ثمار الشهر في ليلة القدر
أيها المسلمون، المؤمن إذا جاءت العشر الأواخر أيقظ أهله وشدَّ مِئْزرَه، وأحيا ليله، اقتداءً بنبيِّه، وحبًّا لدينه، وقربًا لربِّه، في ليلة القدر تجد المؤمنين حقًّا يقدِّمون القربات، ويتعرضون للنفحات، ويتطهَّرون من السيئات، ولا يقصرون في الطاعات...
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
أيها المسلمون، الأيام تُطوى، والأعمار تفنى، والأبدان تبلى، وإن الليل والنهار يتراكضان تراكض البريد، يقربان كل بعيد، ويخلقان كل جديد، ويفلَّان كل حديد، وفي ذلك عباد الله ما ألهى عن الشهوات، ورغَّب في الباقيات الصالحات {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم: 76].
ومن أعظم الباقيات الصالحات ما يمنح الله للمؤمنين في شهر رمضان، وما يفوح للعابدين من ثمار الشهر وليلة القدر.
أيها المسلمون، ما أجمل هذه الأيام! وما أحلى هذه الليالي؛ حيث الصلاة والصيام، الوئام والسلام، صلة الأرحام وبر الأيتام، العمرة إلى البيت الحرام، الغفران وقراءة القرآن، الإحسان والعتق من النيران، القيام، التهجُّد، البر، صدقة الفطر، ثم تتوج بليلة القدر {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 2، 3]، إنَّها أوقات مُحمَّلة بالبركات، مثقلة بالحسنات، مفعمة بالعفو عن السيئات!
رحمة الله بعباده: عباد الله، اللهُ تعالى رحيم بعباده، ومِن رحمته بهم أن جعل لهم مواسمَ رحمةٍ، مواسمَ طاعةٍ، مواسمَ قُرْبٍ منه، جعل الله لهم في أيام دهْرِهم نفحات، هذه النفحات تأتينا نفحة بعد نفحة، وقُربة بعد قربة، ونعمة بعد نعمة، وفُرصة بعد فرصة، تُذَكِّرنا بالله إذا نسينا، وتُنَبِّهنا بالحقِّ إذا غفلنا، وتدفعنا للخير إذا فترنا، ومِن أعظم مواسم الخير، ومن أفضل مواسم الرحمة، ومن أحلى مواسم الطاعة: شهر رمضان {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة: 185]، ومن الشهر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
الاستعداد: أيها المسلمون، المؤمن إذا جاءت العشر الأواخر أيقظ أهله وشدَّ مِئْزرَه، وأحيا ليله، اقتداءً بنبيِّه، وحبًّا لدينه، وقربًا لربِّه، في ليلة القدر تجد المؤمنين حقًّا يقدِّمون القربات، ويتعرضون للنفحات، ويتطهَّرون من السيئات، ولا يقصرون في الطاعات، ويتجهون لربِّ الأرض والسماوات، يرجون رحمته، ويخافون عذابه، يفرحون بقدوم الشهر، ويتحرَّون ليلة القدر، يجمعون أعظم الأجر، ويقبضون جوائزهم يوم الفطر.
منحة ليلة القدر: أيها المسلمون، ليلة القدر منحة من الله تعالى لأُمَّة الإسلام، خير أمة أُخرِجت للناس، منحة إلهية، ونفحة ربانية، تَزْكية لنفوسهم، وتقوية لقُلُوبهم، وتطهيرًا لصدورهم، وإعلاء لشأنِهم، ورفعة لقدرهم، ومغفرة لذنوبهم، حين يشعرون بالفقير الجائع، والمسكين الضائع، واليتيم المكسور، والمعيل المَقْهور، فتقوى عزائمهم، وتعلو هِمَمُهم، ويزداد إيمانُهم، ويقتربون من ربِّهم، فطوبى لِمَنْ جاءَته ليلة القدر، فوَجَدَتهُ جوادًا كريمًا، أطعم أفواهًا، وكسا أجسادًا، ورَحِم أيتامًا، وجعَل يده ممرًّا لعَطاء الله عز وجل.
