ثـقـافــة العيــب!!

ما يراه الناس عيبا قد لا يكون حراما شرعا، حتى أن هناك من ينزل العيب منزلة أكبر من الحرام نفسه..

  • التصنيفات: - آفاق الشريعة - - ثقافة ومعرفة -

في أحد الأيام كنت جالسة مع مجموعة من الأخوات، وكانت إحداهن تتحدث عن خوفها وترددها في أداء أو إنجاز شيء ما، وأنها دائما تتوقع الفشل، فأخبرتها عن معلومة قرأتها تساعد في إزالة ذلك التردد، وهي: أنك إذا أردت فعل شيء فانظر فيه: هل هو حرام؟ أم لا، وهل هو عيب؟ أم لا، فإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك فامض مستعينا بالله في فعل ذلك الأمر.


فردت إحداهن موجهة الكلام لي حيث قالت: حتى موضوع العيب أراه عائقا؛ فما يراه الناس عيبا قد لا يكون حراما شرعا، حتى أن هناك من ينزل العيب منزلة أكبر من الحرام نفسه، فقصة الصحابي عمرو بن العاص حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الناس أحب إليك، فقال بأبي هو وأمي: «عائشة».. إلى آخر الحديث، بربك من يذكر اسم زوجته الآن؟؟ ولكنها أغلال قيدنا أنفسنا بها حتى لا نغرد خارج السرب.


في الحقيقة أنه ولأول مرة ألتفت لهذا الأمر، فعلا، فبعض المجتمعات تتمسك بالعيب حتى أكثر من الحرام نفسه، فتجدها تخلق قيودا ليس لها أصل في الدين، مما يجعلها عائقا من عوائق النهوض والتطور، والشعوب تختلف في نظرتها للعيب، بل إن المجتمع الواحد ترى فيه أسرا تفعل أمرا، بينما الأخرى تستهجنه، وهذا ما جعلني أتوقف وأطرح السؤال على نفسي،
ما هو العيب؟ وما الفرق بينه وبين الحرام؟ ومن أين جاءت ثقافة العيب؟ وما السبيل لتصحيح هذه الثقافة وجعلها في إطارها الصحيح؟

العَيْبُ لغة: الوصمة، والنقيصة، والشائبة، والمذمة، وجمعها أعياب وعيوب.
اجتماعيا: هو التصرف غير الملائم، والمنظور له كتصرف سيء ضمن المجتمع.
لكن معنى العيب الحالي المنتشر بيننا توسع وأخذ أبعادا ذات دلالات اجتماعية وأخلاقية، وأيضا دلالات ذات علاقة بالشرف والكرامة، وأصبح ثقافة معيقة ومعطلة، وتؤثر في المناحي الحياتية للفرد.

وإذا تساءلنا عن الفرق بين العيب والحرام:
فإن الدكتور/ زياد مقداد - أستاذ الفقه في الجامعة الإسلامية بغزة- يقول: فالعيب: يستمد قوانينه من قواعد بشرية قد تسمى ذوقاً أو أدباً أو مروءة.
أما الحرام: فهو مستمد من شريعة الله، وفاعله مؤاخذ شرعاً.
ويقول: بأن العيب: هو ما عابه الشرع وحرمه، وليس ما عرف بين الناس من عادات وتقاليد. مؤكداً على أن ليس كل عيب حرام، إنما كل حرام هو عيب ولا يجوز القيام به. انتهى كلامه.

فالطلاق، والمطلقات، والنظرة السلبية لهن، والطفل الذي نسكته في حضرة الكبار، ومن إذا أراد أن يذكر لفظ امرأة قال: أكرمكم الله، ومن يرى أنه من العار أن يذكر اسم أمه أو زوجته، وأن الرجل لا يعيبه إلا جيبه، وغيرها من الأمور تحت مسمى العيب، مما جعل المرأة تشعر بالدونية في مجتمعات العيب هذه، مما أثر على سلوكها العام، وأصبحت تعاني من عدم الثقة بالنفس، والشك والريبة من إمكانية إخفاقها، وهذا مفهوم مرتبط بالعادات المتعارف عليها اجتماعياً؛ أي أنه مفهوم بشري بحت ما أنزل الله به من سلطان!


