يا أيها الناشطون السوريون... أنا لكم ناصح أمين
ملفات متنوعة
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ}
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لقد فشل الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- في أُحد وتنازعوا فيما بينهم كما أخبرنا الله تعالى عنهم {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:152]، إلا أنهم لم يكونوا جميعًا سبب الفشل إذ قال الله عنهم {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152]، بل من المشاركين في أحد من أثنى الله عليه أيما ثناء {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23] .
وهكذا هو العمل الجماعي: رابطة بين مجموعة أفراد، قد يفشل كله بسوء أداء بعضهم، ولو كان أداء بعضهم الآخر رائعًا ومتميزًا.
إخواني الناشطين السياسيين السوريين، أذكركم بهذه القاعدة والكل يتحدث أن المعارضة السورية لم تنجح حتى الآن في تكوين مجلس وطني لدعم الثورة والانتقال بها إلى مرحة قادمة، في طريقها إلى النصر والتمكين بإذن الله.
ولعل السبب في عدم النجاح إلى الآن أنه بالرغم من أن في المبادرات التي طرحت مخلصون صادقون لم يألوا جهدًا في تقديم عصارة جهدهم و خيرة أوقاتهم وحر مالهم لخدمة قضيتهم العادلة بمنهجية واحترافية، فكانوا حقًا {الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26]، إلا أن فيهم أيضًا الأمين غير القوي: غيور مخلص لكن أدخل نفسه فيما لا يحسنه فأساء من حيث أراد الإحسان، وقد يكون فيهم القوي غير الأمين: صاحب الحنكة والخبرة والمال لكنه يبحث عن زعامات ومصالح شخصية أو حزبية.
وأنا هنا لا أدعو إلى فتح باب فتنة في الثناء على من يظن به أنه من المخلصين بأسمائهم، وفي الإشارة بأصابع الاتهام إلى أناس معينين لإفشال هذه المبادرة أو تلك، فالنوايا لا يعلمها إلا الله، وحتى لو كانت القرائن قوية فلا مصلحة في مثل هذا التصنيف خاصة في هذا الظرف العصيب.
لكنني أتوجه إليكم بموعظة الله –وكلكم مؤمنون به–:{مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152]
ما أبلغها من موعظة في خبر موجز! نعم إنها من أبلغ المواعظ في عالم الشعور وواقع العمل.
أما في عالم الشعور، فإن الإنسان على نفسه بصيرة.
فالذي يظن في نفسه أنه ما أراد إلا الله والدار الآخرة، يستروح أيما استرواح بهذه العبارة العادلة المنصفة {وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152]، بل لعلها تذهب بكل الغم الذي أصابه من {فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم} [آل عمران:152]. وما أقسى أن يُتهم جميع القائمين على العمل بأنهم سبب فشله دون أن نستثني أحدًا، فنضيف إلى المخلصين الصادقين العاملين منهم غم الاتهام والتثريب إلى غم الفشل والإخفاق.
وأما الذي علم من نفسه إرادة الدنيا فيشعر في دخيلة نفسه أن الآية تقرعه وتقول له أنت أنت من أفشلتنا!
وعلى كلٍ فالمنصف العاقل لا يزكي نفسه تزكية مطلقة، بل لا يفتأ يفتش في دخيلة نفسه ويراجع نيته أن يكون فيها شيء من المقاصد السيئة، وانهماك الإنسان في العمل قد يجعل في نيته الدخن والخلل دون أن يتنبه لذلك، وتأملوا قول أحد الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-: "لم نكن نعلم أن فينا من يريد الدنيا إلا حين نزلت هذه الآية".
أما في واقع العمل فإن لهذه الموعظة أثرها في التحفيز والتصويب.
فالمحسن الذي وجد هذه اللمسة العادلة الحانية التي اعترفت بفضله وميزته عن غيره ولم تعمم لا يحبطه الفشل، ولا يستسلم وينسحب بسبب ما يعانيه من اختلاف طبائع الناس ومقاصدهم، بل ينهض ويعيد الكرة حتى يأذن الله بالنجاح، مستلهمًا حديث النبي صلى الله عليه وسلم « » (الراوي: شيخ أصحاب النبي المحدث:الألباني، صحيح الترمذي خلاصة حكم المحدث: صحيح).
وأما المسيء فلعله ينتصح من طرف خفي إذا ذُكّر أن الله يرى ما يفعل، وأن شهداءه في الأرض يرون ما يفعل كذلك، فيعمل على تصحيح نيته وقصده قبل أن ينخرط مع إخوانه الآخرين من جديد.
اللهم ما أحوجنا -محسنًا ومسيئًا- إلى عفو عام منك تلم به شعثنا، وتجمع به كلمتنا، كما اطلعت على المنكسرين يوم أحد فقلت لهم {وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران:155].
معن عبد القادر وآخرون
مجلة البيان