هذه رحمات مِنْ ربِّكُم، فتعرَّضوا لها، هذه أوقات من رازقكم فأحيوها، هذه نفحات مِن ربِّكم، فعيشوها، وتنافسوا فيها، لعلَّ أحدكم تُصيبه نفحة، فلا يشقَى بعدها أبدًا، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «افعلوا الخير دهْرَكم، وتعرَّضوا لنفحات رحمة الله، فإنَّ لله نفحات مِنْ رحمته يُصيب بها مَن يشاء مِن عباده، وسَلُوا الله أن يسترَ عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم».
ثمار ليلة القدر: عباد الله، ليلة القدر خيرها حتى بزوغ الفجر، سلامها حتى مطلع الفجر، وعطاؤها حتى أذان الفجر، عبقها طول الليل، فلا شحناء، ولا بغضاء، لا قذى ولا أذى، لا غبن ولا جبن، من يجتهد يجد، ومن يهمل يفشَل، ومن يفرِّط يُحرَم، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «إنَّ هذا الشهرَ قدْ حَضَركُم، وفيهِ ليلَةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهْرٍ، مَن حُرِمَهَا فقد حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ، ولا يُحْرَمُ خيرَها إلا مَحْرُومٌ»؛ (رواه ابنُ ماجه وحسَّنه المنذري).
ليلة القدر فيها ثمار الشهر، فيها عظيم الأجر، فيها جبال الخير، تُعادِل عبادة أكثر من ثلاثة وثمانين عامًا {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، تضيف للعبد العابد المتعبِّد الصائم نهارها، القائم ليلها، الحائز أجرها، الفائز بنصيبها، عمرًا فوق عمر، وأجرًا فوق أجر، وقدرًا فوق قدر، المحروم من حرم خيرها، والمغبون من غفل فيها، والمطرود من رحمة الله الذي عصاه في نهارها وليلها؛ ليلة القدر إذن كلها خير، كلها عطاء، كلها سلام.
كيف لا؟!
كيف لا وهي ليلة السلام؟! إذ يبارك الله فيها الأرض بنزول الملائكة على رأسهم الرُّوح جبريل عليه السلام، أمين وحي السماء، فيقبل الدعاء، ويعم الرجاء، وينتشر الخير، ويتجلَّى السلام، ويتحقق الوئام، وتتنزَّل الرحمة، فيشعر فيها المؤمن بالطُّمَأْنينة، وتعمه السكينة، ويحيا بالسلام {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] وُصِفت بالسلام؛ لسلامة العباد من العذاب، بطاعتهم لله، بقربهم من الله، برغبهم في ثواب الله، الناس في سلام، المساجد في سلام، الكون في سلام، فلا أذى، ولا صخب، ولا ضجر، هذا هو جوُّ ليلة القدر، فمن عاش هذا الجوَّ التزم الأمر، وحاز هذا الأجر {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} والسلام يكون مع النفس بحفظها وصيانتها من كلِّ ما يُؤذيها ويؤدي بها إلى الهلاك، وذلك من خلال إلزامها منهج الله تبارك وتعالى، واتِّباع سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فالمسلم لا يؤذي نفسه ولا يُودِي بها إلى المخاطر.
والسلام مع الكون يكون بعدم التعدِّي على جميع من في الكون إنسًا كانوا أو جنًّا أو طيرًا أو حيوانًا أو غيره.
كيف لا وهي ليلة الفصل والتقدير؟! تُفصَّل فيها الأقدار، ويُعَز فيها الأبرار، ويُكرَم فيها الأخيار، تتنزَّل الأقدار من اللوح المحفوظ إلى صُحُف الكَتَبَة من الملائكة، وهذه الأقدار تتضمَّن أقدار العباد من أمور الدنيا، وأسرارهم في الحياة، مثل: الرِّزْق، والأجل، وغيرهما، يقول الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4].
كيف لا وهي ليلة التنزيل؟! إذ إنَّها الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، نعم تزينت الدنيا بنزول القرآن، واستنارت الأرض بنور القرآن، وتجملت الحياة بجمال القرآن.
كيف لا وهي ليلة مباركة؟! بعظم الأجر لمن قامها، وعمل فيها بالخير، وقد وُصِفت بذلك في القرآن الكريم {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3].
