفكار والعقليات الموجهة، وهذا هو موطن الدّاء.
وأحسب أن عقلاء سورية يدركون أن المخرج من الأزمة يكون بأن تتوجه بوصلة الحراك السياسي نحو تغليب المصالح الوطنية العامة على جميع المصالح الضيقة، والاجتماع على كلمة سواء.