إن هذه الضبابية التي نغلف بها مشكلاتنا، تلعب في واقعنا دوراً معوقاً لأي إسهام جاد في تقويم الواقع الاجتماعي المتأزم، فما ليس محرماً الحديث فيه قد يكون عيباً، ولاحد لهذا العيب!!


فثقافة العيب وما يتصل بها من قوانين ما هي إلا الملاذ الأخير لكل عاجز عن إيجاد دليل من الكتاب والسنة، يسند ويدعم ما يرى ويعزز سلطته وسطوته على الآخرين، ويفرض ثقافته الأحادية كي يسير الناس حسب ما تهواه نفسه.
ولو بحثنا عن سبب ذلك؟
في الحقيقة أن مفهوم (العيب) مرتبط بالعادات المتعارف عليها اجتماعياً؛ والعرف يؤخذ به في الناحية الشرعية، إن كان صحيحا وليس فاسدا.


والعرف معناه عند الأصوليين: هو ما اعتاده الناس، وساروا عليه من كل فعل شاع بينهم، أو لفظ تعارفوا على إطلاقه، فهو يشمل العرف القولي، والعرف العملي.
والعرف الصحيح هو: ما اعتاده الناس دون أن يصادم الشرع، فلا يحلل حراما ولا يحرم حلالا. وهذا يؤخذ به.
أما العرف الفاسد: هو ما اعتاده الناس، ولكنه يحل حراما أو يحرم حلالا، وهذا مرفوض شرعا.
وقد اتفق الفقهاء على أن العرف دليل ومصدر من مصادر التشريع الإسلامي، وتوسع الحنفية والمالكية في العمل به أكثر من غيرهم، واعتمدوه مستندا في كثير من الأحكام العملية.
فنجد أن القرآن والسنة ردت بعض المسائل للعرف:
- ففي القرآن: نجد في تقدير الكسوة والنفقة للأم التي أرضعت ولدها، قال تعالى:
{وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233].
- أما في السنة: قول النبي- صلى الله عليه وسلم- لهند بنت عتبة
«خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف». (أخرجه البخاري)​​​​​.

إذا فمن أين جاءت ثقافة العيب؟
يقول الأخصائي الاجتماعي ورئيس قسم الخدمة الاجتماعية بالجامعة الإسلامية بغزة الدكتور وليد شبير: إن الأسباب الحقيقة لثقافة العيب هو التمسُّك بالتقاليد الاجتماعيَّة البالية لدى شُعوبنا، ويرجع ذلك إلى:
- ضَعفِ الوازِع الدِّيني.
- غياب الوعي الثقافي.
- وتفشِّي الجهل.

كيف نتجاوز هذه المشكلة ونضعها في إطارها الصحيح؟
يقول الدكتور/ وليد شبير: أنه يجب العمل على تجاوُزها مِن خلال:
- الرجوع للدِّين والسنَّة المطهَّرة.
- نبْذ الأفكار والسلوكيات النابِعة والمُستمَدَّة أصولُها وفروعها مِن عصر الجاهلية والمُعتَقدات الشركيَّة الفاسِدة، فلا يُعيقنا كلامُ الناس، ولا نخشى مَلامتَهم، ولكن الله أحقُّ أن نَخشاه.


وخلاصة الأمر: فإن الحل الفاعل لثقافة العيب هو:
- تغيير تفكير الناس عبر توعيتهم بدينهم من خلال البرامج الحوارية المكثفة من رجال العلم الشرعي، ومن الباحثين الاجتماعيين ومن كافة فئات وشرائح المجتمع عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة، وعبر خطب الجمعة.

 

- وأن نفنّد ما يعتبره المجتمع عيباً تحت مجهر الشرع المطهر، ونبسطه للناس، ونؤسس لمفهوم جديد ناضج يربط فيه المسلم كل سكناته وحركاته بالدين لا بالعادات والتقاليد؛ فالمجتمع إن حاسبك فلن يعاقبك، لكن الله إن حاسبك عاقبك، والمسلم لا يعبد إلاّ الله عز وجل، ولا يرجو سواه.