كيف لا وهي ليلة الخير؟! ذكر الله سبحانه منزلتها، وفضل قيامها، والأجر والثواب المُترتِّب على العبادة والدعاء فيها، إذ يُضاعِف الله أجر الأعمال الصالحة في هذه الليلة، فأجر العبادة فيها خير من أجر العمل في ألف شهر {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
كيف لا وهي ليلة الغفران؟! فهي ليلة تُغفَر فيها الذنوب، وتستر بها العيوب، وتجبر فيها القلوب، من قامها بإخلاصٍ غفر الله ذنبه، وأقال عثرته، وكشف كربته، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»؛ (مسلم).
كيف لا وهي ليلة العمر والجبر؟! إذا أحَبَّ اللهُ فيها عبدًا أضاف له من العبادة عمرًا، ومن العطاء جبرًا، ومن الرحمة تكرمًا وتفضلًا، سبحانه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
كيف لا وهي تُعَدُّ أهم ليلة؟! في شهر رمضان الليلة الأهم، بل في العام كله؛ وهي في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، ويعود سبب تميُّزها إلى كونها الليلة التي أنزل الله فيها القرآن على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفيها فضل عظيم وأجر كبير لمن يُقبل فيها بالعبادة والطاعة لله سبحانه.
كيف لا وهي ليلة الاصطفاء؟! فقد اصطفى ربنا من البشر محمدًا ليكون رسولًا للبشريَّة، واصطفى من الشهور رمضان ليكون موسمًا للمؤمنين، ومن الليالي ليلة القدر لتكون سلامًا للمسلمين؛ بل والناس أجمعين.
كيف لا وهي ليلة البشرى؟! فقد بشَّرنا رسول الله أن مَنْ قامها إيمانًا بالله، واحتسابًا للأجر، وطمعًا بالمغفرة، غفر له ما تقدَّم من ذنبه.
كيف لا وهي ليلة العفو والصفح؟! علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأُمَّة عندما عَلَّم عائشةَ أُمَّ المؤمنين رضي الله عنها دعاءً تدعوه في ليلة القدر إذا عَرَفتها، وهو: «اللهُمَّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعْفُ عني».
كيف لا وهي ليلة الشرف؟! تشرفت الأرض بنزول الملائكة يتقدمهم جبريل عليه السلام، يُسبِّحون ربَّ العالمين، ويستغفرون للمؤمنين، ويرفعون دعاءهم ورغباتهم إلى الله ربِّ العالمين وهو بها أعلم: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى: 5].
ما يجب على العبد؟ أيها المسلمون: على المسلم في ليلة القدر أن يُسارع إلى أنواع الطاعات، ويسابق إلى جُلِّ العبادات، وأن يجتهد فيها قدر ما يستطيع، ومن الأعمال التي يمكن للمسلم القيام بها في هذه الليلة المباركة، يستعدُّ المسلم لإحيائها منذ الفجر، ويحرص على الصدقة فيها، وعلى تفطير صائم في يومها، والإكثار من الدعاء وقت إفطاره، ويحرص فيها على السُّنَن الرواتب، والسُّنَن الأخرى، ترديد الأذان وراء المُؤذِّن، والدعاء بعد الأذان، وكثرة ذِكر الله فيها، والتعجيل في الفِطر، وبِرّ الوالدَين، وحسن الجوار وصلة الأرحام، وإفشاء السلام.
ويُستحَبُّ كذلك الإكثار من قراءة القرآن، ومن كان قادرًا على ختم القرآن كاملًا أن يختمه في ليلة القدر، وله بذلك أجر عظيم.
ما أجمل ساعات السحر في ليلة القدر! فلا تفقد قدرَها، ولا يفوتك أجرُها، ولا يُخطئك طيفُها، ولا تغِبْ عن ظِلِّها، لتكن في ظلِّ الله يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه.
