جائزة العمر ( ليلة القدر)

محمد سيد حسين عبد الواحد

إنها ليلة القدر (جائزة العمر) وليست فقط جائزة رمضان.. 
نسأل الله بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يبلغنا ليلة القدر وأن يجعلنا من عتقاء ليلة القدر... اللهم آمين.

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

أيها الإخوة الكرام:  مضى من أيام رمضان ولياليه ما مضى وانقضى من زمانه ما انقضى لكن تبقي الجائزة الكبرى التي في العشر الأواخر من كل رمضان،  والتي يراهن عليها المسلمون ويترقبونها حتى آخر ليلة من ليالي رمضان. 

إنها ليلة القدر (جائزة العمر) وليست فقط جائزة رمضان.. 
نسأل الله بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يبلغنا ليلة القدر وأن يجعلنا من عتقاء ليلة القدر... اللهم آمين. 

قال رب العالمين سبحانه وتعالى:   {﴿  إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ ﴾ ﴿ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ ﴾ ﴿ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ ﴿ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾  ﴿ سَلَٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ ﴾}  

كل بركات رمضان،  كل نفحات رمضان،  تأتي في ليلة القدر مجتمعة وزيادة.. 

إذا كان رمضان شهر رحمة،  فليلة القدر ليلة رحمة، إذا كان رمضان شهر مغفرة فليلة القدر ليلة مغفرة،  إذا كان رمضان شهر عتق من النار فليلة القدر ليلة عتق من النار،  وفوق ذلك هى خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة قدر.. 

من أول ليلة من ليالي رمضان ورسول الله عليه الصلاة والسلام يتحدث عن ليلة القدر.. 
يرغب فيها، يشوق إليها، يدعوا إلى اغتنامها

قال النبي صلى الله عليه وسلّم " «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا قَدْ حُرِمَ» ".

من أول ليلة من ليالي رمضان ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يتحدث عن ليلة القدر.. 
يقرأ على الناس سورتها، {﴿  إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ ﴾ ﴿ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ ﴾ ﴿ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾}
 يرغب فيها، يشوق إليها، يدعوا إلى اغتنامها،  ينصح بقيامها واحتسابها.. 

قال عليه الصلاة والسلام  " «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» "

ليلة القدر ليلة أكرم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلّم،  كرامة ليلة القدر،  عظمة عطاء الله تعالى في ليلة القدر، لم تكن لقوم نوح ولا لقوم ابراهيم ولا لقوم موسى ولا لقوم داود،  عليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم السلام، وكانت ليلة القدر فقط لأمة محمد صلى الله عليه وسلّم.. ذلك أن هذه الأمة أمة مرحومة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.. 

ليلة القدر ليلة واحدة تأتي في رمضان ولا تأتي في العام إلا مرة واحدة،  لكنها تساوي (عمرا) فهي لا تعدل ألف شهر بل هى خير من ألف شهر.. 

عن علي بن عروة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاما، لم يعصوه طرفة عين فذكر ( أيوب عليه السلام وزكريا عليه السلام وحزقيل ابن العجوز عليه السلام ويوشع بن نون عليه السلام) 
وكلهم من أنبياء بني إسرائيل.. 
قال علي بن عروة : فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فأتاه جبريل فقال: 
يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين، فقد أنزل الله خيرا من ذلك فقرأ عليه (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) ثم قال: هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك منه، قال علي بن عروة : فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه.. 

ليلة القدر خير من ألف شهر، ليلة القدر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة قدر، ليلة القدر خير من ألف شهر بأيامها ولياليها،  ليلة القدر خير من ألف شهر بعملها وصيامها وقيامها.. 

هي منحة ربانية،  وغنيمة إلهية، ونفحة من نفحات الكريم سبحانه وتعالى فتعرضوا لها فلعلها أن تصيبكم فلا تشقوا بعدها أبدا. 

ليلة يستغفر فيها المستغفرون،  ويتوب فيها المذنبون، ويقبل فيها النادمون، ويتنافس فيها المتنافسون.. 

ليلة نزول القرآن أول مرة على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم {﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَٰرَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾}

 ليلة نزول الملائكة يتنزلون عليهم السلام مع تنزل البركة والرحمة،  وعلى رأسهم الأمين جبريل عليه السلام،  يتنزلون كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، وكما يحيطون بحلق الذكر، وكما يضعون أجنحتهم لطالب العلم رضا بما يصنع،  تتنزل الملائكة إلى الأرض في ليلة القدر بحيث يكونون أكثر من عدد الحصى {﴿ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾}

ليلة القدر هي ليلة السلام من رب السلام إلى جميع الأنام، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء أو أن يؤذي أحدا ..  ﴿ {  إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ ﴾ ﴿ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ ﴾ ﴿ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ ﴿ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾  ﴿ سَلَٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ ﴾}

هى ليلة من ليالي رمضان،  وتحديدا في العشر الأواخر من رمضان،  وخصوصا الليالي الوترية ( ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين،  أو خمس وعشرين،  أو سبع وعشرين،  أو تسع وعشرين.. 

قال أبو سعيد الخدري رضى الله عنه «اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا وَقَالَ» : 
«" إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، أَوْ نُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ ".  »

قال أبو سعيد: فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً ، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ صلى الله عليه وسلّم.. 

أيها الإخوة الكرام  : 
ليلة القدر ليلة رحمة أسأل الله العظيم أن يرحمنا برحمته.. 
ليلة القدر ليلة مغفرة أسأل الله العظيم أن يغفر لنا جميع ذنوبنا.. 
ليلة القدر ليلة عتق من النار أسأل الله العظيم أن يعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث عن ليلة القدر أن نقول: 
قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحرص الناس على الخير،  فكان يترقب ليلة القدر من رمضان رجاء الفوز بها.. 

فمع أول ليلة من ليالي العشر الأواخر من رمضان كان رسول الله يدخل المسجد معتكفا لا يخرج منه إلا بغروب شمس آخر يوم من أيام رمضان وهو في كل ذلك يحيي ليله ويوقظ أهله ويشد مئزره ويجد ويجتهد.. 

حتى ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان في العشر الأواخر من رمضان لا يقدر عليه كان يواصل الصيام فيمر عليه اليوم واليومين والليلة والليلتين والثلاث وهو في كل ذلك لم يأكل شيئا ولم يشرب شيئا اشتغالا بالذكر والعبادة لله رب العالمين.. 

قال النبي عليه الصلاة والسلام ( من قام ليلة القدر) قامها يصلي، قامها بذكر الله تعالى، قامها يدعو، قامها يرتل القرآن ترتيلا....
 ( «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» )

اعتكف الرسول صلى الله عليه وسلّم طلبا لليلة القدر،  واعتكف أمهات المؤمنين طلبا لليلة القدر، واعتكف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أيضا طلبا لليلة القدر،  ولم يزل المسلمون في أصقاع الأرض يلتمسون بركة هذه الليلة ويرجون برها عسي أن يكونوا من عتقائها... 

عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضى الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ : « يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو ؟ قَالَ : " تَقُولِينَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» ".

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعفو عنا جميعا،  وعن آبائنا وأمهاتنا،  اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار ومن عذاب النار،  وأدخلنا يا رب برحمتك الجنة مع الأبرار..