يجب أن نقف فيها وقفةَ جدٍّ واجتهاد، وعبادة وجهاد، نجني من ثمارها، ونمتصُّ من رحيقها، وننهل من مَعينها، ونقطف من عبيرها، ونرتوي من فيض عطاءاتها، ونعمل فيها ما لا نعمل في غيرها،
لقد صنَعت هذه العشر ومنها ليلة القدر رجالًا عمالقة وأبطالًا صابرين، تربَّوْا على الطاعة والإيمانِ، ونَهَلوا من عطاء الرحمن، وترعرَعوا على الصيام والقرآن.
يُروى أن امرأةَ حبيب أبي محمد كانت تقول له بالليل: قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت أمامنا، ونحن قد بقينا.
السابقون يعظمون ليلة القدر: عباد الله، إن تعظيم هذه الليلة عبادة وريادة، تقوى وسعادة: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
يقول أبو عثمان النهدِي: كانوا يُعظِّمون ثلاث عشرات: العشر الأُوَل من محرم، والعشر الأُوَل من ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، ومن شدةِ تعظيمهم لهذه الأيام كانوا يتطيبون لها ويتزيَّنون، قال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالِ العشرِ الأواخر، وكان النخعي يغتسل كل ليلة!
فحريٌّ بمَنِ التَمَسَها وأدركها أن يطيب ولا يخيب، أن يفرح ولا يحزن، أن يسعد ولا يشقى، وأن يظفر بمرغوبه ومطلوبه ومُناه، وذلك فضل الله يؤتيه مَنْ يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
عباد الله: أيها المسلم، العصاة تقل بركتهم: كم نرى ونسمع من يشتكي قلة البركة في الأعمار؟! وكم من تمُرُّ عليه الأعوام كأنها أيام؟! وهذا ما أخبرنا به سيِّد الأنام صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ»، والسعفة: هي الْخُوصَةُ.
قال النووي: الْمُرَاد بِقِصَرِهِ عَدَم الْبَرَكَة فِيهِ، وَأَنَّ الْيَوْم مَثَلًا يَصِير الانْتِفَاع بِهِ بِقَدْرِ الانْتِفَاع بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَة.
وقال الحافظ ابن حجر: وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَاد نَزْع الْبَرَكَة مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى مِن الزَّمَان، وَذَلِكَ مِنْ عَلامَات قُرْب السَّاعَة.
يقول ابن مسعود رحمه الله تعالى: "إذا رأيتَ العبدَ تزداد دنياه وتنقُص آخرته وهو بذلك راضٍ، فذلك المغبونُ الذي يُلعَب بوجهه وهو لا يشعر".
يقول محمد بن واسع: "إذا رأيتَ في الجنة رجلًا يبكي، ألستَ تعجَب من بكائه؟ قيل: بلى، قال: "فالذي يضحَك في الدنيا ولا يدري إلى ماذا يصير هو أعجبُ منه".
المحرومون: هناك أناس لا يعرفون قيمة الشهر، ولا ينتهزون ليلة القدر، لا يتعرضون لنفحات رمضان، ولا يؤثر فيهم القرآن، ولا ينظر إليهم الرحمن، ولا تقدرهم ليلة القدر إلا ما رحِم ربي وعصَم، إنهم عباد الشيطان، يأتمرون بأمره، ويسلكون مسلكه، ويُحقِّقون رغبته! أولئك محرومون من خيرها، بعيدون عن أجرها، مطرودون من ظلِّها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينظر ليلة القدر إلى المؤمنين من أمَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويعفو عنهم ويرحمهم، إلا أربعة: مدمنَ خمرٍ، وعاقًّا، ومشاحِنًا، وقاطعَ رَحِمٍ».
عباد الرحمن وليلة القدر: أما عباد الرحمن، فيتحلون بالأمن والأمان، ويَحيون بالإسلام والسلام، لا يردون السيئة بالسيئة، ولا الصفعة بالصفعة، ولا اللطمة باللطمة، لا يكيلون بمكيالين، ولا يعيشون بوجهين، إنما ديدنهم العفو، وشيمهم الصفح، في ليلة القدر وسائر الأيام، يعيشون السلام ويحبون السلام، سلامهم من سلام ليلة القدر، وقدرهم من قدر ليلة القدر: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63].
اللهم ارزُقْنا الإخلاص في القول والعمل، ونجِّنا من خزي الدنيا والآخرة.